لن أخفي صعوبة الكتابة حين تكون الكلمات ستخرج من فكرٍ ينطلق من عقيدة علمانية لتحاور عباءة وعمامة رجل دين بمكانتك أيها السيد. صعوبة الكلمات هي بصعوبة الواقع الذي نعيشه فكيف إن كانت هذه الرسالة هي محاولة في البحث عن خطاب يوافق بين علمانيتي وفكرك الديني دون تبجيل ودون كلمات عاطفية فارغة، هو كلامٌ في الوجود حين يجمعنا الوجود في المقاومة ضد العدو الواحد، كلام في الوجود في زمن النزاعات المذهبية والطائفية وتقسيم المقسم.
سماحة السيد

أتحدث لك في غياب معظم قادة التيارات والأحزاب العلمانية فهم مختلفون على مقاعد وزارية في مكان ويعملون لدى أجهزة أمن في مكان آخر، حيث أخلى معظمهم الساحة أمام مختلف التيارات الدينية. هذا الغياب في زمانٍ الحضور فيه للفكر المتطرف مسيحياً كان أو إسلامياً وحتى علمانياً. فكان حضورك لتعطي بعداً آخر في هذا الزمن، ولتعمل أن تكون بعمامتك حاضراً لتقف بوجه الحضور الديني المتطرف بحضور ديني يخاطب العقل لا الغريزة، في إيماني أنّ العلمانية هي جزء من الحل في المشرق العربي في بناء الدولة المدنية المتعددة سياسياً حيث يفصل الدين عن الدولة، وتنظم أحوال الناس في قانون مدني يضمن الحقوق والواجبات للمواطنين بغض النظر عن دينهم ولغتهم وعرقهم. وفي غياب القادة العلمانيين الحقيقيين على الأرض والصادقين مع شعبهم تصبح أنت بشخصيتك وفكرك وخطابك القائد الأساسي الذي يعمل على منع الفتنة بين المذاهب الاسلامية، فتمثل للعلماني صمام الأمان لمنع وقوع التقاتل المذهبي. فمشكلتنا أننا فقدنا القائد الحاضر بين شعبه واكتفينا بالمناظرات التلفزيونية والجلوس خلف المكاتب، في حين كنت معنا أينما وجدنا فأصبحت علاقتنا معك تبنى على الثقة والصدق في زمنٍ نبحث فيه عن الرجل الصادق في وعوده، وخاصة بعد أن خاننا معظم المثقفين من مختلف بلدان هذه المنطقة حين باعونا في سوق النخاسة بتثقفهم علينا، وحين أصبحنا ضمن أزمة شاملة كانت الفنادق خنادقهم
المريحة.

سماحة السيد

العدو واحد في جنوب بلادنا وبوصلتنا واحدة هي فلسطين، فصراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود لا صراع حدود ولا صراع ديني، فليست معركتنا بين دولة إسلامية ودولة يهودية، صراعنا قومي اجتماعي اقتصادي ثقافي يشمل المجتمع بأكمله. ولأن المجتمع يدخل فيه فهو يتطلب مقاومة وطنية تضم مختلف التيارات والأحزاب والحركات التي تضمن أن لا تكون المقاومة من لونٍ واحد. إنّ العلمانية تساهم في أن تعطي للمقاومة الاسلامية بعداً يتخطى المذهب والدين، ونحن بحاجة أن يظهر هذا التعاون والتكامل إعلامياً على الرأي العام على نحو واضح وصريح. قد نتخلف في الأفكار والمبادئ ولكن رصاص العدو الإسرائيلي لا يفرق بين أفكارنا وإنما نحن بالنسبة له جزء واحد لا يتجزأ يسعى للتخلص منه. بوابة فاطمة والجولان ومزارع شبعا والضفة الشرقية الأردنية تجمعنا نحو فلسطين، ولدينا في لبنان تجربتين هما جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وسرايا المقاومة بما تشكلانهما من تجارب مقاومة وطنية متنوعة علينا أن نبني عليها ونؤسس لمقاومة بمعناها الأشمل وليس فقط السلاح، مقاومة اقتصادية واجتماعية تحمي ظهر المقاتل وتحصن المجتمع في وجه من يعمل على تهديمه من الداخل. إن العمل العسكري المقاوم ليس شعراً والتعاون في الخط الواصل من طهران إلى دمشق وبيروت هو أكبر وأعمق ولديه حسابات تكتيكية واستراتيجية على أرض المعركة قد تختلف عن رؤيتنا، فأهمية العمل المقاوم أن يبقى سرياً ونجاحه ضمن مجموعة واحدة ومحددة يمكن ضبطها بشكل أفضل من مجموعات متنوعة. ولكن علينا وبخطوة مستمرة من العلمانيين، كجزء من تاريخهم حيث هم من بدأ العمل المقاوم، أن يستعيدوا زمام المبادرة في مختلف أبعاد المقاومة وأن يكمل التنسيق بينكما في المواجهة مع العدو، في الداخل نختلف في المنطلقات وفي شكل بناء الدولة ولكننا نبقى ضمن صراعٍ فكري وسياسي محدد ضمن قوانين الدولة.

سماحة السيد

حين يتحدث الانسان إلى من هم في مقامك فعليه أن لا يكون إلا صادقاً في كلامه معك، ولأن ما تفتقده مجتمعاتنا هو الثقة بذاتها وبالآخر فسأختم رسالتي كما بدأتها بصدق وثقة ببلادي وعقيدتي وصدق وثقة بك قائداً مصغياً، وربما يمكنني أن أعتقد أنك ما تتمناه ممن هم في بلادنا أن يكونوا صادقين معك أيضاً. إيماني بعلمانيتي سيبقى راسخاً وسأكون كغيري من المؤمنين بهذا النهج نعمل ونناضل من أجل بناء دولة ومجتمع واحد. قد نختلف في أمور ونتفق في أمور أخرى، ولكن حين تقف على منبرك الكربلائي متحدثاً ومقاوماً أسمع في تفاصيل حضورك أن الحياة كلها وقفة عز فقط. نتعلم منك العنفوان والكرامة، كيف أن الايمان بفكرة معينة يتطلب أن يكون المرء صادقاً مع نفسه ومع هذه العقيدة التي ينتهجها، والتي تصبح بالنسبة له قيمة وأسلوب حياة وليس منصباً وسلطة حينها يصبح له تأثير بين الناس في خطاب يحاكي عقلهم وقلبهم في وقت واحد. فشكراً لعباءتك وعمامتك التي تعطي لعلمانيتي في كل ظهور لك روحاً حازمة وقوية وإرادة مستمرة لبناء حياة نستحقها ولوطن نستحق أن يكون موجوداً تحت الشمس.
* كاتب لبناني