قضايا المشرق | شهد شهر أيار الماضي أحداثاً دراماتيكية كشفت بوضوح عن عدم رضى أجهزة وجهات داخل النظامين الأردني والعراقي عن تصاعد العلاقة بين الدولتين. قبلها بأسابيع، تعرّض منزل لطائفة البهرة في بلدة المزار الجنوبي في جنوب الأردن للحرق من قبل جموع غاضبة، في تحرك شعبي غذته وتبعته هجمة إعلامية تشي بلمسة «رسمية». وتعرض وزير أردني لهجوم إعلامي لافت للانتباه من قبل وسائل إعلام محلية بسبب زيارته للمراجع الشيعية في كربلاء أثناء زيارة رسمية إلى العراق. ورغم أنّ الوزير أوضح أن لقاءه مع المرجعيات الشيعية كان بغرض تنشيط السياحة الدينية وبغرض تسريع إنهاء ملف المعتقلين الأردنيين في العراق، إلا أن ذلك لم يشفع له. وفي حفل افتتاح مؤتمر للسفارة العراقية في عمان لإحياء ذكرى المقابر الجماعية في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حاولت مجموعة من المحامين من أعضاء حزب البعث المحسوب على نظام صدام أن يعطلوا المؤتمر، حيث كان واضحاً أنهم لا يروقهم تسارع وتيرة العلاقات مع النظام العراقي الجديد، فاقتحموا القاعة (وهي إحدى القاعات الرسمية المستأجرة) وبدأوا بالهتاف باسم صدام حسين وضد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. ووقعت مشاجرة بينهم وبين حرس السفير. وكان من الممكن أن تمرّ المسألة على نحو عادي، ولكن جهة ما في العراق سربت فيديو الحادثة ليظهر أن حرس السفير لم يكتفوا بإبعاد المقتحمين، فيما تعرض محامٍ أردني من ضمن المقتحمين للضرب بطريقة مهينة من قبل أولئك الحرس. وبثت الفيديو قناة عراقية، ليبدأ تداوله على نطاق واسع عبر «يوتيوب»، ما ضرب على الوتر الحساس للأردنيين واستجلب رد فعل عنيفاً جداً في جو مشجون مذهبياً على خلفية الصراع السني الشيعي في المنطقة. وتعرضت السفارة العراقية لسلسلة اعتصامات شعبية عفوية متتالية، كان من الواضح جداً أن أجنحة في أجهزة الأمن الأردنية كانت تدفع المحسوبين عليها للمشاركة فيها، إضافة إلى تحريك حملة كراهية غير مسبوقة في بعض وسائل الإعلام المعروفة بارتباطها بجهات داخل النظام، ما كشف بوضوح عن رغبة تلك الأجنحة في تخريب العلاقة وإيقاف تطورها، مستغلة الحادثة التي وقعت مع المحامين الأردنيين.وكان من اللافت أثناء اعتصامات الاحتجاج أمام السفارة العراقية في عمّان، التي استمرت أياماً عدة أن عدداً من أصحاب السوابق، ممن يعرفون بعلاقاتهم مع أجهزة الأمن الأردنية بدأوا بالحضور على نحو واضح في تلك الاحتجاجات بعد ساعات من انطلاقها، وكان من اللافت أيضاً أن رجال الأمن والدرك الذين حضروا لحماية السفارة العراقية تعاملوا في بعض الأحيان بقسوة واضحة مع المحتجين، ما يظهر أيضاً تضارب القرار الرسمي إزاء تلك الأحداث. وعلى مدى أيام شهد محيط السفارة العراقية اعتصامات واحتجاجات مستمرة، تخللتها محاولات لاقتحام السفارة، وشهدت البلاد اعتداءات متفقة على مواطنين عراقيين في حالات فردية ناتجة من الشحن والتعبئة، فيما غادر السفير وحراسه البلاد في نفس اليوم، بينما قدم وزير الخارجية العراقي اعتذاره للأردن، فيما تدخلت على ما يبدو جهات أردنية عليا لوقف التصعيد وإغلاق الملف، منعاً لأي تأثير محتمل على العلاقات التي تتطور بنحو استراتيجي. وحتى اليوم، لم يعد السفير العراقي إلى عمّان تجنباً لاستفزاز المشاعر، فيما يقوم بدوره نيابة عنه وزير مفوض. ويلاحظ أن السفارة العراقية تفضل البقاء غائبة عن الإعلام، إلى الحد الذي كان صعباً فيه الحصول على تصريحات منها بخصوص أنبوب النفط بين الأردن والعراق.