بعد أيام قليلة من انتخابات المجلس التأسيسي في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، خرجتَ على التونسيين في التلفاز حتى قبل أن تحصل على ثقة حلفائك في الترويكا لتنصيبك رئيساً موقتاً علينا لتقول إنّ مدة عمل المجلس ستأخذ ثلاث سنوات على الأقل، رافضاً حينها تحديد مدة سنة واحدة كسقف زمني لانتهاء أشغاله.وها هي نبوءتك تتحقق. وها قد أصبحت رئيساً للبلاد بأتمّ معنى الكلمة. تشق طرقات تونس في cortège ضخم من الحرس الرئاسي لا يهمهم إن كان زين العابدين بن علي أو منصف المرزوقي أو حتى الشيطان نفسه هو من يركب السيارة الفاخرة المصفحة.
ائتمنك النواب في المجلس التأسيسي الذين انتخبوك في ذاك المنصب على أمانة مؤسسة رئاسة الجمهورية، حتى تنتهي فترة الانتقال الديمقراطي التي تعيشها البلاد حالياً. واعتقد جزء من النخبة السياسية أنك ستكون العين الساهرة على تحقيق التوازن بين مختلف مكونات الأحزاب الحاكمة، ولكن هيهات! فبعد مرور سنتين من تقلدك تلك المهمة تأكد أنك لم تكن، في حقيقة الأمر، سوى رأس حربة مثبتة فوق بندقية حركة النهضة التي تستعملك للتخلص من خصومها السياسيين.
رصيدك في الحكم «تحت الأحمر» في كل المستويات.
لنبدأ بمجال الحريات العامة والفردية. نعتقد أن أجهزة حكمك قادرة على تعداد الأشخاص الذين حوكموا بسبب آرائهم أو مواقفهم السياسية. فلم نعد نقدر على ذلك لكثرتهم صراحة. نشطاء حقوقيون ومعارضون وصحافيون ومثقفون وحتى مواطنون لا انتماء يُذكر لهم يقفون أمام القضاء وهم لم يرتكبوا إثماً كبيراً عدا أنهم قالوا كلاماً، قد يزعج البعض، لكنهم لم يعتدوا على الغير. تباً! أنت نفسك اشتكيت للقضاء طالباً منه أن يزج في الحبس أشخاصاً عارضوك واختلفوا معك في الرأي. أنت الرئيس الشرفي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يرمي بأحدهم في دهاليز السجون بسبب رأي ما، وتحاكمه بنفس القوانين الجائرة والتعسفية التي خاطها رجالات قانون بورقيبة وبن علي على مقاس نظاميهما حتى يعيثا في البلد استبداداًَ!
فماذا عسى يقول حارس السجن الذي مرّ أمامه المئات من السجناء السياسيين في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وهو يعاين الآن دخول دفعات جديدة من سجناء الرأي؟! طبعاً سيسخر مما قيل له إن ثورة حدثت في البلاد.
وماذا عن ضمان الحريات الأساسية في الدستور الجديد للبلد؟ هي كلها مضمونة بلا شك فيه، لكن بما لا يتنافى مع القانون! القانون الذي سيكفل الفريق الحاكم القادم سنه على مقاسه ليحد من تلك الحريات الى حد أن يفرغها من مضمونها الحقيقي. وهو ما كان عليه الحال في السابق. ماذا تغيّر إذاً؟ الإجابة واضحة على ما يبدو.
وأنت في موقعك بين جدران قصر قرطاج، تغوّل حزب أحكم الهيمنة على مختلف مفاصل البلاد. تعلم جيداً أن من بين عناصر قوة التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل سيطرته على الادارة التونسية، وتسخيرها لنسج شبكة علاقات اجتماعية زبائنية شعارها: «انتخبْني... نقْضيلك مصلحتك». وحركة النهضة تعمل بتلك القاعدة. فماذا استفدت أنت من ذاك؟ لا شيء طبعاً. فما هو وزن حزبك عددياً مقارنة بالنهضة؟! رائع أن ترفض استغلال مكانتك لكي تزرع أتباعك في مراكز إدارية مهمة (مركز الدراسات الاستراتيجية نموذجاً!)، لكن أن لا تتصدى لما تقوم به النهضة فإنه تواطؤ منك لمصلحتها. قف. لا ننسى طبعاً رسالتك الشهيرة التي أُلقيت في أحد مؤتمرات حزبك، والتي أشرت فيها إلى هذا الأمر، لكن ماذا بعد؟ لقد سكتت. والساكت هو شيطان أخرس. شكراً رئيسنا الشيطان.
وتتذكر أنه بمجرد اعتلائك كرسي الرئاسة، طالبت جزءاً من شعبك بمهلة مدتها ستة أشهر يتوقفون أثناءها عن المطالبة بحقهم في العيش الكريم. آلاف من التونسيين تمردوا ضد نظام الرئيس المخلوع جراء تراجع مقدرتهم المعيشية، وحرمانهم الحق في الشغل وانعدام مقومات الحياة الأساسية من ماء صالح للشرب وكهرباء ومدارس ومستشفيات وطرقات، تريد منهم أن يؤجلوا مطالبتهم بالعدالة الاجتماعية إلى أن يستقر بكم المقام على كرسي الحكم وتنغرسوا فيه غرساً؟! طيب. قضيت أكثر من تلك المدة وأنت تُشرف على الدولة، فما عدا الخراب الاقتصادي الذي تعيشه تونس ما الذي تحقق؟ ثم من طلب منك أصلاً أن تحقق النماء والرخاء للتونسيين؟ ألم ينتخبوك في دائرتك من أجل أن تكتب الدستور ثم تذهب في حال سبيلك؟
إنك تحيط نفسك بفيلق من المستشارين، تُصرف رواتبهم من الميزانية الهزيلة لبلاد تتعاظم مديونيته على نحو متواصل، دون أن تكون هناك أيّ فائدة تستحق الاهتمام. مستشارون عزلوك عن واقعك ونفخوا من صورتك. يفتحون أبواب قصر قرطاج أمام كل من هب ودب (شيوخ سلفيين «تأسلفوا» بعد الثورة، ميليشيات نازية تُمارس العنف ضد المعارضين بدعوى حماية الثورة، اسلاميون راديكاليون في ثوب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، متسلقون ومتزلفون) وأغلقوه في وجه شرفاء هذا الوطن الذين سبق أن ناضلوا، برفقتك في بعض الأحيان، من أجل أن يُفتح ذلك القصر أمام من يستحق أن يكون فيه.
سيدي الرئيس. لم تُحكم اختيار أفضل الأوقات حتى تكون رئيساً للبلاد. ليس تاريخك النضالي هو السجادة الحمراء التي تمشي فوقها لتلج قصر قرطاج، بل صندوق الانتخاب هو الذي يحملك الى ذلك المكان. وفي عهدك، انهارت جميع أحلام قطاع واسع من التونسيين، التي آمنوا بها منذ استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي، في أن يروا يوماً وطنهم سباقاً في جميع المجالات. فما عليك إلا أن ترحل اليوم، الآن الآن وليس غداً.

الموقّعون:
سفيان الشوراب ـــ صحافي
نوال بيزيد ــ ناشطة حقوقية
لينا بن مهني ــ مدونة
ولاء القاسمي ــ ناشطة حقوقية
هندة الشناوي ــ صحافية
سكندر بن حمدة ــ مدون
رضوان عدالة ــ مدون