ما من شك في أنّ الحيتان الإمبريالية الأميركية والغربية تنهب ثروة النفط العربي، التي هي ثروة «طبيعية»، أي ملك الشعوب، لا ملك الحكام العرب.ومع ذلك، فإن العائدات التي تحصل عليها الأنظمة النفطية العربية (وإنّ كانت تمثل جزءاً يسيراً من مجمل عائدات النفط) تقدر بمئات وآلاف مليارات الدولارات، لكنّ الحكام النفطيين العرب ينفقون مليارات النفط على ملذاتهم، من جهة، وعلى الرشى السياسية وإفساد الأحزاب والمنظمات الشعبية العربية، من جهة ثانية، وعلى الإعلام الفاسد والتضليلي، من جهة ثالثة.
وللأسف فإنّ جزءاً من الاعلام النفطي التضليلي يتخذ طابعاً دينياً، ويتاجر بالدين الاسلامي الحنيف، لبث الأضاليل التي تقلب الحقائق وتجعل العدو صديقاً والصديق عدواً.
وقد ظهرت تأثيرات الاعلام النفطي العربي و«الاسلامي» الكاذب، بأبشع صورها في معركة أفغانستان ضد روسيا السوفياتية. وبدون أي تبرير للتدخل السوفياتي (البريجنيفي) في حينه في أفغانستان، فإن آلة الدعاية «القاعدية» وأخواتها، أعلنت «الجهاد المقدس» ضد روسيا، بوصفها شيوعية وبوصفها مسيحية شرقية.
وبالرغم من سقوط حجة الالحاد «الشيوعية» عن روسيا، لا تزال روسيا الهدف الأول للاعلام العربي «الاسلامي» المزيف. ويبدو ذلك على نحو يفقأ العين في المعركة الدائرة في سوريا، حيث تتجند جحافل الاعلاميين المأجورين جنباً إلى جنب «المجاهدين» المضلَّلين.
وتحت ركام الدعاية التضليلية للأنظمة والمنظمات النفطية «العربية» و«الاسلامية» الكاذبة، تضيع أو تختفي حقائق تاريخية يجب على جميع القوى الوطنية، التقدمية والقومية والاسلامية، أن تزيح الغبار عن عيونها لترى تلك الحقائق وتعتبر بها.
وربما أهم تلك الحقائق أن روسيا، بصفتيها المسيحية الشرقية والقومية ـ السلافية، وقبل أكثر من ألف سنة من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، هي العدو التاريخي الأول والأكبر لليهودية اليوضاسية والصهيونية.
ونلقي نظرة سريعة على هذه الحقيقة، وندعو جميع الباحثين الجادين والمؤرخين المخلصين، وجميع القوى الوطنية إلى البحث في هذه الحقيقة من وجهة النظر القومية العربية والدينية الاسلامية الصادقة.
فقبل قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، وقبل نشوء إسرائيل بثلاثة عشر قرناً، أي في القرن السابع الميلادي، نشأت مملكة الخزر اليهودية على الشواطئ الشمالية لبحر قزوين ومحيط نهر الفولغا، على كتف روسيا. ونظراً للأصول الطورانية للخزر، فقد كانوا على علاقات وثيقة مع القبائل التركية، الطورانية أيضاً. وكشعب قبائلي ـ رعوي محارب اتصفت مملكة الخزر بنزعة الغزو والنهب والسلب والسبي والتوسع على حساب جيرانها البلغار القدماء، والقبائل الروسية المتفرقة (قبل نشوء الدولة الروسية). وتقول بعض الروايات التاريخية إنّ الخزر تبنوا الديانة اليهودية تحت تأثير بعض الدعاة اليهود (العبرانيين) الفارين من أسر البيزنطيين، لكن في رأينا المتواضع، وندعو الباحثين المختصين إلى البحث الجاد في هذه الفرضية، أن الخزر قد تهودوا تحت تأثير من كانوا يسمون «التجار المسلمين» (لقدومهم من ديار الخلافة الاسلامية)، أي عملياً التجار اليهود العبرانيين (رعايا الخلافة الاسلامية) الذين كانوا يجوبون تلك المناطق لشراء المنهوبات والمسلوبات والسبايا من القبائل التركية والخزرية لبيعها في أسواق الخلافة. وقد تهود الخزر تحت تأثير «المصلحة المشتركة» الناشئة عن هذه «التجارة». ومعلوم أنه في وقت من الأوقات أصبحت تجارة الحريم (الرقيق الأبيض) والعبيد والغلمان والخصيان من أكبر وأهم التجارات في الخلافة الاسلامية. وكان أكبر مصدر للرقيق، ولا سيما النساء منهم مما يستولي عليه الخزر والاتراك. وفي أدبياتنا التاريخية كانت الجواري يسمين «روميات» (أي إغريقيات ـ بيزنطيات)، لكن الحروب مع بيزنطية كانت على تراجع، ومن ثم فإن موارد السبايا البيزنطيات «الروميات» كانت على تضاؤل. وأغلب السبايا ـ الجواري في قصور الأمراء المسلمين، اللواتي كان يجري شراؤهن من اليهود الخزر، لم يكنّ روميات بل بلغاريات وسلافيات ـ صقلبيات (روسيات). وقد تبنت الدولة البلغارية القديمة (بلغاريا الفولغا) الديانة الاسلامية، على أمل أن تنجدها الخلافة وتحميها من الغزو والتوسع الخزري اليهودي. وقضى الخزر على دولة بلغاريا الاسلامية القديمة، لكن بقايا بلغار الفولغا لا يزالون مسلمين حتى يومنا هذا. وبحافز الدفاع عن النفس اتجهت القبائل الروسية الوثنية المبعثرة إلى توحيد صفوفها في دولة واحدة وتبنت ديانة واحدة هي الديانة المسيحية على النسق الشرقي. وأول «عمل دولوي» قامت به الدولة الروسية الجديدة هو رد الصاع إلى مملكة الخزر
اليهودية.
وفي سنة 965 نجح الأمير سفياتوسلاف الأول، أمير الدولة الروسية الأولى (المسماة: روسيا كييف)، في تدمير الحصون الرئيسية لدولة الخزر واقتحام عاصمتها إيتيل.
وفي الفترة من 980 ـ 1015، أكمل الأمير فلاديمير الأول مهمة سلفه، ودمر على نحو كامل مملكة الخزر اليهودية وأزالها من الخريطة، ومنع اليهود الخزر من الإقامة في منطقة بحر قزوين، فانتشروا في سائر الأراضي الروسية وأوكرانيا وبولونيا، وفي أوروبا الغربية.
واليهود الحاليون الذين تطلق عليهم تسمية «أشكناز» أو تسمية «اليهود الغربيين»، لا علاقة لهم قومياً أو عرقياً بالعبرانيين ـــ الساميين («أبناء عم» العرب)، بل هم عرقياً من الأصول الخزرية ـــ الطورانية («أبناء عم» الأتراك). والأشكناز، أو اليهود الغربيون، هم الذين يحكمون إسرائيل، وغالبية الشخصيات السياسية اليهودية ـــ الإسرائيلية هم من الاشكناز، الذين يعرفون تماماً تاريخهم، ويحقدون حقداً «تاريخياً» أعمى على روسيا أكثر بكثير من حقدهم على العرب، الذي هو حقد مستجد تاريخياً بالنسبة إليهم، ومنقول إليهم من اليهود العبرانيين، على قاعدة الرباط الديني ـــ الغيبي، لا الرباط «القومي» الذي لا أساس تاريخياً له.
والعقيدة الدينية العبرانية تتمحور حول اليهودية المللية، أي السعي إلى المحافظة على حق الممارسة الدينية المتميزة، وفي شكلها الاقصى: اغتصاب «أرض كنعان» (فلسطين) وبناء دولة دينية متميزة يحكم فيها اليهود أنفسهم بأنفسهم. أما العقيدة الدينية الأشكنازية، فتدعو إلى إقامة دولة يهودية امبراطورية، أي دولة استعمارية توسعية، تحتل وتستعمر الشعوب الأخرى وتستعبدها على الطريقة التي قامت عليها قديماً الامبراطورية الرومانية ـــ النموذج الأصلي لجميع الدول الاستعمارية في التاريخ العالمي. وهذا ما كانت عليه المملكة الخزرية التي قضى عليها الروس.
وإذا كان «الحلم التاريخي» ـــ التوراتي لليهود العبرانيين هو الاستيلاء على القدس وإعادة بناء هيكل سليمان و«مملكة داود»، في ما يسمونه «يهودا والسامرة»، فإن «الحلم التاريخي» لليهود الأشكناز هو الاستيلاء على موسكو وتدمير الدولة الروسية وإعادة بناء «مملكة الخزر اليهودية» على أنقاض المسيحية الشرقية والدولة الروسية.
وللأسف الشديد فإن الصهيونية العالمية (ونواتها الأساسية: اليهودية الاشكنازية) تسجل النجاح على صعيد تسخير «الاسلاميين» التكفيريين المضلَّلين في محاربة المسيحيين الشرقيين (العرب) والمسيحية الشرقية عموماً وروسيا خصوصاً.
* كاتب لبناني
16 تعليق
التعليقات
-
على هامش الموضوع ... فكرتين من وحي المقالةحضرة الإستاذ جورج - لقد سعدت بمقالتك وردودك على التعليقات القيمة من القراء. وأحب أن أسلط الضوء على فكرتين من وحي مقالتك. 1- للأسف أضاع المسلمون فرصة تاريخية حينما شرع الإسلام إلغاء الرق وتحديد عدد الزيجات وإعطاء المرأة حقوقا لها إكثر مما كان سائداً منذ 14 قرنا لدى الأمم الأخرى. اقول اضاعوا لانهم بدل أن يطوروا الشريعة (حتى بالحد الأدنى يطبقوها) زادوا من شراء العبيد والخصيان وبدلاً من 4 بالحلال أصبحوا عشرات الحريم في القصور. أقول للأسف لان العرب والمسلمون حكموا العالم لمدة 7 قرون أو أكثر وكان بإمكانهم تغيير وجه البشرية والأرض وتجنيب شعوب كثيرة مأساة العبودية ... لقد إحتاج العالم لستة قرون أخرى لكي تلغى العبودية من وجه الأرض على يدي الأوروبيين الذين تعلموا من العرب تلك المهنة الملعونة. 2- أما عداء الروس لليهود الإشكناز فهو عداء لم نكن لنفهمه لولا إنتقال هذه الطائفة الشريرة وأستيطانها غصبا إلى جانبنا. فاليهود العرب سكنوا بيننا طوال آلاف السنين وكان تاريخنا واحد فهم ابناء هذه البقعة مع كل ما فيها من حروب ونزاعات وسلم وعيش مشترك. أما هؤلاء الإشكناز فهم جنس أخر. وحينما وجدت أوروبا الفرصة سانحة للتخلص منهم مابين الحربين العالميتين وما بعدهما لم تقصر. ومنذ 1948 لم ننعم نحن العرب بيوم واحد من السلام بينما أوروبا تعيش بسلام وتقدم. لربما هذا السبب الأهم والأكثر منطقية لإستمرار دعم أوروبا وأمريكا وحتى روسيا للدولة العنصرية العنيفة – اي دول إسرائيل. أي أنتم اليهود ابقوا هنالك في الشرق الأوسط – وأريحونا من شركم وحروبكم – ولا تخافوا سنبقى ندعمك بالمال والأسلحة ونحميكم - هذا لسان حال المجتمع الغربي بالأمس واليوم وسبب سرعة إعترافهم بإسرائيل.
-
ستالين كان حليفا للصهيونيةمن المعروف تاريخيا ان الذي فضح اتفاقية سايكس ـ بيكو (وملحقها وعد بلفور) هو الثورة الاشتراكية الروسية بزعامة فلاديمير لينين ـ ولكن الدول الامبريالية الغربية ونواتها المركزية الكتلة المالية اليهودية العالمية والصهيونية سياسيا، لم تستسلم ـ وفي 30 اب 1918 (اي قبل مرور سنة على الثورة الاشتراكية) جرى اطلاق النار على لينين واصيب برصاصتين واعتقلت فتاة يهودية اسمها فاني كابلان بتهمة اطلاق النار ولكنها اختفت من مركز المخابرات بعد ثلاثة ايام ـ ودارت شكوك كبيرة حول مشاركة قيادات حزبية في المؤامرة وفي رأيي المتواضع ان ستالين كان على رأس المتآمرين بالتعاون مع الصهاينة والمخابرات الغربية ـ وطوال عهد ستالين كان وزراء الداخلية لديه دائما يهود ـ وقد تم اعدام ملايين الشيوعيين الروس والسوفيات ـ والاعتراف باسرائيل هو من انجازات خائن الشيوعية الاكبر الدكتاتور ستالين ـ ولكن الستالينية لا تعبر عن المصالح والتطلعات التاريخية للشعب الروسي، تماما كما لا يعبر الحكام العرب عن مصالح الشعوب العربية
-
لماذا كان الإتحاد السوفيتي أول من إعتراف بدولة إسرائيل؟إذا ما كان العداء مستحكم بين اليهود والروس - لدي سؤال: لماذا كان الإتحاد السوفيتي أول من إعتراف بدولة إسرائيل؟ أنا أحب أن أستمع لرأي الإستاذ جورج. وشكراً
-
مقال موضوعيأتمنى أن نشاهد كتاب أمثال الكاتب جورج ويكتبون بعقل وبعيداً عن الأهواء والميول السياسية . ياريت المقال القادم يكون عن سر ارتباط بدو الخليج بالصهونية ويهود الخزر .
-
روسيا تنفذ مصالحهاروسيا تنفذ مصالحها طبعا ولكن هل نستطيع ان نقرا مصالح اﻻخرين ونعرف كيف نضع مصالحنا على طريق مصالحهم كي نصبح حاجة لهم كما يفعل اليهود؟
-
الأتراك الأعداء"عليهم تسمية «أشكناز» أو تسمية «اليهود الغربيين»، لا علاقة لهم قومياً أو عرقياً بالعبرانيين ـــ الساميين («أبناء عم» العرب)، بل هم عرقياً من الأصول الخزرية ـــ الطورانية («أبناء عم» الأتراك). والأشكناز، أو اليهود الغربيون "يعني إلي ييحكم اسرائيل ولاد عم الأتراك يعني الأتراك كانوا سبب تراجع الحضارة الإسلامية بسبب العثمانية المتخلفه إلي حكمت العرب والمسلمين ولاد عمهم سرقوا فلسطين وعم يدمروا العالم
-
الفرع لا ينفي الاصلفي مقالتي تناولت مسالة مفصلية في تاريخ الدولة والشعب الروسيين، مما يؤكد ان الشعب الروسي هو في صراع تاريخي مع اليهودية اليوضاسية المعادية للانسانية ـ وهذا الصراع مستمر الى اليوم بطبيعة الحال ـ وفي كل مرحلة تاريخية تتبدل الظروف وتتبدل نسبة القوى وتتبدل المواقف المبنية عليها ـ ومن الضروري البحث في كل مرحلة بدقة وموضوعية واخذ الاتنتاجات الخاصة بناء لمصلحتنا التاريخية ـ ومن الضروري طبعا البحث في المرحلة الستالينية والنيوستالينية والغورباتشوفية واليلتسنية والبوتينية في تاريخ الدولة الروسية ـ وانا اعتقد (وهذا يحتاج لوقفة خاصة ) ان المرحلة البوتينية الحالية تختلف جذريا عن المرحلة اليلتسنية ـ ولكن هذا موضوع مستقل يجب بحثه على حدة ـ اما ما اردت الوقوف عنده في مقالتي فهو الاضاءة على اللحظة التأسيسية في تاريخ الدولة الروسية والقومية الروسية ـ فالقومية الروسية نشأت (كقومية) في معمعان النضال ضد اليهودية الخزرية ، تماما كما نشأت المسيحية الاصلية (الشر قية) في معمعان النضال ضد الامبراطورية الرومانية والقيادة الهودية، وهذه لحظة مفصلية قصر جميع المؤرخين العرب في الوقوف عندها
-
روسيا جورج حدادعلى فكرة شلومو ساند حكي كيف تم إختراع الشعب اليهودي بكتابو "كيف تم إختراع الشعب اليهودي" و بالأخص بركز على موضوع الإنتشار اليهودي و عدم وجود أي صلة "عرقية" بينن و بين يهود فلسطين و هالشي بيتلاقى مع اللي حكيه الكاتب عن الأشكناز.. للأسف ما بتصور إنو حالياً روسيا عندها أي عداء لإسرائيل! روسيا متل غيرا بتفتش على مصلحتها بس إيجابيتهن إنن بياخدوا بعين الإعتبار الروابط الدينية مع الأورتودكس الشرقيين...
-
وجهة نظرالسيد جورج حداد المحترم , لكم أسعدني مقالك في الأضاءة على الماضي الروسي و غوصك في المراجع التاريخية كي تقدم للقارىء العربي خبرا يسعده و لكن العتب و هو من باب التقدير و المحبة يأتي من كونك توقفت فقط عند الماضي السعيد و لم تكمل البحث ليضيء على الحاضر الأقل سعادة , و برأيي كان من الواجب ان تشرح للقارىء المهتم عن الفترة اليلتسينية و عن مساندة اللوبي اليهودي في تثبيت الدعائم الأقتصادية و الدعم المعنوي و السياسي لروسيا في فترة ما بعد انهيار العملاق السوفياتي و أيضا عن سيطرتهم حاليا على الأقتصاد الروسي و تأثيرهم الفاعل في السياستين الداخلية و الخارجية كي لا يظن القارىء بأن النفوذ اليهودي قد انتهى الى غير رجعة منذ عهود روسيا القيصرية و مع تحياتي .
-
مهم جدا توعية الجيل العربيمهم جدا توعية الجيل العربي الجديد يا ريت نعود الى اقامة المؤتمرات المختصه بتاريخ فلسطين واحياـ القضايا العربية.
-
كاتب مثقّفكاتب مثقف وموضوعي وواضح. قليلون هم الذين على ميثاله. علّ "الأخبار" تجد طريقها.
-
كاتب لبناني علماني ممانعكاتب لبناني علماني ممانع ومقاوم مش طائفي بنوب.