قضايا المشرق | كانت حروب العراق هي المحطات التي قفزت فيها العلاقات التجارية الأردنية العراقية، قفزات استثنائية. ودائماً كانت العوامل السياسية هي المقررة في قوة تلك العلاقة. وبفضل تلك العوامل بالذات، كان العراق من أكبر الشركاء التجاريين للأردن على مدى عقود. فمع دخول العراق حرب الخليج الأولى مع إيران، أصبحت التجارة عبر ميناء البصرة والخليج العربي محفوفة بالمخاطر، لتصبح الطرق عبر الأردن هي المفضلة بالنسبة إلى العراق.
ووصلت أهمية النافذة الأردنية حداً جعل العراق يقدم دعماً للأردن لتطوير طريق صحراوي يربط مدينة الأزرق القريبة من حدود العراق بمدينة معان عبر بلدة الجفر، وصولاً إلى ميناء العقبة الذي انتعش كثيراً بالصادرات والواردات العراقية التي تمرّ عبره وعبر الأراضي الأردنية.
وبعد حرب الخليج الثانية، ومع الحصار على العراق، أصبح اعتماد العراق على الطريق الأردنية شبه كلي، ووصلت الأمور إلى حد تقديم تسهيلات كبيرة للأردن، بتقديم النفط للأردن بأسعار تفضيلية للغاية وصلت حدود المجانية أحياناً. وباستثناء فترة هروب حسين كامل حسن، صهر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى الأردن أثناء وزارة عبد الكريم الكباريتي الذي كان معروفاً بعدائه للنظام العراقي، باستثناء تلك الفترة، فإن العلاقات التجارية الأردنية العراقية كانت ممتازة، وتتجاوز بأضعاف حجم التجارة المعلن رسمياً، حيث كانت تمر صفقات نفط سرية وشحنات غذاء ومساعدات على نحو غير معلن، وفي معظم الأحيان بموافقة ضمنية أميركية.
أما بعد احتلال الأميركيين للعراق في عام 2003، فقد قفز حجم التجارة على نحو كبير، رغم تعرض الكثير من الشاحنات العراقية إما لقصف جوي أميركي، أو لقطع الطريق من قبل عصابات سيطرت على الجزء الواصل ما بين الحدود العراقية الأردنية ومدينة الفلوجة.

الجغرافيا تمدّ يدها

هاجر مئات آلاف العراقيين إلى الأردن منذ حرب الخليج الثانية، وبالذات بعد حرب 2003. نسبة لا بأس بها من هؤلاء كانت من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال، حيث ساعد هؤلاء في تطوير مجالات تجارية جديدة بين الأردن والعراق. وفي تشرين الثاني عام 2004 تأسست اللجنة العليا الأردنية العراقية برئاسة رئيسي وزراء البلدين، لتركز على تطوير المنطقة الحرة في معبر الكرامة بين البلدين لتكون منصة للعمل المشترك بين رجال الأعمال من الدولتين. وتوج ذلك بزيارة مثيرة للجدل قام بها رئيس الوزراء الأردني، آنذاك، عدنان بدران إلى بغداد، ليكون أول مسؤول عربي رفيع المستوى يزور العراق بعد الاحتلال.
ويرى اقتصاديون أنّ ارتفاع نشاط التجارة الأردنية ـ العراقية يعود إلى جملة أسباب، من بينها القرب الجغرافي وتسهيل عمليات الاستيراد عبر ميناء العقبة من المصدرين الأوروبيين لبغداد وعدم استقرار الأوضاع في جنوب العراق، وبالذات في ميناء البصرة، ووجود جالية عراقية كبيرة في الأردن من بينها رجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال، ووجود اتفاقية تجارة حرة بين البلدين أوصلت حجم التبادل التجاري إلى زهاء 1.3 مليار دولار في 2012، فيما بلغ حجم الصادرات الأردنية إلى العراق خلال العام الماضي مليار دولار، مقابل 268 مليون دولار مستوردات. ويضاف إلى ذلك مذكرة التفاهم المبرمة بين البلدين منذ عام 2008 وتسمح للأردن باستيراد النفط العراقي بسعر يقلّ 18 دولاراً عن السعر العالمي.

ارتفاع جديد في حجم التجارة

يقول مصدر حكومي أردني لـ«الأخبار»، اشترط عدم ذكر اسمه، إنّ الأردن اختار أن يطور علاقاته على نحو استراتيجي مع العراق منذ نحو عام، ما انعكس على زيادة حجم التبادل التجاري. ويستطرد المصدر ويقول إنه يرى أن تطوير العلاقة مع العراق لن يكون على حساب العلاقة مع دول الخليج، حيث إن علاقات الأردن الخليجية تقوم على عوامل ومكونات عدة، ولن تتأثر بتطوير العلاقات الأردنية العراقية.
وتقول بيانات التجارة الخارجية عن الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي إنّ الصادرات الأردنية إلى العراق سجلت 336 مليون دينار مقابل 248 مليون دينار لذات الفترة من عام 2012، أي بارتفاع نسبته 36%.
وخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، شكلت الصادرات الأردنية إلى العراق 17% من الصادرات الأردنية إلى مختلف دول العالم، والبالغة 1.93 مليار دينار، وشكلت 35% من صادرات الأردن إلى الدول العربية المنضوية تحت اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى خلال نفس الفترة.
ومع ذلك فإن المستوردات الأردنية من العراق لا تظهر نفس الاتجاه التصاعدي، حيث استورد الأردن من العراق بضائع بقيمة نحو 86 مليون دينار خلال 5 أشهر من العام الحالي مقارنة مع 108 ملايين دينار خلال الفترة من كانون الثاني إلى أيار 2012، وبنسبة تراجع 20%.
ولا تشكّل مستوردات الأردن من العراق سوى 1.3% من مجمل واردات الأردن البالغة 6.3 مليارات دينار في خمسة أشهر.
ويقول التقرير السنوي للبنك المركزي الأردني لعام 2012 إنّ التجارة الأردنية مع السوق العراقي تباطأت في العام الماضي لتنمو بنسبة طفيفة (0.2% فقط)، مقارنة بنسبة نمو بلغت 10.3% في عام 2011.
ورغم ارتفاع صادرات الأردن إلى العراق، إلا أن البنك المركزي الأردني يكشف أنّ تلك الصادرات تأثرت بقيام السلطات العراقية باتباع برنامج الرزنامة الزراعية لحماية الإنتاج المحلي لديها، ما أثر على صادرات الخضراوات إلى العراق، التي تعد أهم صادرات الأردن إليها، والتي تراجعت بنسبة 54%. وتبرز من بين صادرات الأردن للسوق العراقية الحيوانات الحية واللحوم، إضافة إلى الخضراوات والكوابل الكهربائية والمواد الغذائية والورق الصحي والمواسير المعدنية والزيوت الغذائية والحليب والمجفف ومستحضرات الغسيل وسلع متنوعة أخرى. أما المستوردات الأردنية من العراق، فتتركز على نحو رئيسي في النفط الخام وبواقع 10 آلاف برميل يومياً، وتتأثر أسعاره بتطورات أسعار النفط العالمية، إضافة الى مواد بترو كيماوية وزراعية.

تدفق بشري تجاري ــ سياحي

أظهر تصريح صحفي لأمين سر مجلس الأعمال العراقي، سعد ناجي، أن حجم الاستثمارات العراقية الإجمالية في الأردن يبلغ اليوم نحو 12 مليار دولار.
ويشار إلى أنّ عدد المستثمرين العراقيين في بورصة عمان يبلغ 3000 مستثمر كما هم في نهاية حزيران من عام 2013، يملكون 96 مليون ورقة مالية.
ويشكل العراقيون 4 بالألف من اجمالي عدد المستثمرين في بورصة عمان البالغ عددهم 770 ألف مستثمر أردني وأجنبي، وملكيتهم من الأوراق المالية تقدر بنسبة 1.3% من رساميل الشركات المدرجة في بورصة عمّان.
وتقدر قيمة استثمارات العراقيين في بورصة عمّان بنحو 295 مليون دينار أو ما نسبته 1.6% من اجمالي القيمة السوقية لبورصة عمّان كما هي في نهاية النصف الأول من عام 2013.
أما في السوق العقارية الأردنية، فتظهر بيانات دائرة الأراضي والمساحة أنّ العراقيين يستحوذون على أكثر من 50% من قيمة المشتريات العقارية.
وخلال النصف الأول من العام الحالي، اشترى العراقيون 930 عقاراً بقيمة اجمالية بلغت 106 ملايين دينار، تشكل 52% من حجم مشتريات غير الأردنيين العقارية.
أما خلال عام 2012، فبلغ حجم مشتريات العراقيين العقارية 225 مليون دينار مشكّلة 53% من مجمل مشتريات غير الأردنيين العقارية.
وتوزعت هذه المشتريات على 1942 معاملة لمستثمرين عراقيين.
وخلال العام الماضي اشترى غير الأردنيين بما قيمته 430 مليون دينار من العقارات توزعت على 5000 معاملة للأراضي والشقق لمستثمرين عرب وأجانب.
وفي مجال السياحة تقول بيانات وزارة السياحة والآثار الأردنية إنّ عدد الزوار العراقيين إلى الأردن، خلال عام 2012، سجّل 364 ألف زائر، وبلغت حصيلة الدخل السياحي المتأتى منهم 273 مليون
دينار.
* صحافيان أردنيان