المفتاح الإنكليزي
في الذاكرة وفي الحياة حين يُعصى عليّ فك عزقة ليس لها مفتاح، يقال: «المفتاح الإنكليزي يحلّها»، وحينها بالفعل تُفك تلك العزقة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، وبخاصة عزقة قنينة الغاز. اليوم، في الذاكرة وفي التاريخ، هناك وعد بلفور الذي قامت عليه إسرائيل، وفي الحياة وفي الواقع تعيش المنطقة والشعوب العربية، وبخاصة في سوريا ولبنان، وفي فلسطين المحتلة عموماً، كما في مصر وتونس وليبيا والأردن والبحرين وفي بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، في حالة من الحرب المدمرة على كافة الصعد. وهذه حرب بشعة بكل معنى الكلمة، وقد تتوسّع شمالاً ويميناً و«طلوع نزول» على الجميع، إنْ لم تتدارك الأمر النخبة الاستراتيجية في الغرب، وبخاصة في بريطانيا. وكما هو معروف بأن ما نعيشه اليوم هو نتيجة أسباب عديدة أهمها وعد بلفور وإبقاء حالة الحرب قائمة لـ«بيع السلاح» ومتنقلة من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية ومن حائط إلى حائط حسب جدول زمني محدد بسنوات قبل حصول «الحدث» في الواقع وفي الحياة.
لذا، يكون اعتذار الإنكليز عن وعد بلفور وإعلان وعد آخر وليكن على سبيل المثال وعد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الحالي هو المفتاح الإنكليزي المطلوب لشدشدة «عزقات» الحدود ما بين الدول. وبالطبع يعرف كاميرون الكثير، أو على الأقل أكثر من غيره من وزراء ونواب في تاريخ السياسة الإنكليزية في الشرق الأوسط، وبخاصة دور بريطانيا في إطلاق ودعم الإخوان المسلمين ضد الرئيس المصري جمال عبد الناصر في خمسينيات القرن الماضي، وعودة تلك القوى اليوم بأسماء شبه إسلامية مختلفة بعد الثورات الإعلامية العربية! وهكذا تكون بريطانيا قد شدشدت العزقات الكبيرة والصغيرة (الحروب الصغيرة المتنقلة) حين تقود إعلان دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل بعد الاعتذار، وحينها تصبح المساعدات الدولية ذات فائدة في حالة السلم أكثر من فائدتها في فترات الحرب. وهذا لا يكون إلا بإحلال السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، أي بإقامة دولة فلسطين. وهذا ما تستطيع بريطانيا أن تفعله أكثر من أميركا المترددة تحت ضغط اليهود. وبالطبع تستطيع بريطانيا أن تستثمر طاقات البلاد والشعوب العربية، وبخاصة الشباب في كافة المجالات ومنها الطاقة الشمسية. وهكذا أيضاً تكون بريطانيا قد قامت بثورة دبلوماسية ذكية ومفيدة جداً لها وللجميع وبخاصة الشعوب العربية التي هبّت «هبّة بدو» على السلطة والحضر. كذلك تستطيع بريطانيا وتركيا معاً إعادة شيء من مجدهما التاريخي في المنطقة والعالم بعد الاعتذار من العرب والأرمن، وحينها حتماً تُرفع لهما القبعة ويسود السلام.


فيصل فرحات