خيبة أستاذ جامعي
كم كنت أوَدُ، بصفتي أستاذاً متعاقداً مع كلية العلوم في الجامِعة اللبنانيَّة، أن أمضي وقتي في كتابةِ مقالةٍ تتمحور حول آخر الابتكارات العلميّة، كما دأبنا على فعله في بلاد الاغتراب، بدل أن أغوصَ في لغة الضاد لتبيان الهواجس التي تنتاب زملاء كثر صبْحَ مساء.
ولجْنا باب الجامعة الوطنيّة طلاباً فقاسيْنا المتاعب بسبب الحرب التي ألقتْ بثقلها علينا، نلنا وسام تخرُّجنا من جامعة الوطن فتاقتْ طموحاتُنا خلف حدود البحار. وضبْنا حقائب حبنا لوطننا وسافرْنا قاصدين جامعات الدنيا، نضع تألقنا في أروقة المختبرات العلميَّة العالميَّة، نُظهرُ إبداعاتِنا في بلادٍ تثق بالإنسان سبيلاً لخلاصها. ضقنا ذرعًا بأنفسنا وضاق العالم بنا. حملنا باكورة إنجازاتنا العلمية وتركْنا بلاد الاغتراب يخامرنا التفاؤل فالتحقنا بالجامعة اللبنانية التي نعتزّ بانتمائنا إليها ونحترم القيمين عليها ونفاخر بحمل لوائها لأنها جامعة لكل شرائح هذا البلد تجمع الفقير والغني من مختلف المشارب تحت قبّة التعايش المشترك.
سنوات طويلة مضت على تعاقدنا مع الجامعة الوطنيّة دفعنا خلالها ثمنَاً باهظأ وحُرمنا من أبسط حقوقنا حيث نتقاضى راتبنا كلّما دارت الأرض حول الشمس دورةً ونصف الدورة، ضماناتُنا الصحيّة في مهبّ النسيان، إستقرارنا الوظيفيّ على قارعة الهواء. وبعد ترقّب ومعاناة أضاء لنا بصيص الفرج عندما دأب المعنيّون بدءًا من رئاسة الجامعة وبالتنسيق التام مع وزير التربية طيلة السنة الماضية على دراسة ملف تفرّغ الأساتذة المتعاقدين، لكنّ الخيبة أطاحت بآمالنا حيث كنا ننتظر سنة تحمل بشرى تفرّغنا بعد الوعود المتتالية التي أتتْنا من كلِّ حدبٍ وصوب، فاستمرّ مسلسل تهميشنا وفاجأنا بحلقة من حلقاته المبكية، فبتنا ننام ونستيقظ وفي جعبتنا جملة تساؤلات: أليس من المعيب كأساتذة جامعيّين أن نُرمى على قارعة الإهمال واللامبالاة، وأن نُترك نتسكَّع على جادّة الطرقات نستجدي لقمة عيشنا وما من مُجيب؟ كيف لنا أن نعود إلى قاعاتِنا مُحبطين خائبين دون الحدّ الأدنى من مطالبنا المُحقّة وفي طليعتها التفرّغ الفوريّ كي نضمن كرامتنا وحقوقَنا؟ أبهذه السياسة نبني جامعة السبعين ألف طالب؟
يبقى لنا أن نوجّه صرخةً مُدوِّيةً لإنقاذ هذا الصرح الوطنيّ، ونسأل: كيف تبنون وطنًا دون أهل الخبرة والعلم ودون جامعةٍ تُثقِّفُ الفقراء؟
د. خالد كركي
أستاذ متعاقد في الجامعة اللبنانية