كلّما تعرّضت سوق النفط الى هزّة، يميل العديد من المراقبين الى تفسير تحرّكات السوق عبر عوامل سياسية، وهي نزعة تعزّزها عدّة أسباب.أوّلاً، لأنّ صناعة النفط، منذ بداياتها، هي بالفعل سياسية بامتياز، ولا يمكن كتابة تاريخ الشركات النفطية الكبرى في القرن العشرين بمعزلٍ عن سياسات حكوماتها والتنسيق المستمر بين الدول الكبرى لتشكيل وتأمين السوق العالمية للنفط. كما يقول الباحث تيموثي ميتشل، فإن النفط كان السلعة التي سمحت ببناء اقتصادات صناعية بالمعنى الذي نعرفه اليوم، لا تعتمد على الموارد الطبيعية المتوافرة محلياً، ويمكن تغذية نموّها باستمرار عبر طاقة سائلة وفيرة قابلة للاستيراد. فظهر نمط انتاج يقوم على الطاقة الهايدروكاربونية، قابل للاستنساخ في أي مكان، بعد أن كان النشاط الاقتصادي – لقرونٍ – يرتبط بشكلٍ وثيق بالجغرافيا وصُدف الطبيعة (توافر الغابات في بلدك، مثلاً، كان شرطاً أساسياً لبناء قوة بحرية، وصناعة الصلب لا يمكن أن تقوم في بلدانٍ لا تحوي احتياطات فحم).

من جهةٍ أخرى، فإنّ السوق النفطية تحكمها عوامل معقّدة ومترابطة، ما يصعّب الى حدّ بعيد التنبؤ بمسارها. منذ الخمسينيات وظهور «البورصة النفطية» على المستوى العالمي، تمّ نشر العشرات من النماذج الحسابية والاقتصادية التي تحاول شرح البنية السعرية للنفط والتنبؤ بتطوّر أسعاره، وكانت كلّها على خطأ. من شبه المستحيل حصر العوامل المتشابكة التي تؤثر على سعر البرميل على المدى البعيد، فأي تغيّر في معدلات النمو أو الاستهلاك أو في تكنولوجيا الاستخراج، مثلاً، كفيلٌ بتغيير بنية السوق بشكلٍ جذري. حالة اللايقين هذه تعزّز ايضاً الميل لإسباغ تفسيرات «تآمرية» وسياسية على أي انقلاب مفاجىء في الأسعار – كما يحصل حالياً.
من هنا، يوجد بعض المبالغة في السرديات التي تعزو انهيار أسعار النفط اليوم الى مخطط سياسي يستهدف روسيا وايران، واتفاقٌ جرى في غرفةٍ مغلقة بين اميركا والسعودية. بل أن استنكاف دول الـ «أوبك» عن خفض انتاجها في وجه فائض العرض له ايضاً تبريرات عقلانية، اذ ليس في مصلحتها أن تخسر عائداتها حتّى تؤمن جواً مثالياً لصناعة النفط الصخري، فيزدهر ويتوسّع ويحتل مكانها في السوق.
السياسة والتآمر موجودان بقوّة في عالم الطاقة، ولكن ليس بالشكل التبسيطي والميكانيكي الذي تصوّره بعض التقارير، وهما يعملان على مستوىً أبعد وأعمق من قرارٍ آني حول الانتاج، مثلاً: لماذا تنتج السعودية ودول الخليج هذه الكميات الكبيرة أساساً؟ وهل تحتاج ماليات واقتصاديات دولٍ كالامارات وقطر والكويت الى تصدير ملايين البراميل يومياً؟ وهل هو استعمال حكيم للثروة الوطنية؟ أي - بمعنى آخر - هل تمّ تصميم صناعة الانتاج في هذه الدول بحسب مصالحها وخططها الوطنية، أم بحسب حاجات السوق العالمية والدول الكبرى؟ من هنا تبدأ الاسئلة حول «النفط والسياسة».