ليس الخطر الحقيقي على العراق أن تحتل «الدولة الاسلامية» شماله وغربه بشكلٍ دائم، فهذا لن يحصل، بل هو يكمن في التأثير البعيد المدى للأحداث التي ضربت العراق في السنوات الأخيرة والتي توّجها بروز «داعش»؛ وبعضها قد بدأت مفاعيله بالظهور، وربما يكون الوقت قد فات على تلافيها.مشاريع أقلمة العراق، التي كانت مرفوضة شعبياً وسياسياً من البصرة الى الموصل، عادت بقوة، وهناك احتمال جديّ في أن تسير النخب الحزبية الشيعية صوب «اقليم الوسط والجنوب»، في استقالة نهائية من تقديم أي رؤية وطنية للبلد الذي شاء سوء طالعه أن يقع حكمه بين أيدي مثل هذه الأحزاب وشخصياتها.
تقول التقارير إن قيادة «حزب الدعوة» تحضّر لطرح مشروع «الاقليم الشيعي» هذا، ولم يصدر نفي من الحزب الذي كان يخوض الانتخابات في السابق تحت شعار وحدة العراق ومحاربة الفدرلة؛ فيما ينشر موقع معروف لأنصار نائب الرئيس نوري المالكي مقالاً بعنوان يلخّص مضمونه: «اقليم الوسط والجنوب قادم رغم أنفكم يا قادة الشيعة الانبطاحيين» – في أوضح تعبيرٍ عن الانزياح في الموقف السياسي والشعبي تجاه ما كان يُعتبر، في عرف أكثر العراقيين، خيانة.
الخطر الأكبر هو ليس فقط في الأوهام والآمال الزائفة التي تقف خلف هذه المشاريع، كأن يتخيل أصحابها أنّ الفدرلة ستحلّ فعلاً مشاكلهم، وانّهم هكذا سـ «يرتاحون» من المحافظات المتفجرة ومن اخوتهم العراقيين، وسيتفرغون للتنمية والرفاه، بل هو أساساً في أنّ هذه الطروحات لا تقدّم نفسها كخطة ادارية أو اقتصادية، بل كتقسيم هوياتي محض يشبه المشروع القومي، ويحمل في طياته مفهوماً جديداً للعراق. فنكون قد عدنا – بعد كلّ هذه الدورة والضحايا – الى جو بايدن وخطته (وبعض الكتاب الموالين للمجلس الأعلى يذكروننا بالفعل بأنّ من خوّن عبد العزيز الحكيم، حين طرح مشروع الاقليم، قد عاد الى اعتماد شعاره).
منذ سنوات، يلوح تهديدٌ حقيقي بنشوء «انعزالية شيعية» في جنوب العراق، يسمح دستور الاحتلال لها بأن تأخذ كياناً قانونياً ومؤسسياً، فمحافظات الجنوب صارت محصورة بين ايران، التي يفصلها عن الجنوب موانع لغوية وثقافية وحضارية، والخليج الذي يعزل نفسه عن العراق، والشمال الذي صار مصدراً للتهديد والخطر، فتطغى ثقافة لونٍ واحد، شديدة الطائفية وشديدة المحلّويّة، ترى كلّ تاريخ العراق – قبل صدام وبعده – سلسلة متصلة من الظلم والاعتداء في حقّ «الشيعة»، من الدجيل الى «سبايكر» (ويمكن تخيّل نوع الثقافة والسياسة الذين سينتجان عن كيانٍ من هذا النوع).
من هنا تتبدى الحاجة الماسة الى اطارٍ قوميّ، يربط أهل المنطقة ببعضهم ويصل البصرة بالمتوسط، حتى لا تصير كلّ حارة أمّة (ومشروعا قوميا بمعنى جيشٍ واحد وجبهة واحدة وحدود مفتوحة، لا بمعنى «التقارب» الثقافي والسياحي). العراق ليس تفصيلاً، بل هو محور المنطقة، وان ضاع في غياهب التقسيم والطائفية، ضعنا جميعاً.
6 تعليق
التعليقات
-
وقبله !!! كان منذ أيام مؤتمروقبله !!! كان منذ أيام مؤتمر للنجيفي حول الإقليم السني وأنه لامانع في الدستور من هكذا أقلمة ..! هل تخلّفنا يأتي من فراغ ؟ أشك في ذلك والمؤتمر عقد والحضور والساسة شدوا الرحال إليه رغم تمنّع البعض والشعب في واد آخر وداعش في عقر الدار لتكون طريقة محاربة داعش هي في مزيد من التقسيم !! لا تحتج أمريكا كثير عناء لتعود من الباب العريض الواسع جدا حين افترضنا أنها خرجت من الشباك وإذ بها باقية ولم ترحل ، باقية في عقولنا وفي ممارساتنا وفي عقلياتنا التقسيمية ..خطر العراق في داخله قبل أن يكون أمريكيا ، الخطر في عقول ساسته وأبنائه تلذين يقبلون التقسيم وماأكثرهم والسبحة تكر فغدا ستكون سوريا وبعدها الله أعلم ، عفوا جميعنا يعلم فاليمن تنتظر دورها وليبيا إلى آخر الدول المتهالكة في وطننا " العربي"
-
اميركا ازاحت المالكي لتنفيذ الاقاليممعلومات الكاتب ضعيفة عن الحياة السياسية في العراق ومواقع الانترنيت وتصنيفاتهاالمشوشة لاتصلح مصدر للمواقف السياسيةوحزب الدعوة عمليا خزبين الان والواضح ان المالكي ومن معه مايزال ضد الاقاليم ولهذا تمت الانقلاب عليه امريكيا للاتيان بطرف يقبل بالاقاليم والوجود الاميركي الذي مايزال المشروع الاساسي لعائلة الحكيم
-
عين العراقعندماسئل شاعر العراق الجواهري، لماذا تقول: "العُراق" وليس "العِراق"؟ فأجاب: يعز علي كسر عين العِراق..!
-
"فئوي" لا "هوياتي"أتمنى على الكاتب الذي كثيرا ما أتفق مع طروحاته عدم السير وراء استعمال خاطئ لكلمة "الهوية" و "الهويات" (وهو استعمال بدأ مع ترجمات لكتب غربية وعززه عنوان كتاب "الهويات القاتلة") . هنا استعمل مصطلح "هوياتي" وعنى "الفئوي" أو "الطائفي". "الهوية" مصطلح محترم يجب علينا أن نعده رديفا لكلمة "ثقافة" فنتكلم مثلا عن "الهوية العربية"، وهي لا تتطابق مع مفهوم "الفئة" التجزيئي!
-
تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتيو ما ينفع اهل الجنوب الاقليم. لقد أثبتت الايام أن الطبقة السياسية العراقية غير قادرة على ادارة البلد، فما الضمان أن يستطيعوا ادارة اقليم؟ العلة في البشر وليست في الحدود. ان الفساد الذي يشيب له الولدان لم يتكشف بعد، فاذا اراد اهل الجنوب العيش بكرامة، عليهم بتغيير البشر لا الحدود. آفة العراق ان الكل يفتي بكل شيء، كما قال ذاك النائب "قومي رؤوس كلهم أرأيت مزرعة البصل"