«محافظون جدد»، «سلفيّون»، «تكفيريّون»، «قوميّون»، «وطنيّون»، «ممانعون»، «وحدويّون»، «ديموقراطيّون»، «فقراء»، «أغنياء»، «إسرائيل»، «سلطة»، «حماس»، والسلسلة تكاد لا تنتهي. وهكذا، قام «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، بتمويل من حكومة قطر، بإجراء استطلاعات رأي لدراسة هذه الظواهر وحالات الناس في الدول العربية، فأصدر ما سمي «المؤشر العربي» بغية الوقوف على اتجاهات الرأي العام العربيّ نحو مجموعة من المواضيع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسية، بما في ذلك قضايا الديمقراطيّة وقيم المواطنة والمساواة والمشاركة المدنيّة والسياسيّة والمؤسّسات الرسمية ومدى الثقة بها، وكذلك اتجاهات الرأي العام نحو القطاع الخاص، ونحو المحيط العربي والصراع العربي الإسرائيلي».
قد تثير نتائج هذه الاستطلاعات الملل في معظمها، ولكن الأساتذة الذين ساهموا في وضع هذا المؤشّر يثيرون شيئاً آخر فيك. هل لكل شيء سعر؟ يكفي أن تعلم أنّ الأمانة العلمية، أو عدمها، لم تحثّ هؤلاء على التوضيح لماذا لم يستطلع أهل قطر والإمارات والبحرين؟ وأي إحصائيات تلك التي تعطي أوزاناً متساوية للكويت ومصر والمملكة العربية السعودية؟ أي علم هذا وأي علماء هؤلاء؟ إن لائحة أسماء العاملين والمستشارين في هذا «المركز العربي» ومع ذلك «المفكر العربي» ليست بسيطة ولا يستهان بها. فقد تمكنت قطر أن تجمع كل هذه العقول وتوظّف بعضها لإصدار مؤشّر يندى له الجبين. أما آن لأصحاب الفكر في عالمنا العربي أن يقولوا، وبصوت عالٍ، إن عقلهم وأمانتهم لا يسمحان لهم بالتبعية لأي حاكم سواء جلس في قطر أو دمشق؟
نعم، لقد عرف السلطان (حسب ابن الفرات) «أن أمره مخرقة فإذا استوت بالكتابة أصبحت سياسة»، كما أدرك المثقّف دور الفكر في رسم السياسة. وقد قال ابن خلدون «إن الكتابة آلة السلطان». وهكذا نرى حجّة وحاجة المفكر أو المثقف للحاكم وحاجة الحاكم له. أما آن لأصحاب العقول والمفكرين أن يقاطعوا السلطان ليصبح دون آلة، إلا القمع، فنرى أوامره كما هي على حقيقتها: مخرقة؟ هل قدر عقلنا ردّات الفعل؟ وهل لعملنا وعقلنا وكرامتنا قدر؟
مؤشّر عربي؟ مؤشّر حريّة الأمراء والملوك وديمقراطية السلاطين؟ مؤشّرالتفوّق الفكري في الخليج على الهلال الخصيب ووادي النيل؟ مؤشّر تفوّق قطر على السعودية؟ من ملاعب كرة القدم إلى محطات التزلّج ومن مروج الغولف إلى أبراج يتوق إليها كلّ حاكم جديد، يأتون إلينا ليقولوا ماذا؟ «تنحي أمير!» ماذا سيقول المؤرخون؟ دمّرت بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام فجمعتم كتبها وتحفها عندكم واشتريتم جامعات الغرب وعقول العرب لقصوركم وحين كان السؤال: لماذا لم تستطلعوا قطر؟ قلتم «لأن وزنها إحصائياً لا يحتسب». ثمّ كيف اكتشفتم أنّ 62% من الشعوب العربية تصف وضعها الاقتصادي بالجيّد والجيّد جدّاً؟ وماذا عن الكتّاب والمفكرين الحريصين على التاريخ؟ سيقول التاريخ أين كنتم يوم دمّرت بغداد ودمشق والقاهرة؟ في قطر تنشدون الديموقراطية؟! ماذا سيقول المؤرخون؟ ما قاله نابليون إلى سجانه: لن يذكر اسمك سوى أنك كنت سجّان نابوليون. واليوم، وبعدما اشترت قطر لوحة سيزان «لاعباً الورق» بـ 250 مليون دولار، أصبحت الدوحة عاصمة الثقافة العربية، فلتذهب دمشق، بغداد والقاهرة إلى الجحيم، وليلعب مفكّرو العرب في حدائق قطر.
المهم أنه أصبح لدى «المفكر العربي» مؤشر... أصبح من قائمة المؤشّرين... إلى قطر أخذوه معهم... إلى رمالها الثرية. عاش «المؤشّر العربي»، عاش «المؤشّرون الجدد».
* مدير الشركة الدولية للمعلومات
(تنشر بالاشتراك مع مجلة «الشهرية»)