ضمن ضبابية السيناريو الدولي الذي يُعدّ لسوريا للمرحلة الانتقالية، يبقى سيناريو انتخابات رئاسية بمراقبة دولية ضمن الاحتمالات الواردة. وضمنه، أيضاً، هناك السؤال الدولي الحاضر: هل سيترشح الرئيس بشار الأسد للحكم، أم سيعلن عدم ترشحه؟ إنّ ترشح وبقاء الرئيس الأسد في الحكم احتمال جديّ لأسباب داخلية وخارجية عديدة. فالرئيس الراحل حافظ الأسد بنى نظاماً مرتبطاً بشخص الرئيس بالدرجة الأولى، فلا يسقط إلا بسقوطه هو نفسه، ولا يحدث أي تغيير إلا من خلاله هو فقط. فمقام الرئاسة المرتبط بالعلاقات مع البرجوازية والعسكر والحزب ورجال الدين لكي يسقط، يجب أن يقابله ويوازيه شخص آخر بمقدوره أن يجمع قوة على الأرض تنافسه على السلطة في سوريا.
وأهم الأسباب التي تبقي الأسد في الحكم هي المعارضة نفسها، فغياب القوة لدى هذه المعارضة يجعل الأسد في موقع مرتاح نسبياً. فغياب القائد الحقيقي للمعارضة التي تتوافق حوله، ويعبّر عن تطلعاتها يضعفها ليس في الانتخابات فقط بل في الحوار أيضاً. ويعود هذا الغياب إلى سببين: الأول هو غياب الحياة السياسية عن سوريا طوال أربعة عقود، والسبب الثاني هو اختلاف المعارضات فيما بينها، مما يشوه صورة المعارضة أمام المجتمع.
لم يكن مطلوباً من المعارضة التوحد في العقائد، فهذا أمرٌ غير منطقي، لكن ما كان مطلوباً هو الوعي بإمكانية استغلال مطالبها المحقة لتنفيذ مخططات خارجية تهدف إلى اضعاف الدولة وتفكيكها. وكان الخطأ الأكبر بعسكرة الحراك السلمي، فيما كان المطلوب أن يبقى الحراك سلمياً كمبدأ لا كخيار يتبدل مع الظروف. هذا ما أعطى القيادة السورية مبرراً قوياً للمحافظة على سلطتها، وليصبح الرئيس الأسد من المساهمين في محاربة الإرهاب، وليتحول في نظر الرأي العام الغربي قبل العربي قائداً قوياً ومهماً في منطقة الشرق الأوسط. إن سوء قراءة بعض المعارضة للنظام في سوريا جعلها ترفع شعار إسقاط النظام لكونه تقليداً لما سميّ الربيع العربي، لكنّ تقدير الفرق بين بلد وآخر جعل هذا الشعار مجرد كلام لا قيمة له على الارض. فكما قلنا عن تركيبة الرئاسة في سوريا أنّ سقوطها يعني سقوط الدولة بأكملها، وهذا ما يدفع الناس إلى التخوّف من نتائج هذا السقوط ومن إمكانية حدوث فوضى بعده. ليست المرحلة الانتقالية في سوريا هي الحكومة المختلطة التي ستؤلف لإجراء انتخابات جديدة لمجلس الشعب أو تعديل الدستور أو الاشراف على الانتخابات الرئاسية، وإنما المرحلة الانتقالية الفعلية هي ما بعد الانتخابات الرئاسية، لأنّ المرحلة المقبلة هي لتجاوز الأزمة الراهنة. أما عملية البناء الحقيقية، فهي بعودة الاستقرار على نحو تدريجي إلى البلاد. وهذه المرحلة تتطلب من السلطة الحالية أن تدرك أن سوريا لن تعود كما كانت قبل 15 آذار 2011 في طريقة إدارتها للبلاد، وعلى المعارضة أن تدرك، بدورها، أخطاءها التي ارتكبتها بعد هذا التاريخ.
أما التوافق الدولي والاقليمي، فليس بالأحلام الوردية التي يرسمها البعض. التوافق هو إعادة تموضع للدول الكبرى للسيطرة على مناطق النفوذ والثروات الباطنية في العالم، من أجل الإعداد لجولة جديدة من الصراعات المستقبلية. الدولة السورية هي مفصل أساسي في هذا الصراع الدولي على الساحل الشرقي للمتوسط، والصراع اليوم يحسم لمن يرفع سقف المفاوضات، أي من يمتلك القوى الأكبر في الميدان.
موالون للأسد ومعارضون للبعث، هذه حال الكثيرين من مؤيدي الرئيس السوري. في رأيهم هو مختلف في رؤيته ونظرته عن حزبه رغم انتسابه إليه. فدعمهم له للبقاء في الحكم، إضافة إلى كلّ الأسباب السابقة، قد تمثل بداية لمرحلة دولة ما بعد البعث.
* كاتب لبناني