يمكن النظر إلى المقترحات التالية لتعديل عدد من مواد أو فقرات مواد في الدستور العراقي النافذ كمقدمة عاجلة وملحة توجبها جدية المرحلة السياسية والاجتماعية والأزمات الشديدة التي يمر بها العراق. إنها مقدمة لعملية منشودة لإعادة كتابة هذا الدستور على نحو شفاف وآليات ديموقراطية حقيقية، بعيداً عن العملية السياسية الطائفية التي يتواصل تفسخها كل يوم وكل ساعة، حتى بات استمرارها لا يعني شيئاً سوى الحرب الأهلية والأزمات المتلاحقة والشلل التام في دواليب الدولة وتفتت البلاد إلى إمارات وأقاليم طائفية وقومية متذابحة، وبعيداً عن الاستعانة بالخبراء الأجانب المرتشين، من أمثال نوح فيلدمان وبيتر غالبريث، اللذين زرعا في الدستور الحالي العديد من الألغام الخطيرة.إن عملية منشودة كهذه ستسحب البساط، أيضاً، من تحت أقدام المتطرفين الطائفيين أو المتحزبين على اختلاف انتماءاتهم، والذين يصرّون على شعارهم العبثي «الانطلاق من الصفر» والشطب على كل شيء. و«الصفر» هنا لا معنى له سوى إعادة الحكم الدكتاتوري من النوع الصدامي أو غيره، وهذا ليس هدفاً مستحيلاً فحسب، بل هو ذروة الجنون والازدراء للعِلم والإرادة الشعبية، ودعوة صريحة ومفتوحة إلى الحرب الأهلية!
الاقتراح الأول هو تعديل الفقرة 1 من المادة 2 ونصها «الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع» لتكون «الإسلام دين أغلبية الشعب العراقي، وهو واجب الاحترام إلى جانب الديانات الأخرى في العراق». تعديل المادة 3، ذات المحمول القريب من سابقتها، ونصها «العراق بلدٌ متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضوٌ مؤسسٌ وفعالٌ في جامعة الدول العربية وملتزمٌ بميثاقها وجزءٌ من العالم الاسلامي»، لتكون «العراق بلدٌ متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم العربي وعضوٌ مؤسسٌ وفعالٌ في جامعة الدول العربية وملتزمٌ بميثاقها». إنَّ المطالبة بعدم النصِّ على صيغة «الإسلام دين الدولة الرسمي» يسوغه كون الدولة شخصية اعتبارية لا شخصية حقيقية «طبيعية» حتى تكون مسلمة أو غير مسلمة، فنحن يمكننا أن نقول إنّ فلاناً مسلم، ولا يمكننا أن نصف شخصية اعتبارية كالدولة أو الفريق الرياضي أو النقابة بكونها مسلمة أو مسيحية. يمكن أن نصف أو نعرف شعباً بأنه مسلم الديانة، أو ذو غالبية مسلمة، ولكن لا يمكننا وصف الشخصية الاعتبارية التي لا تصلي ولا تصوم ولا تقوم بالواجبات التي تقتضيها الصفةُ من الموصوف بأنها مسلمة أو غير مسلمة. ومن الجدير بالذكر أن خبراء القانون والدستور المصريين كانوا قد أهملوا هذه المادة بعلم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر من مسودة دستور الجمهورية العربية المتحدة، الذي لم ير النور بعد فشل تلك التجربة الوحدوية بين مصر وسوريا.
تعديل المادة 4 التي تقول «اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين بتعليم ابنائهم باللغة الأم كالتركمانية، والسريانية، والأرمنية... إلخ»، ليكون نصها «اللغة العربية واللغة الكردية واللغة التركمانية واللغة السريانية هي اللغات الرسمية في العراق، ويُضْمن حق العراقيين بتعليم أبنائهم باللغة الأم كالمندائية والأرمنية، في المؤسسات التعليمية الحكومية... إلخ». وبموجب هذا التعديل ستعدل عبارة «اللغتان الرسميتان» أينما وجدت إلى «اللغات الرسمية» وتحذف الفقرة 4 من هذه المادة لنفولها. إنّ المادة النافذة تحاول ترسيخ نوع من الثنائية القومية في العراق، التي تصر عليها الزعامات الكردية، أي إنه مؤلف من العرب والأكراد والنظر إلى المكونات الإثنية الأخرى على نحو أقل جدية واهتماما، وهذا أمر مناقض للطابع الديموقراطي المنشود للدولة العراقية أولاً، وهو غير صحيح بل وافتراء على الواقع المجتمعي. فالعراق مؤلف من أربعة مكونات رئيسية إضافة إلى مكونات إثنية صغيرة أخرى. ثم إنّ اعتبار أربع لغات لغات رسمية تكتب بها جوازات السفر والعملات الورقية ليس أمراً مستحيلاً أو صعباً، بل هو واقع حال في عدد من الدول كسويسرا، ذات الأربع لغات مثلاً، ومنها لغة «الرومونش» التي يتكلمها1% تقريباً من السويسريين.
تعديل المادة 7 الخاصة بحظر البعث الصدامي ليكون نصها «يحظر كل كيان سياسي أو ثقافي يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، كما يحظر تمجيد الرئيس السابق صدام حسين وأقطاب حكمه المدانين بأحكام قضائية، وينظم ذلك بقانون». إنّ مضمون هذا المقترح يقوم على التفريق الحاسم بين البعث كفكر وتراث سياسي يمتد إلى الأربعينيات من القرن الماضي، وهو كأي فكر وتراث فيه ما فيه من سلبيات وإيجابيات، وبين نظام استبدادي دموي ترك خلفه عشرات المقابر الجماعية، بما يؤدي إلى رفع الحظر عن الفكر والتراث السياسي، وإلى تأكيده – الحظر - على صدام ومجموعته كتجربة حكم وجماعة حاكمة أجرمت بحق العراق وشعبه. إن هذا التعديل لا يتعاكس مع مشروع القانون الجديد، الذي يقال إنه خاص «بتجريم حزب البعث الصدامي»، فهو من الممكن أن يكون صيغة مفيدة بهذا المعنى وباتجاه تجريم صدام وقيادته وتجربة حكمة ورفع الحظر عن فكر هذا الحزب وتراثه السياسي خارج هذه التجربة المدانة، وهما ملك للتاريخ العراقي لا لصدام أو سواه.
تعدل الفقرة 3 من المادة 23 الخاصة بالتملك العقاري بما يؤدي إلى حذف الاستثناء الوارد في الفقرة باء (يحظر التملك لأغراض التغيير السكاني)، ليكون نصها «للعراقي الحق في التملك في أي مكان في العراق». فالاستثناء خطير جداً ويجعل من العراق الواحد عدة أقاليم مستقلة أو دويلات، يريد كل منها المحافظة على خصوصية سكانية مزعومة غير قابلة للمساس والتعديل الديموغرافي.
تعدل المادة (41) ونصها «العراقيون أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم»، وينظم ذلك بقانون، لتكون «الأحوال الشخصية الرسمية للعراقيين تكون حسب القانون المدني النافذ ومن حقهم إضافة إلى ذلك وبشكل طوعي الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون». إن وجود هذه المادة بالصيغة النافذة الآن من أكثر دعائم الطائفية المجتمعية والسياسية تأثيراً سلبياً، ونعتقد أنّ الصيغة المقترحة تحقق التوازن بين أمرين، الأول حق العراقي في أن يلتزم بأحواله الشخصية بموجب دينه أو طائفته مع إعطاء الأولوية للزواج المدني، الذي تعرف به الدولة بين مواطنين يؤكد الدستور أنهم متساوون.
تعدل المادة (43) التي نصها «أولاً: ـ أتباع كل دينٍ أو مذهبٍ أحرارٌ في: أ ـ ممارسة الشعائر الدينية، بما فيها الشعائر الحسينية. ب ـ إدارة الأوقاف وشؤونها ومؤسساتها الدينية، وينظم ذلك بقانون. ثانياً: ـ تكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها»، ليكون نصها «تكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها وممارسة الطقوس والشعائر الدينية وإدارة الأوقاف الدينية الخاصة من قبل هيئة حكومية متخصصة».
تعدل الفقرة 2 من المادة 45 ونصها «ثانياً: تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون وتعزز قيمها الانسانية النبيلة وبما يساهم في تطوير المجتمع وتمنع الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان»، لتكون «ثانياً: تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية وتهتم بشؤونها كمكونات مجتمعية حاملة لقيم ثقافية وتراثية بما يضمن عدم حلولها محل الدول أو قيامها بنشاطات موازية أو بديلة لنشاطات الدولة، وبما ينشط ويرسخ القيم الإنسانية الإيجابية التي تحوزها، ويشذب وينهي العادات والقيم السلبية المتعارضة مع قيم وعادات المجتمع المدني الحديث».
نقترح أيضاً حذف عبارة «ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه» من المادة (49) الخاصة بالانتخابات التشريعية، لأن هذه العبارة هي الأساس الدستوري المبرر والمشجع على قيام دولة المكونات الطائفية لا دولة المواطنة الحديثة.
يعدل نص القسم الرسمي الذي يؤديه عضو مجلس النواب المنتخب والوارد المادة (50) ليكون بالصيغة التالية «أُقسم بالله العظيم وبشرفي، أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ وإخلاص، وأن أحافظ على استقلال العراق وسيادته ووحدته، وأرعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي المدني، وأن أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بأمانةٍ وحياد وولاء للدستور». في هذه الصيغة المعدَّلة سعينا إلى التأكيد على وجوب الحفاظ على «وحدة العراق» التي أهملتها الصيغة الحالية، وتفريغ نص القَسم من الزوائد الإنشائية المثيرة للخلاف.
وأخيراً نقترح أن تتضمن شروط المرشح لرئاسة الجمهورية الواردة في المادة 68 شرطاً بحيازة شهادة جامعية يحملها المرشح، إذْ من الغريب أن يشترط الدستور على المرشح لرئاسة مجلس الوزراء أو للمنصب الوزاري أن يكون حائزاً شهادة الدراسة الجامعية أو ما يعادلها ولا يشترط ذلك على المرشح للرئاسة.
* كاتب عراقي