هناك قاسم مُشترك بين أولاد أصحاب المليارات (أو أولاد الحكّام العرب، وهم دوماً من أصحاب المليارات): يتمتّعون بفائض من الثقة المفرطة بالذّات، بصرف النظر عن المؤهّلات، أو غيابها. خذ سعد الحريري: سنوات في العمل السياسي بعد اغتيال والده ولا تجد أثراً للحكمة أو المعرفة أو الدهاء أو الذكاء أو الحنكة أو الخبرة أو الكفاءة، أو حتى لتراكم فوائد الخبرة. لا أثر «بنوب»، كما يقول الشوام. لكن تقويم أولاد أصحاب المليارات لأنفسهم لا يخضع لعملية نقدية عويصة يقوم بها الإنسان العادي وينحو في خلالها من أزمة وجودية إلى أخرى. لا، إنّ تقويم هؤلاء ليس ذاتياً أبداً ولا يخضع لمعاييرنا النقدية نحن البشر. هو تقويم مُستورد من تقويم الحاشية التي أقنعتهم منذ سنّ الرضاعة بأنهم موهوبون وظرفاء وأذكياء وأن ابتساماتهم غير عادية وأن جلساتهم المملّة ساحرة، وأن خلعهم لملابسهم على المنبر أمام جمهرة من الناس (كما فعل سعد الحريري ذات مرّة) يضفي البهجة والحبور على نفوس الملايين. الحريري، عندما خلع سترته، كان كالماغوط عندما حذّر العذراوات قبل أن يخرج عارياً إلى الشارع. هؤلاء نشأوا في ظروف صعبة من حيث قدرتهم على إيهام أنفسهم أنهم غير ما يبدون في المرآة، أو في الكراريس المدرسية أو الجامعية. تفهم اليوم أكثر من أيّ يوم مضى حجم مشكلة الحاكم بأمر الله: كيف أثقل عليه مستشاروه بالتعظيم والتبجيل. سعد الحريري هذا لا عهد له بالسياسة. لا يملك من مقوّماتها شيئاً. وعندما أطلّ على عالمها، وفقاً لمعايير الخلافة القبلية المُتبعة في مضارب النفط والغاز وفي مضارب زعماء لبنان، قيل لنا: الرجل «مش هيّن». كان يدير عالم المال في شركة «سعودي أوجيه». طبعاً، الشركة في تدهور مستمر وانحدار منذ اغتيال الوالد، أي منذ أصبحت مقدّرات الشركة فعليّاً في يد الابن النجيب. وقد كُلّف الأمير سلمان من قبل آل سعود باختيار خليفة رفيق: وكان هناك من زكّى بهاء وكان هناك من زكّى سعد، لكن الكفّة رجّحت سعد لأنه _ كما قيل _ أكثر تهيّباً وولاءً وطاعة لآل سعود (تأخّر بهاء مرّة في الحضور إلى استدعاء من أمير سعودي، فسُجِّلت ضدّه). كذلك فإن تطوّع سعد مبكرّاً للعمل في حاشية الأمير عبد العزيز بن فهد ساهم في دعم ترشيحه مقابل ترشيح بهاء.
وسعد الحريري حرد عندما فقد رئاسة الحكومة وطار عقله. وبرز في وثائق «ويكيليكس» تندّر وسخرية أميركيين من عقدة سعد الحريري نحو شخص السنيورة وطموح سعد المُبكّر لوراثة والده في رئاسة الحكومة. ليس كل من يرث والده في السياسة غير مؤهّل: أحياناً يبدو فيصل كرامي أكثر أهليّة وحكمة من والده ومن عمّه على حدّ سواء، بصرف النظر عن السياسات. إنها الأقدار التي جعلت، مثلاً، من طلال أرسلان وارثاً لأب فاقد الموهبة والقدرات. لكن الدوائر تدور ويحدث أن يورث زعيم فاقد الصلاحية والموهبة أمره لابن يتمتّع ببعض الصلاحية والكفاءة. لم يُكتب لرفيق الحريري تلك الحظوة.
وسعد الحريري غائب عن لبنان: يحمله في قلبه وعقله أينما حلّ. وهو يتسقّط أخباره من مختلف أنحاء المعمورة، خصوصاً من موانئ يخت والده الخاص. لكن المُذهل أنّ سنوات الغيبة لم تعمّق تجربته ولم تزده معرفة بتاتاً. هو هو، كما ألفناه عندما سقطت الزعامة الطائفية _ المذهبية بين يديه. لم يشرح أحد تلك الوطنية التي دفعت بالرجل إلى الرحيل عن بلاده لمجرّد أن تواردت لديه «معلومات» وخبريات وإشاعات عن وجود خطر ضدّه في البلد الذي يحتل فيه موقع رئاسة أكبر كتلة برلمانية، وإن كان لا يعرف أسماء بعض أعضائها. ماذا لو رحل أيّ زعيم وطني عن بلاده لمجرّد سماع إشاعات عن استهدافه؟ على هذا الأساس، كان «فلَّ كل زعماء لبنان».
وجلسته مع مارسيل غانم كانت مُنتقاة بعناية، كما لو أنّه يطلّ بحميمية من خلال شاشة «المُستقبل» بضيافة أحد من صحافيّي العائلة الذين يستظرفون تملّقه عبر «تويتر». ومارسيل غانم له أسلوب مميّز مع أصحاب الثروات من لبنان والعالم العربي. يحاول جاهداً أن يغطّي على عثراتهم وسقطاتهم وعلاّتهم. وعندما كان سعد الحريري يفشل في العثور على كلمة مناسبة في الحديث _ وهذا يحصل له بمعدّل مرّة أو مرتيْن في الجملة الواحدة _ كان غانم يُسارع إلى تلافي الإحراج عبر إكمال جمله أو زيادة جملة عليها لتحسين التعبير وتطوير المعنى. لا يمكن أن يحصل ذلك في صحافة رصينة بالتأكيد، ولكن ما لنا وللرصانة والصحافة فيما يسيطر آل سعود وآل ثاني على معظم الإعلام العربي. يظهر مارسيل معه وكأنه يعمل في حاشية الحريري، أباً وابناً. يضحك بمبالغة لنكاته البليدة المتكلّفة وتدمع عيناه بمجرّد أن يتصنّع سعد الحزن في الحديث العاطفي عن والده. وعندما دمعت عينا مارسيل غانم تآلفاً مع دموع سعد الحريري في الحديث عن وسام الحسن، وخصوصاً أنّ المخرج أمر الكاميرا بالتصوير القريب للمآقي، شعرت مثلي مثل غيري من المشاهدين والمشاهدات برغبة دفينة في الضحك. كذلك فإنّ سعد لم يتوقّف بعد عن استدرار الدموع على والده _ فقيد عائلته. وأضاف أنّ كل يوم له هو 14 شباط، لكن إذا كان هو يريد أن يعيش أيّامه جنائزيّاً فلماذا يثقل على البلد بمشكلته الخاصّة (تظن في حديث سعد عن والده أنّه تيتّم فقيراً في سن الحبو).
أما مضمون كلام سعد الحريري فلا يهم أبداً، لأنّه لا يحاول أن يخفي واقعه المرير: أنه تدرّب على الحديث مع مساعديه قبل ظهوره، لكنّ التلقين أحياناً يبدو خفيّاً عن البعض المُلقَّن، إلا عنده هو. فتصدر كلمات هاني حمّود وباسم السبع وغيرهما الكثيرون في فريق حاشية التملّق بتصنّع ومن دون إظهار فهم لمعاني الكلمات. مصيبة سعد الحريري أن دور التلميذ الفاشل والمتعثّر يلاحقه منذ سنوات مقاعد الدراسة. تلميذ لم يعرف الاجتهاد، لكن سلالته وضغط الحاشية يفرضان عليه تمثيل دور المجتهد. الحيلة تلك سرت في مدارس عربية، لكنها لم تسر في سنوات الدراسة في جامعة «جورجتاون». انتحى به أستاذه في واحد من صفوفه وقال له بتهذيب: عليك أن تتفوّه بكلمة أثناء الصف. أنت في برنامج للدراسات العليا. لكن سعد كان مأخوذاً بدرّاجته النارية. يتذكّر زملاؤه في الصف أن إعجابه بالدرّاجة لم يفارقه لحظة أثناء ساعات الصفوف. كان يتأملها عن بعد من النافذة، كما ينتظر العاشق مرور المحبوبة على الشرفة في الحارات المزدحمة.
لكن نبرة سعد الحريري تغيّرت بعض الشيء. يزيد من التصنّع في إظهار الحزم والبأس والإصرار والتشديد. علّموه اللهجة البيروتية، أتوا له بمُدرّس خصوصي في اللهجة البيروتيّة (كما أخبرني مستشار العائلة، رضوان السيّد، الذي حاول من دون فائدة تلقينه بعض الفصحى)، لأنّ أولاد أصحاب الثروات اعتادوا الدروس الخصوصية في كل المواضيع. سعد الحريري يريد، لا بل يصرّ، أن يصبح زعيماً وجماهيرياً وإن افتقد كلّ مقومّات الزعامة. ولكن لماذا لا يصبح زعيماً تلفزيونياً بمعونة المرافقين الإعلاميّين المحظيين؟ لمَ لا؟ الرجل يُكرّر الجملة ويُكرّر عبارات كنا نسمعها أطفالاً من الكبار في مشاجرات الشوارع، خصوصاً الضيّقة منها: من نوع «أنا ما بكون سعد الحريري»، أو «أنا ما بتراجع»، أو «أنا كلمتي»، أو «في هذا الموضوع»، أو «أنا ابن رفيق الحريري»، أو غير ذلك من ألفاظ وعبارات البطولة التلفزيونية.
سعد الحريري كان مضطراً إلى الظهور: مرغم هو لا متطوّع. البلد يضجّ بمشاريع المنافسة الطائفية الانتخابية وهو صاحب أكبر كتلة بعيد تماماً عن السجالات النيابية. والكتل النيابية تتبارز في تقديم المشاريع الانتخابية المتنوّعة (والمتلاقية في الحدة المذهبية والطائفية) باستثناء كتلة «الحريري» التي لم تقدّم إلا رفض ما قُدّم أمامها من مشاريع. هي (على خطى رفيق الحريري) تريد احتكار التمثيل السنّي والمسيحي وما يتيسّر من التمثيل الشيعي والعلوي والدرزي. وبدا سعد وهو يتحدّث في القوانين الانتخابية أنه لم يستمع إطلاقاً إلى شرح المستشارين. ترك أمر الشرح لليوم التالي للنواب الأدوات. ومشروع الكتلة الحريرية كان _ كان متوقّعاً _ ممعناً في المدنية، وهي تعني المذهبية. وكما عرّف المدنية وليد جنبلاط يوماً: كلّما ضاقت الدائرة الانتخابية كان ذلك أفضل للبنان، عاش لبنان الطائفي _ المذهبي _ المدني. كذلك فإن التيّار المدني يزعم أن النسبية لا تستقيم بوجود السلاح، كأن هناك من منع معارضي حزب الله من الترشّح في الجنوب، وكأنّ شاكر البرجاوي يستطيع أن يعقد مهرجاناً انتخابياً في الطريق الجديدة. ليس هناك من يفرض وحدانية التمثيل أكثر من العائلة الحريرية. لكن ساطع نور الدين انبهر بظهور سعد، وأعلن على موقعه الجديد، «مدن (الملح)»، أنّ سعد يقود تيّاراً «مدنياً». لم نكن نعلم أنّ خالد ضاهر ومحمد كبّارة وزياد الحمصي وعلي الحجيري وسامي الخطيب ومعين المرعبي ومحمد علي الجوزو يمثّلون التيّار المدني قبل أن يعلن ساطع نور الدين ذلك. وكان هذا الإعلان بمثابة تدشين لموقع إخباري على الإنترنت جديد، فأهلاً بالمواقع «المدنية» طبعاً، والمدنية هي نسبة إلى المدن مثل الدوحة، ودبي، والرياض، والدرعيّة وغيرها من المدن الزاخرة بالتمدّن والمدنية.
لكن تحيّة نور الدين للحريري كانت عن موضوع الزواج المدني بالتحديد. وكان متوقّعاً أن يعلن الحريري موقفاً منه لأنّ خصمه العنيد والأكيد، المفتي قبّاني (الذي انتقاه الحريري الأب بعناية فائقة) أعلن جهاراً موقفاً مُسبقاً ضد الزواج المدني. ولم يتبلّغ أحمد فتفت (الذي كتب في جريدة للنظام السوري تحيّة مؤثّرة لحافظ الأسد عام 1999، وقد انتشرت على الإنترنت هذا الأسبوع) قرار المُعلّم فأعلن موقفاً معارضاً للزواج المدني من باب المجلس النيابي. وفتفت من أكثر مدنيّي تيّار الحريري تمدّناً، بالمناسبة. أما موقف الحريري من الموضوع فكان مثل المواقف الجبانة لبعض السياسيّين الكاثوليك في أميركا عندما يعلنون أنهم يرفضون الإجهاض لهم ولعائلاتهم لكنهم يؤيّدون قانونية الحق. وعلى هذا النمط، أعلن الحريري أنه ضد الزواج المدني له ولعائلته، لكنه يؤيّد هذا الحق. لكن سعد الموغل في التديّن والورع والتُقى الوهابي أعلن أيضاً أنّ: «ما حدا سنّي أكثر منّي». لعلّ هذا الإعلان المدني هو الذي حاز إعجاب ساطع نور الدين. لكن هذا إعلان سياسي مهم: زعيم التيّار «المدني»، كما يردّد مثقّفو 14 آذار، يُعلن أن ليس هناك من هو أكثر سنيّة منه. ماذا يعني هذا الإعلان وما هي مُترتّباته؟ ماذا لو أعلن زعيم تيّار غير مدني في المقلب الآخر أن ليس هناك شيعي أو مسيحي أكثر منه؟ ماذا كانت ستكون ردود فعل مثقّفي النفط والغاز؟ أما كانوا سيحملون الشموع في واحدة من ساحات المدينة؟ أما كانت منظمات المجتمع المدني الوهابي ستستعين ببيانات منظمة «صحافيون ضد العنف ضد إسرائيل وأعوانها»؟
وموقف الحريري أحرج بعض حلفائه في التيّار لكونهم استبقوا سلفاً ظهوره باتخاذ موقف مُعارض للزواج المدني، وخصوصاً أنّ ليس هناك أحد في العالم قاطبة من هو أكثر سنيّة من سعد الحريري نفسه. وموقف الحريري الجبان والمُنافق من الزواج المدني موقف سياسي راهن، وغير مبدئي. ثمّ، إذا كان سعد موافقاً كما يزعم على حق الزواج المدني، فلماذا لا يرتضيه لنفسه أو لعائلته، ولماذا لا يتقدّم بمشروع لسنّ قانون له، كما قدّم مشروعاً للقانون الانتخابي؟ هنا مكمن النفاق السياسي. إذا كان هو موافقاً، فلماذا يرتضي لغيره ما لا يرتضيه لنفسه؟ أم أن موقع سعد الحريري _ كالرجل الأكثر سنيّة في العالم _ له مترتّبات ومسؤوليات جمّة؟ ولم يكن سهلاً على الحريري معارضة الزواج المدني (الذي قاد أبوه المعارضة الشرسة له في التاريخ اللبناني المُعاصر ووأد مشروع قانونه في مهده أو درجه) لأن المُفتي قبّاني _ الماهر في الألاعيب السياسية _ أحرجه قبل أيّام فقط من ظهوره التلفزيوني. فلو عارض الحريري مشروع الزواج المدني لكان ظهر أنه يرضخ لضغوط المُفتي أو يتودّد إلى رجال الدين كي يضمن غسله (بعد عمر مديد طبعاً) بالماء والصابون بعد موته. ولو وافق الحريري على الزواج المدني بالمطلق لكان ضمن معارضة قوية من الشارع المذهبي الذي يعاني غليان الدمّ كما تقول هتافات الجماهير الحريرية _ والتي وصفها ساطع نور الدين بـ«المدنيّة» (لكن للأمانة، اعتبر نور الدين حركة «أمل» أيضاً مدنية).
موقف سعد من الزواج المدني موقف تلفزيوني لأنّه لن يقرن بمشروع قانون من كتلته ولن يقرن بتصويت لمصلحته لو تقدّم غيره بمشروع قانون عنه. لكن المقابلة المذكورة (المحفوظة والمُدرّبة) حظيت بمعلومات جديدة عن دولة الحريري المدنية. زعيم تلك الدولة يجاهر بأن أحداً لا يبزّه في السنيّة، وفي هذا تكريس لمبدأ أساسي في الدولة المدنية. إن شعار الدولة «المدنية» ما هو إلا شعار كاذب اخترعته حركة الإخوان المسلمين وباقي الحركات الإسلامية التي تريد أن تتستّر على أهدافها الخبيثة بشعار لا معنى دستورياً أو قانونياً له. ثم ما هو النقيض الدستوري للدولة المدنية؟ إن شعار الدولة «المدنية» بات مقبولاً من بعض فروع «القاعدة» لأنّه يضمر إنشاء دولة الخلافة. إن بروز إمارات باب التبّانة وعرسال وعبرا دليل على انكشاف أكذوبة الدولة المدنية تلك.
والحريري استغلّ فرصة المقابلة ليعبّر عن كبير أسفه على «السيّاح» الإسرائيليّين في بلغاريا. الرجل الذي لم يعبّر يوماً عن حزن وأسى وغضب لضحايا العدوان الإسرائيلي المتوالي على لبنان وسوريا والسودان وفلسطين، عبّر عن شديد أسفه وبالغ لوعته على «الضحايا» الإسرائيليّين. كم ضاق ذرعاً سعد الحريري باستهداف الإسرائيليّين حول العالم. والتحالف الإسرائيلي بين 14 آذار اللبنانيّة والسوريّة لم يعد خافياً على أحد، خارج المكاتب الدعائيّة للحركتيْن (وتمويلهما واحد). فالسلفي الجهادي، خالد ضاهر، عبّر عن استنكاره قبل أيّام على «محطة أم.تي.في.» (صديقة العدوّ الإسرائيلي، وخصوصاً أن صاحبها جياد _ اسمه جهاد لكنه لا يريد أن يُربط اسمها خطأ بجهاد ينبذه في المنطقة العربيّة _ عبّر على الإنترنت عن استفظاعه لـ«جرائم» سمير القنطار وردّد بالحرف المزاعم الإسرائيليّة عنه بحذافيرها) للتهديد الذي يمثّله حزب الله لدولة إسرائيل، فيما قام عناصر من «الجيش السوري الحرّ»، بعد ساعات من قصف العدوّ الإسرائيلي لمواقع في ريف دمشق، بالتسلل إلى المنطقة والتقاط صور بالهواتف الخلويّة ورفعها على «يوتيوب» من أجل مدّ العدوّ بما يحتاج إليه من معلومات في «تقييم الأضرار» (إن تقويم الأضرار يحتاج إلى عملاء على الأرض، ويبدو أن عناصر من «الجيش السوري الحرّ _ الذي سمح بتسريب عناصر من الـ«موساد» إلى داخل سوريا حسب التقارير الصحافية الغربية _ تنطّحوا للقيام بالمهمّة لخدمة العدو).
لكن الحريري سيعود، كما سيعود عبد الحليم خدّام إلى سوريا لإكمال تحريرها. إن الزعامة الحريرية تحتاج إلى دفق من الزخم السلفي غير «المدني»، وغياب سعد زاد من الضغوط على الحركة. لكن الحركة ظريفة في دعايتها المُستقاة من دعاية آل سعود: فهي من ناحية تدعو إلى عدم التدخّل في الشأن السوري (باستثناء بطانيات الصوف وعلب الحليب التي تطوّع عقاب صقر لنقلها _ لا إلى النازحين بل إلى العصابات المُسلّحة، لأن سواعدهم تحتاج إلى الحليب والتدفئة غير المركزية). والعصابات السلفية المُسلّحة (اللبنانية والسورية لأن منبعها ومُلهمها واحد أو واحدان) تنتشر في أكثر من منطقة في لبنان، فيما تصرّ حركة المستقبل على إعلان سلميّتها ومدنيّتها.
انتهت ولاية سعد الحريري السياسية قبل أن تبدأ. المال السعودي وفير، غير أنه لا يستطيع أن يقتني ما هو ضروري من المواهب وعناصر القيادة. لكن هناك جيل جديد من الحريريّين الصغار، فلعلّ وعسى.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)