تتكرر كلمة اطياف، بالتنكير والتعريف، بكثرة على ألسنة الاعلاميين والسياسيين وبعض العامة في المقروء والمسموع والمرئي من وسائل الاتصال والتواصل. وأذكر انني سمعتها لاول مرة، ومنذ سنوات، وأنا اشاهد التلفاز من لسان احدى السيدات النائبات في مجلس النواب اللبناني وهي تلقي كلمة في السياسة. وفهمت من سياق كلامها انها عنت في ما عنت بـ «الاطياف» القادة والسياسيين وأصحاب القرار والزعماء وهلم جرا من هذا القبيل. وكوني اعرف معنى الكلمة، لم اخف آنذاك استغرابي لوقوع السيدة في الخطأ وعدم صوابية استعمال هذه اللفظة في المعنى المقصود.
وبما انني باحث دائم ومتعلم دائم ما دامت الحياة وما دامت القدرة على التعلم، وبما ان ما من معرفة كاملة، رحت افتش عما فاتني من المعرفة. فوجدت ان «الطيف» من طاف يطيف طيفا الخيال، اي جاء في النوم. وهو المعنى الذي اجمعت عليه القواميس والمعاجم. الا ان بعضها اضاف معنيي الجنون والغضب. وفي الطبيعة والفيزياء: هو قوس قزح وألوانه. وقيل: طيف من الشيطان كقولهم: لمم من الشيطان، واذا مسّهم طيف من الشيطان، وطائف من الشيطان، وكلها في معنى واحد. ومن الكلمات ذات الصلة: الطياف، اي سواد الليل. ومن المعاني المضافة ايضا: الغراب.
وداعة كبار رحلوا
مؤخراً تجبّ من أغرقوا الوطن في وحول
التخلف

واذا جمعنا هذه المعاني في حقل مفهومي واحد وجدنا: الخيال والوهم والسراب والجنون والمسّ والمسمسة والتخبط والاختلاط والليل والسواد والعتمة والضياع والغراب والنعيق...
ولا حاجة الى الاضافة، فقد وضح المعنى واكتملت اللوحة وما انت امامها الا مبتسما، لا بل ضاحكاً ومستغرقاً في الضحك، كما كانت حالي عندما سمعت الكلمة.
واذا كان الضد يظهره الضد، كما جاء في قصيدة ابن نباتة المصري: «صدودك يا لمياء عني ولا البعد»، فانني ارى امامي حقلاً مفهومياً آخر ولوحة اخرى رسمها كبار تتالوا مؤخرا في الرحيل بالجسد عن الوطن، واذ بي اجد: الوداعة والأنس والصباح والنور والشمس وتغريدة الشحرور والضحكة والفرح والسعادة والعقل والمجد ان حكى والصوت الصارخ في الكلمة والتاريخ.
أولئك، عدا القليل منهم لأن في التعميم بعض إثم، جاؤوا منسلّين في الليل بالجنون والغضب فأنزلوا الوطن السواد والعتمة والضياع والمسس، ونعقوا فانحطّوا به وأغرقوه في وحول التخلف. وهؤلاء، أتوا في الفجر والشروق والضياء فرفعوا الوطن حتى صار «قطعة سما» بعبقريتهم وفنهم وموهبتهم. أولئك في الارض فانون منسيون، وهؤلاء في العلى أخيار خالدون.
فيا سيدتي الكريمة، لقد أصبت من حيث لا تدرين، ورب خطأ أصاب.