بات مألوفاً في الآونة الأخيرة استضافة عرّابي سياسات الخصخصة التي دمرت اقتصاديات بلدان عربية خلال العقدين الماضيين، محاضرين وخبراء في ندوات يصدّرون دراساتهم عن «الثورات العربية». وفي هذا السياق، يطالعنا وزير التخطيط الأردني الأسبق باسم عوض الله (راسبوتين النيوليبرالية الأردنية) في ورقة له بعنوان «بعد الربيع العربي... البحث عن قواسم اقتصادية مشتركة»، نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» اقتباسات منها.
يتشارك عوض الله مع عادل مالك، المحاضر في جامعة أكسفورد، في قراءة تنطلق من الفرضية ذاتها التي بسببها اجتاحت الاحتجاجات أجزاءً عديدة من وطننا العربي. وتتلخص في ضرورة تطوير قطاع خاص قوي من أجل مواجهة التحدي التنموي، مغفلين أن بيع مقدرات الأردن – أنموذجاً – والفساد الذي رافق عملية خصخصة المنشآت الحكومية خلال 15 عاماً، فاق بالأرقام والنتائج كل الكوارث التي لحقت بالاقتصاد الوطني جراء ترهل الدولة وأجهزتها منذ استقلالها وحتى بدء «مرحلة الإصلاح» التي قادها عوض الله وأشقاؤه في دول عربية، وأبرزها: مصر وسوريا.
يعيد عوض الله الأسباب الموجبة لدعوته إلى إصلاحات اقتصادية متزامنة مع الإصلاحات السياسية، في تعمية واضحة على طبيعة الإصلاح السياسي الذي يريد، وهي نسخة متماثلة لما سوّقه حين توليه وزارة التخطيط في الحكومة الأردنية عام 2000، وتتضمن مخاوفه من الضغوط الديموغرافية الكامنة وما تخلّف عنها من بطالة شديدة، محذراً اليوم، في ورقته، من حاجة الشرق الأوسط لتوفير نحو 100 مليون فرصة عمل خلال العقد المقبل.
لا داعي للتذكير بنسب البطالة المطّردة في الأردن رغم بقاء عوض الله وزيراً ورئيساً للديوان الملكي ثماني سنوات، غير أنّه يسعى هنا إلى تسويق أطروحة عربية تجترّ أطروحاته السابقة حول البيع المنظم لمؤسسات القطاع العام، والأخطر فيها تسويغها بـ«عدم الترابط بين الأسواق الإقليمية، وأنّ التجارة البينية بين الاقتصادات العربية ضعيفة للغاية، ولا تشكل سوى نحو 10% من إجمالي التجارة السلعية»، ما يعدّه فشلاً هائلاً.
«فشل» لا يقاس عند منظر النيوليبرالية بما آلت إليه بلدان المنطقة من تبعية إلى منظومة احتكارات غربية، لكن يعزوه إلى «حرمان الشركات العربية وفورات الحجم، التي تعد المحرك الأساسي للتنمية، كما أنّ ذلك يقلّل من احتمالات النمو ويعزّز من اعتماد الشركات على الدولة ويحرم القطاع الخاص فرصة أن يصبح دائرة مستقلة للتغير الاجتماعي والاقتصادي»، متناسياً أن هذه الشركات جزء عضوي من الاحتكاريات العالمية، وأنّ اعتمادها على الدولة تحوّل إلى شراكة ممنهجة مع أجهزة الأمن، وأساس حركة التغيير العربية يتمثل في التحرر من هذه الشركات لا تعزيزها.
يصرّ عوض الله على استجداء الاستثمار الأجنبي، ما يستدعي منه تحميل المتسببين في سلب الأسواق العربية المحدودة بفعل القوة الاحتكارية كونها أحد أطراف السلطة، في إشارة متضمنة. ومن جهة أخرى، يرى الوزير الأسبق أنّ إحدى مزايا الشرق الأوسط تتجلى في إقامة 50% من إجمالي سكانه في مناطق حضرية، مهملاً أزمات التمركز في المدن، وكيف أدّت إلى تدمير الزراعة في الأرياف، وخلق مشكلات سكانية ومائية وأخرى تتعلق بالطاقة والعمران في الحواضر، ما دام ذلك يصبّ في مصلحة الشركات التي قد تستثمر في مدننا العربية مستفيدة من حجم القوى العاملة.
مرة أخرى، يقرّ رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق أنّ «الفشل في تنمية قطاع خاص قوي ليس مجرد إخفاق للسياسات الاقتصادية الوطنية، وإنما إخفاق إقليمي»، وبناءً على ذلك يدعو إلى إزالة الحواجز والحدود لفتح الأسواق المحدود بعضها على بعض، لكن ليس اعتماداً على قاعدة إنتاجية ينحيها عوض الله جانباً، بل رغبة في استقطاب رؤوس أموال تستحوذ على الاقتصاديات العربية في ما بعد استكمال الخصخصة على أيدي الأنظمة التي استولت على السلطة باسم الثورة.
واستناداً إلى التوجه ذاته، لا ينادي صاحب العلاقات المتينة مع القادة الصهاينة إلى بنية تحتية تفيد منها الهوامش العربية، بل إلى بنية «تتعلق بتنظيم المشروعات الصغيرة والمتوسطة»، ودليله على ذلك تجربة تركيا الأردوغانية، دون أن ينسى الإشادة بخطط مجلس التعاون الخليجي لإنفاق 142 مليار دولار أميركي على مشروعات البنية التحتية الإقليمية.
باسم عوض الله، غراب الخراب الأردني وراسبوتين الحكْم، يعود اليوم بتنظيراته الجديدة لبناء سوق عربية تشكل طريقاً أسرع إلى القضاء على ما بقي من مقدرات بلداننا العربية.
يمكن الرجوع إلى ورقة باسم عوض الله/ عادل مالك عبر الموقع الإلكتروني:
http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0305750X1300003X
*كاتب أردني