نستكمل هنا عرض ومناقشة مجموعة من الاقتراحات لتعديل الدستور العراقي النافذ، كان كاتب هذه السطور قد عرض القسم الأول منها في مناسبة سابقة («الأخبار» ــ عدد 2055 ــ 16 تموز 2013)، ونبدأ باقتراح لتعديل المادة (115) والتي نصّها «كل ما لم يُنَصّ عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم، تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في حالة الخلاف بينهما». إنّ هذه المادة هي بمثابة طعنة نجلاء في صميم مبدأ «السمو الدستوري» المعتمد عالمياً، فالدستور هو السلطة الأسمى والأعلى في الدولة، والذي لا تعلو أو تسمو عليه قوة أو سلطة أخرى، وهو التعبير الرسمي والأوضح عن السيادة الوطنية للأمة على أرض وطنها.وحين تنصّ هذه المادة على تغليب إرادة الإقليم أو المحافظة على إرادة الدولة الاتحادية في حالة وجود ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، أو في حالة وجود خلاف بين الاتحاد والإقليم أو المحافظة، فهي تطعن في سيادة الدولة الاتحادية وتجعل إرادة الإقليم أو المحافظة أسمى وأعلى منها. من المعروف أن هذه المادة الخطيرة دُسّت من قبل الخبير الأميركي المرتشي بيتر غالبريث، وبطلب من الزعامات القومية الكردية، وقد تطرقنا إلى هذا الموضوع في ثلاث مناسبات في الصحافة العربية والعراقية، لكن المعنيين بالأمر سكتوا ولم يردّوا على ما أثرناه. ولهذا، فكاتب هذه السطور يقترح تعديل هذه المادة لتكون «كلّ ما لم يُنَصّ عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون موضوعاً للتفاوض بين الاتحاد والإقليم أو المحافظة لتقرير الجهة صاحبة الصلاحية. وفي حالة وجود خلاف، يرفع الموضوع إلى المحكمة الدستورية الاتحادية، أما الصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات، فتكون الأولوية فيها للقانون الاتحادي، في حالة خلاف بينهما، مع ضمان حق الأقاليم والمحافظات برفع الخلاف إلى القضاء الاتحادي المتخصص».
أما المادة (119)، الخاصة بشروط تكوين الأقاليم، فإنها تستسهل كثيراً عملية تشكيل الأقاليم وتجعلها، على ما فيها من أهمية وخطورة، أسهل من إقامة مباراة لكرة القدم بين فريقين للهواة. مقارنة بدساتير دول اتحادية أخرى، لا نجد لهذا الاستسهال المريب مثيلاً. نقترح تعديل هذه المادة لتكون «يحق لكل محافظة أو أكثر، تكوين إقليمٍ بناءً على طلب بالاستفتاء عليه، يقدّم بأحدى طريقتين: أولاً، طلب من أغلبية الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً: طلب من ثلث الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم». كما نقترح إضافة عبارة «على أساس جغرافي وليس طائفياً دينياً»، إلى نص المادة في السطر الأول لتكون «يحق لكل محافظةٍ أو أكثر، تكوين إقليم على أساس جغرافي وليس طائفيّاً دينيّاً وبناءً على طلب بالاستفتاء عليه». ثالثاً: يعتبر طلب تشكيل الإقليم مُجازاً ونافذاً إذا نال الأغلبية النسبية «النصف + واحد» من أصوات الناخبين في المحافظة أو كل محافظة من المحافظات المعنية بالاستفتاء.
نقترح تعدل المادة (126) ونصّها «أولاً: لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين، أو لخُمس (1/5) أعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور»، لتكون «أولاً: لرئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء، أو لخُمس (1/5) أعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور»، والمقصود هو أن هذه الصيغة تشترط اتفاق رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء على طلب التعديل، بدلالة كلمة «مجتمعين» وفي هذا تصعيب لا مبرر له لإجراء التعديلات ففصلنا بينهما بحرف العطف للاختيار «أو» لتسهيل الأمر.
ونقترح، أيضاً، تعديل الفقرة الثالثة ونصها «ثالثاًً: لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند «ثانياً» من هذه المادة، إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية، خلال سبعة أيام».
ليكون نصها كما يأتي «أولاً: لرئيس الجمهورية أو غالبية أعضاء مجلس الوزراء بمن فيهم رئيسه أو خمس أعضاء مجلس النواب اقتراح تعديل الدستور». وقد استبدلنا في هذا الاقتراح اشتراط موافقة أغلبية الثلثين بالأغلبية البسيطة لتسهيل عملية التعديلات الدستورية، كما نقترح تعديل الفقرة «ثالثاً» منها ليكون «لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند «ثانياً» من هذه المادة، إلا بعد موافقة غالبية أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية، أو من ينوب عنه خلال سبعة أيام». إنّ هذا التعديل ضروري جداً لأن النص النافذ يتناقض مع مبادئ الفقه الدستوري لجميع أنواع الدساتير، سواء من نوع الدساتير الجامدة والتي يستلزم تعديلها إجراءات أشد من تلك التي تم بها تعديل القوانين العادية، ومثال ذلك دستور أوستراليا الفيدرالي الذي يتطلب موافقة أغلبية مواطني الولايات، بالإضافة إلى أغلبية الأصوات على المستوى الفيدرالي، أو دساتير مرنة لا تتطلب سوى أغلبية بسيطة من أعضاء السلطة التشريعية من دون اشتراط الاستفتاء. والدساتير المرنة هي التي يمكن تعديلها بنفس الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية أي بواسطة السلطة التشريعية، وأبرز مثال لها هو الدستور البريطاني. أما الدستور العراقي فهو يشترط للتعديل شروطاً قاسية عدة هي «موافقة غالبية أعضاء مجلس النواب، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية، أو من ينوب عنه». والهدف من وراء هذه الشروط هو تصعيب عملية التعديلات الدستورية وجعلها أقرب إلى الاستحالة بهدف الحفاظ على مضامين بعض المواد الضامنة لهيمنة ممثلي الطوائف والعرقيات، وبالتالي ضمان مصالحهم الخاصة ضمن إطار دولة المكونات الطائفية والعرقية ومنع قيام دولة المواطنة الحديثة.
نقترح، أيضاً، تعديل الفقرة الرابعة الخاصة بعدم جواز إجراء التعديلات المنتقصة من دساتير الأقاليم ليكون نصها «يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلةً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، وفي حالة نشوء خلاف يتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية أو الاتحادية في حال عدم وجود الأولى»، على اعتبار أنّ الصيغة الحالية تطعن في مبدأ السمو الدستوري وتعطي سلطات الإقليم اليد العليا والطولى على حساب المركز الاتحادي وسيادته العليا.
نقترح تفعيل المادة (138): والقاضية بحل مجلس الرئاسة بعد الدورة الأولى للدستور أي الدورة التشريعية الأولى لمجلس النواب، والتي تنصّ على «أولاً: ــ يحل تعبير «مجلس الرئاسة» محل تعبير «رئيس الجمهورية» أينما ورد في هذا الدستور، ويعاد العمل بالأحكام الخاصة برئيس الجمهورية، بعد دورة واحدة لاحقة لنفاذ هذا الدستور». وتفعيل وتنفيذ المادة (65): والتي تنص على «يتم إنشاء مجلس تشريعي يُدعى «مجلس الاتحاد» يضم ممثلين عن الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانون يسنّ بأغلبية أعضاء مجلس النواب».
تعديل المادة 140 بما يمنع نفولها واستنفادها تأريخياً ونصها «أولاً: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها. ثانياً: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملة «التطبيع، الإحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها» في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة»، لتكون «تستمر السلطات التنفيذية المنتخبة بإنجاز عمليات التطبيع المجتمعي بما يضمن مصالح كافة مكونات المحافظة ويزيل آثار كافة محاولات تغيير تركيبتها المجتمعية قبل وبعد سنة 2003، وإجراء إحصاء سكاني شفاف وبإشراف قضائي ومدني، ثم إجراء استفتاء لسكانها حول حل متفق عليه بين جميع المكونات المجتمعية في المحافظة. يجري الاستفتاء بعد سنة واحدة على إقرار هذا التعديل الدستوري، وبنهاية السنة تعتبر هذه المادة مستنفدة ونافلة دستورياً. كأن يكون الحل المستفتى عليه هو السيادة الثنائية للدولة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق أو تقسيم المحافظة بلدياً، لتكون بلدية الأحياء الكردية تابعة للإقليم وبلدية المكونات الأخرى تابعة للدولة الاتحادية».
وأخيراً، نقترح تعديل المادة (109) ونصها «تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديموقراطي الاتحادي»، لتكون «تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديموقراطي الاتحادي المدني». والهدف من هذا التعديل تأكيد الطابع المدني للدولة العراقية وقطع الطريق على أية محاولة لقيام دولة دينية طائفية لا تعني في المجتمع العراقي المنقسم عمودياً وأفقياً سوى الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي، وإعادة إنتاج الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي والعرقي.
* كاتب عراقي