1_ مبدأ استمرارية الحكم وتجنّب الفراغهذا المبدأ هو الأساس وهو المقياس، الذي يجب أن تؤخذ عليه الأمور، وليست نظرية «تصريف الأعمال» (أو غيرها مما نص عليها الدستور كما سنذكر لاحقاً) إلا استكمالاً لهذا المبدأ، لعدم إيجاد فراغ معيّن يمنع الدولة أو يضعفها لناحية قيامها بواجباتها.

وانطلاقاً من هذا المبدأ، يمكن إيضاح عدد من الأمور:
أ_ الأثر الناشئ والأثر الكاشف: وهما مبدآن متعارف عليهما لدى القانونيين. الأثر المنشئ هو عمل ينشئ تصرفاً ما غير موجود، ويكمن الأثر الكاشف في الكشف عن أمر تصرف معين فقط. لذلك، لا يحق لحكومتَي تصريف الأعمال أو الحكومة الجديدة (قبل نيل الثقة) القيام بأي عمل منشئ. من هنا، يرى كثيرون أن المذكرة التي أرسلها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل لجهة التزام مبدأ التصريف في غير محلها، لأنّ الوزير قد كشف عن عمل قانون بالاستناد إلى قوانين ومراسيم نافذة سبقت استقالة الحكومة التي حددت 18 نيسان 2013 موعداً للكشف عن الشركات المستوفية للشروط القانونية لا غير.
ب_ انتهاء ولاية مجلس النواب: على حكومة تصريف الأعمال واجب القيام بالإعداد لعملية انتخاب مجلس نواب جديد - بحسب ما ينص عليه الدستور قانون الانتخاب النافذ - لأن ذلك من الأمور الضرورية، وهذا واجب أيضاً على الحكومة الجديدة بعد صدور مرسوم تشكيلها في حال انتهاء مدة المجلس قبل نيلها الثقة. إن مبدأ الضرورة هذا، (بالاضافة إلى مبدأ الظروف الاستثنائية)، هو موضع اجماع فقهي وقانوني.
ج_ عدم وجود مدة محددة لتشكيل الحكومة الجديدة: هذا نقص دستوري يبرر الأخذ بمبدأ استمرارية الحكم عبر حكومة تصريف الأعمال، حيث إن الدستور لم ينص على مدة محددة لتشكيل الحكومة بعد صدور مرسوم تعيين الرئيس المكلف، مع أن الدستور قد حدد في المادة 64/2 منه على وجوب تقديم بيانها الوزاري لمجلس النواب في غضون ثلاثين يوماً من تشكيلها.
د_ إحالة رئيس الحكومة على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء: تنص المادة 72 من الدستور على أن «يكفّ رئيس مجلس الوزراء أو الوزير عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقه، وإذا استقال لا تكون الاستقالة سبباً لعدم إقامة الدعوى عليه أو لوقف المعاملات القضائية». يسهل الحديث عن هذه الحالة عند حدوثها مع رئيس الجمهورية؛ إذ نص الدستور على أن تناط صلاحياته بمجلس الوزراء وكالةً، ولكن ماذا لو كفّ رئيس الحكومة يده بناءً على اتهام ونحن في نظام برلماني لا يمكن نقل صلاحياته إلى رئيس الجمهورية؟ إعمالاً لمبدأ استمرارية الحكم، يرى أستاذنا الدكتور محمد المجذوب أن تنتقل صلاحيات رئيس الحكومة إلى نائبه حال وجوده أو مجلس الوزراء مجتمعاً، وإذا ما تبين أن إجراءات المحاكمة ستطول، يجب اللجوء إلى استشارات نيابية وتكليف رئيس جديد وتشكيل حكومة. لكن ما الحل إذا لم يصدر حكم يدين رئيس الحكومة؟ يرى د. المجذوب أن يعاد إلى منصبه إذا ما بقي خالياً، أو اللجوء إلى مجلس شورى الدولة وطلب التعويض حال تعيين رئيس جديد.
وتوجد أيضاً بعض الأمثلة في الدستور يمكن ذكرها على سبيل الاستدلال:
اعتبار مجلس النواب في جلسات مفتوحة: وهو ما نصت عليه المادة 69/3 بالقول: «عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة». والواضح من النص أن مجلس النواب يستمر في انعقاده لحين أخذ الحكومة الثقة وليس عند إصدار مرسوم التشكيل.
د_ حل مجلس النواب: يجوز لرئيس الجمهورية بناءً على المادتين 65/4 عدم اجتماع المجلس لعقد عادي أو عقدين استثنائيين لا يقلّ الواحد منهما عن الشهر – مع عدم وجود قوة قاهرة – أو ردّ الموازنة بهدف شل عمل الحكومة، والمادة 77: رد مشروع تعديل الدستور. مع أن هذا المبدأ مقرر في المادة 55/1 من الدستور، إلا أنّ المشرّع نفسه أورد مبدأ استمراية الحكم وتجنب الفراغ في المادة 55/3 التي تنص على أنه «في حال عدم إجراء الانتخابات (النيابية) ضمن المهلة المنصوص عليها في المادة 25 من الدستور يعتبر مرسوم الحل باطلاً وكأنه لم يكن ويستمر مجلس النواب في ممارسة سلطاته وفقاً لاحكام الدستور».
إن هذه الامثلة تبرز حرص المشرع الدستوري على تكامل السلطتين التشريعية والتنفيذية في استمرار دور الدولة وعدم إيقاعها في الفراغ.
2_ مسؤولية الحكومة المستقيلة والحكومة المعينة
أ_ الرقابة القضائية: من المتفق عليه أن حكومة تصريف الأعمال تسترد صلاحياتها، وإذا طرأت ظروف استثنائية أو وضع أمني يهدد استقرار البلاد، تسترد الحكومة كامل صلاحياتها وتتخذ القرارات التي من شأنها معالجة حالة الضرورة أو حالة العجلة، على أن تبقى الإجراءات الاستثنائية خاضعة لرقابة مجلس شورى الدولة عند مراجعته، ولا سيما لجهة توافر عناصر العجلة والضرورة ومرور الزمن المسقط قانوناً، التي تستلزم اتخاذ مثل هذه الإجراءات الاستثنائية.
ب_ الرقابة السياسية: يرى البعض أن لا وجود لرقابة سياسية على أعمال حكومة تصريف الأعمال أو الحكومة المشكلة قبل نيلها الثقة، فمجلس النواب عاجز عن الرقابة أو المساءلة بنتيجة اتخاذ الوزراء إفرادياً أو مجلس الوزراء مجتمعا أياً من هذه الإجراءات الاستثنائية، ذلك أن حجب الثقة عن أي من الوزراء أو عن مجلس الوزراء أو قبل نيلهم لها هو التدبير الأقصى في معرض الرقابة أو المساءلة البرلمانية غير ممكن ولا يفيد. بينما يرى البعض الآخر وجود مسؤولية قانونية على كلتا الحكومتين حيث يبقى لمجلس النواب سلطة توجيه الاتهام إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكاب الخيانة العظمى أو بالإخلال بالواجبات المترتبة عليهم على ما ورد في المادة 70 من الدستور، ذلك أن التصريف لا يُعفي من مثل هذا الاتهام ولا يحول دونه، بل العكس أصحّ في ظل موجب تقيّد رئيس مجلس الوزراء والوزراء بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال في ظل حكومة مستقيلة أو معتبرة مستقيلة أو غير حائزة على الثقة بعد. والمنطق القانوني يبرر الأخذ بالرأي الثاني لعدد من الاعتبارات، أهمها:
_ تكليف رئيس الجمهورية الرئيس المستقيل وحكومته تصريف الأعمال لحين تكليف رئيس آخر، وهو إجراء دستوري.
_ استمرار رئيس حكومة تصريف الأعمال والوزراء بقبض المخصصات المالية من وزارة المال عن الأعمال التي يؤدونها.
_ تكليف رئيس الحكومة الجديد وتعيين وزرائه بمرسوم جمهوري، وهو إجراء دستوري.
_ تقاضي رئيس الحكومة المكلف مخصصات مالية عند تعيينه وزراءه عند توقيع مرسوم التشكيل عن تسييرهم لشؤون البلاد.
المادة المادة 18/2 من القانون رقم 13 الصادر في 18/8/1990 (عن أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى المنصوص عنه في المادة 80 من الدستور) التي تنص على أنه «وللمجلس النيابي أن يتهم رؤساء الحكومة والوزراء لارتكابهم الخيانة العظمى أو لإخلالهم بالموجبات المترتبة عليهم». إن المادة السابقة ذكرت «اخلالهم بالموجبات المرتبة عليهم» ومنها تصريف الأعمال.
3_ حكومة أمر واقع
دار الحديث في لبنان أخيراً حول إمكانية تشكيل ما يسمى «حكومة أمر واقع»، وذلك في حال عدم الاتفاق على قانون انتخابي جديد وإجراء انتخابات نيابية وانتهاء ولاية مجلس النواب الحالي وعدم تمديد المجلس لنفسه بقانون. إلا أنّ تشكيل مثل هذه الحكومة هو أمر صعب لعدد من الأسباب:
كوجود حكومة لتصريف الأعمال واجبها إجراء انتخابات نيابية بحسب قانون الانتخاب النافذ. ووجود سابقة حديثة في لبنان، هي تسلّم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لكامل السلطة الإجرائية لعدة أشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق العماد إميل لحود، ولم يؤثَر الحديث وقتها عن وجود فراغ في الدولة.
إن مثل هذه الحكومات تشكل في زمن الحرب عند انهيار مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على تسيير شؤون البلاد، لا في دول لا تزال مؤسساتها قائمة عاملة وفاعلة.
* باحث في الشؤون القانونية