لقد رأينا أخيراً ما حدث من بلبلة وعدم انتظام في صفوف اللبنانيين الذين توجَّهوا إلى روما لحضور احتفال ترقية غبطة البطريرك بشارة بطرس الراعي الى رتبة الكاردينالية. فأسفنا لذلك، ورأينا من واجبنا ان نتوجه الى غبطته بالنداء التالي:يا صاحب النيافة والغبطة، انتخابكم لتوسُّد مقام البطريركية المارونية كان بالنسبة إلى الموارنة واللبنانيين عموماً بشير فألٍ حسنٍ وخير.

فقد رأوا في ذلك بداية فجرٍ جديدٍ يُشرق عليهم ويبدّد غيوماً تلبّدت في سمائهم وما زالت تصبغ الأجواء باللون الداكن والمزداد اكفهراراً يوماً بعد يوم. وقد استبشروا بحلول هذا الفجر عندما وَجدوكم، منذ انتخابكم، تتناولون الأمور التي تمثّل مواضيع الساعة برأيكم السديد، وتوجيهاتكم الحكيمة، والبصيرة التي تنفذ إلى المستقبل، محذِّرة مما قد يحمل معه وباذلةً النصح لتجنُّب الوقوع في الهاوية.
انطلاقاً من ذلك فإننا، من موقع المواطن الحريص على بلده وطائفته، نسمح لنفسنا بأن نناشدكم توجيه اهتمامكم نحو لمِّ شعث بنيكم وسائر المواطنين، أي جميعهم على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم في نوعٍ من الترابط والتلاقي بحيث لا تشطح بهم نزعاتهم إلى ما يورّث الاضطراب في المجتمع اللبنانيّ وزعزعة أركانه. ويكون ذلك في شبه هيئةٍ تعمل بإشرافكم على ضبط الأمور وعدم تركها تجنح إلى ما يخرج عن القضية الأهمّ، وهي المحافظة على المصلحة الوطنية العليا.
هذا من جهة، لكن، من جهة ثانية، هناك نواحٍ ضمن الجسم الماروني ينبغي إعادة النظر فيها تصحيحاً لبعض الاوضاع، أو لمزيد من اتقان العمل وتوسيع نطاقه وتفعيل خدماته. من ذلك، مثلاً، تجديد المؤسسات العاملة في المجتمع المدني الماروني كالرابطة المارونية، والمجلس العام، وهيئة الانتشار، وجمعية كاريتاس وغيرهم، لأن جدّية العمل فيها باتت تتطلب دماً جديداً يُضَخُّ في أوصالها، عماده شخصيات لديها الاستعداد والاندفاع لتحقيق الأهداف التي قامت هذه المؤسسات لأجلها. فمع احترامنا للشخصيات الموجودة فيها حاليّاً لا بدَّ لنا من ملاحظة أن الصورة العامة للرابطة والمجلس وسواهما، أصبحت تعطيها وجهاً بروتوكولياً أكثر مما تعطيها وجهاً عاملاً ومسؤولاً. فكأن الانتساب إلى واحدة منها غدا أشبه باحتلال مقعد شرفيّ، وكأن بطاقة الانتساب باتت تمنح حاملها لقباً للتميُّز.
قرأنا، مثلاً، في جريدة «الأخبار» (بتاريخ 12/12/2012) أنّ الرابطة مقبلة على انتخابات رئاسة وعضوية، وأن التنافس يقوم بين فريقي المعارضة المسيحية والموالاة، لذا نأمل، بجهود نيافتكم، أن لا يؤدّي هذا التنافس إلى تحويله إلى معركة بين الفئتين فتنتقل السياسة إلى قلب الرابطة، التي من صلبها أن لا تكون مسيَّسة لأنها ليست لفريق دون غيره، بل هي لجميع الموارنة على اختلاف آرائهم. ثم إنها تشكيلات بعيدة عن الجمهور المارونيّ. فليس لها صدى في الأوساط الشعبية البعيدة في الجبال والأرياف، فيما المطلوب هو أن يشعر الفرد الماروني بوجودها كسندٍ له وداعم، وناشطٍ في ما يؤول إلى تعزيز كيانه. ويجدر أيضاً، يا صاحب النيافة، أن تعملوا على جمع الزعماء المسيحيين على قواسم مشتركة لا بدَّ من تحقيق إجماعٍ حولها رغم التباين في السياسة، وفي طليعتها الحفاظ على الوجود المسيحيّ، والمارونيّ خصوصاً، الذي بات مهدَّداً في لبنان والشرق عامّةً. وأنتم تعرفون أن سدَّتكم البطريركية ما كانت يوماً وقفاً على طائفةٍ ووطنٍ بعينه، ولا كانت مجرَّد رئاسةٍ طائفية بقدر ما هي مرجعية لبنانية ومسيحية يفيء إليها جميع اللبنانيين والمسيحيين المشرقيين. فالأحرى بالزعماء المسيحيين اللبنانيين أن يفيئوا إلى ظلها ويستمعوا إلى توجيهاتها ما دامت في هذه المهمة لا تتعدّى الحرص على سلامة لبنان، تحت شعار أن مصلحة لبنان هي أولاً، ويجب ألاّ يمسَّ بها التباعد السياسيّ بين الأفرقاء. ومن المسائل التي لا يمكن إلاّ أن يُجمعوا عليها هي العمل الجاد على إعادة المهجَّرين إلى قراهم، وبينها قرى لا تزال فارغةً من أهاليها تماماً. فلا صحة للقول إنّ المهجَّرين قد عادوا بأكثريتهم وعادت قراهم إلى ما كانت عليه، هذا والقرى التي عاد إليها فريق من أبنائها لا تزال بحاجةٍ إلى تأهيل لتعود صالحةً للعيش فيها. كذلك يجب دفع التعويضات كاملةً للمستحقين، وبصورة عادلة دون تمييز؛ فهناك مَن لم تصل إليهم حقوقهم بعد، وهناك مَن نالوها جزئياً ولا يزال الباقي في ذمَّة المسؤولين عن دفعه.
أما القضية الحيوية بامتياز، فهي أن تعملوا، أيها السيّد، على منع وصول الأحداث إلى لبنان بأية صورةٍ كانت، ومنها أن تكون صداماً بين طائفتين شقيقتين هما السُّنَّة والشيعة، فمثل هذه الحرب لا يمكن أن ينجو منها أحد، والمسيحيون سيكونون فيها، تبعاً لأوضاعهم الجغرافيّة، بين نارين. فعبثاً يقال إنّ المسيحيين والدروز لا شأن لهم بها، والواجب يحتّم أن تعملوا نيافتكم مع كل الواعين وذوي النوايا الطيّبة على إبعاد شبح الحرب عن لبنان، حرصاً على جميع اللبنانيين لا على المسيحيين وحدهم، فلطالما لُقِّب البطريرك المارونيّ بأنه بطريرك المسيحيين والمسلمين معاً ونوديَ بذلك من أعلى المآذن.
هذا ما رأينا أن نرفقه إلى عناية نيافتكم، عارفين جيّداً أن هذه الأمور لا تفوتكم، لكن، من موقعكم السامي، تستطيعون أن تتوصلوا إلى جمع الكلمة حول هذه القضايا، وبذلك تكونون أنتم مَن أنقذ لبنان.
* عميد متقاعد في الجيش اللبناني