انصاف الاعوار معضاد: شعرك يحييني
الكلام على فقيدتنا الغالية الشاعرة انصاف الاعور معضاد، يطيب بعد موتها كما كان يطيب وهي حية. وتلك لعمري صفة لا تتوافر الا لافضل الناس وللمصطفين منهم عند ربهم، الذين علموا أن الآجال صحائف الايام، فقلّدوها افضل الاعمال، وجردوا تاريخهم من نقطة سوداء تشوّه وجه صحيفته البيضاء.
انصاف كانت سيدة أخلاق ومبادئ. نذرت نفسها من أجل ان تكون اجتماعية حقيقية. تزيّنها اخلاقها وسيرتها الطيبة، فحملت على كتفها مسؤولية بث الوئام بين الناس. كانت مؤمنة بالله، وتؤمن بالانسان وبما يؤديه من خيرات وحسنات. كانت على درجة من الرقي الأدبي. كانت كاتبة ادبية شاعرة، ومحدثة فصيحة. ومستمعة نبيهة. تقرأها في نثرها وشعرها، فتشعر بأنك أمام قلم رشيق، وفي مواجهة أديبة رقيقة. وتسمعها في مجالس، فترى لساناً طليقاً وعقلاً نيّراً وسيدة صالون من الطراز الاول. كانت واسعة الخلُق. نشيطة إلى المعروف. لم تتوانَ عن مدّ يد المساعدة لمن احتاج اليها. كانت وفية لأصدقائها، لا خصومة بينها وبين أحد، فالتسامح من شيَمها، والتنابذ من ألد أعدائها. ولا عجب بذلك، فهي سيدة الخصال الحميدة والمزايا الحسنة. قلما نجد اسماً يوافق مسمّاه. فمن سُمي جميلاً نراه قبيح المنظر، ومن سُمي بهيجاً لا نجد فيه إلا ما يدل على الكآبة. أما انصاف فقد كانت منصفة حقاً في جميع أعمالها، مخلصة لاصدقائها، وفية لمحبيها. كانت شديدة السخط على المتعصبين والمتاجرين بكتب الله. فكانت نتيجة ذلك استفحال الجفاء بينها وبين الطائفية. وسعيها المتواصل في سبيل بناء مجتمع تسوده المحبة، وتجمعه الوطنية. وهي من أجل ذلك، لم تغادر وسيلة الا استعانت بها لبلوغ الغاية التي ترمي اليها. فكان «الملتقى الأدبي» الذي انشأته في منزلها في بزبدين، والذي حقق شهرة عظيمة وارتاحت اليه نفوس الأدباء والشعراء والفنانين والسياسيين الذين شاركوا فيه. نظراً لما كانت سيدته تتمتع بمزايا عالية، وأخلاق كريمة.
وقد كنت آخر من استضافته في صالونها الأدبي الرحيب، الى جانب الاساتذة الادباء الذين تكرموا بالكلام على كتابي «تاريخ لبنان كما كان»، فكأنها أرادت بذلك ان تجود عليّ بوسام قبل رحيلها بأيام، فمنحتني شرفاً عظيماً ودلت على ما تتحلى به من صفات أدبية متأصلة في مزاجها وطبيعتها.
لها، في عليائها، قول: قرأت شعرك، شعرك يحييني.
شفيق سليمان