استنكار توقيف سجى الدليمي‘ زوجة الخليفة المزعوم بصفتها إمرأة، استنكار في غير محلّه، ما دامت هي ذاتها وليدة ثقافة جمعية ترى أنّ المرأة موضوع حربي بامتياز، ووسيلة من وسائل الضغط على الآخر، المختلف، العدو. فلطالما كانت المرأة، بصفتها الأنثوية، وسيلة من وسائل الإذلال في التشريع العربي ــــ الإسلامي.
فهي سبية حال وقوعها في الأسر، والسبي يُجيز لمن أسرها أن يمتلكها مع ما يترتب على ذلك من مفاعيل الإمتلاك، بما فيه الإحتفاظ بها كأمة، أو جارية، أو بيعها أو إهدائها أو حتى منحها حريتها. ولا فرق في ذلك بين العازب والمتزوجة، فالوقوع في الأسر يفسخ حكماً عقد الزواج. وهذا تشريع إسلامي لا جدال فيه بين مختلف المذاهب الإسلامية باعتباره نصاً قرآنياً وسنّة نبوية. فلا خلاف من الناحية الشرعية في أنّ استخدام النساء كموضوع حربيّ هو أكثر من جائز، وكذلك الأطفال الذين يلحقون بأمهاتهم، وفي ذلك أحكام فقهية تتباين بين مدرسة وأخرى. لكنّ ما هو غير جائز شرعاً، وهو بيت القصيد، أنّ أحكام السبيّ تختّص بالآخر: الكافر، المشرك، الزنديق، الكتابي الذي يرفض الخضوع للجزيّة، وهذا ما لا ينطبق على سجى الدليمي المسلمة الحرّة زوجة خليفة الله ورسوله. فالتشريع لا يجيز طبعا سبيّ المسلمة وأسرها وما يستتبع ذلك من امتلاك وبيع وإهداء. فلا مشكلة شرعية في بيع أيزيديات سنجار أو نصرانيات الموصل طالما هو تفصيل فقهي أقرّته المذاهب الإسلامية وأسهبت في تفصيله.
إنّه منطق الإستعلاء الذي جعل من اليهود شعب الله المختار، ومن الآريين العرق الأكثر تفوّقاً وارتقاء، ومن المتأسلمين خير أمة أُخرجت للناس. وهو ما يبرّر حملة الإستنكار لاعتقال إحدى الإرهابيات، سليلة عائلة إرهابية وزوجة أخطر إرهابي على وجه الكرة الأرضية تحت مسمّى هتك حرمة. بينما يجيز هذا المنطق ذاته «حيونة» الآخر المختلف ووصمه بأبشع النعوت ابتداء بالحمار ووصولا إلى القرد والخنزير. وهو منطق شكّل وما يزال في العقلية الإستعلائية نهجا وممارسة فوقية ما دام من يعمل بها ينسبها لنص إلهي وسنّة لا يطالهما الشك. وهذا ما ينبغي اختراقه، وبوقاحة، إن استلزم الأمر. لأنّ هذه الكائنات السفلية بعقولها المتحجرة والتي تعود لزمن الزواحف، يجب أن تنصاع لقواعد المدنية وشرعة حقوق الإنسان وللقانون الجنائي. أمّا ما يعتقدونه هم، وما يجترّونه من تشريعات علماء الفقه، فيعنيهم هم وحدهم، ولا يُلزم من لا يشاركهم العقيدة وتفاسيرها المتعددة. فللمدنية طريق واحد، وهي شرعة حقوق الإنسان. وعلى من لا يعترف بها لغيره، أن لا يستنجد ببنودها ويرفع لواءها حين يحتاجها. فلا يُمكن لمن يعمل جاهدا أن يستعيد تفاصيل شعاب مكة وأساليب عيشها التي كانت سائدة منذ 1400 سنة أن يطرق فجأة أبواب جنيف، فهذا مضحك.
سجى الدليمي مجرّد متهمة جنائية وهي موقوفة حتى تثبت إدانتها، ولا داعي لإثارة كلّ هذا الغبار، واستدعاء الآلهة والملائكة وترداد حكاية الحرائر من أبواق ما فتئت ليل نهار تدعو لشريعة السبي والنهب والمغانم. هنا عالم آخر يا سادة، فابحثوا عن طريق أقصر تحملكم إلى مضارب بكر أو تغلب. فليس منّا من يصدّق هذا السخف الذي جعل من هذا المكان بؤرة وباء تستلزم عقودا لتنظيفها وشطفها حرفيا من كل هذا الوخم الجنونيّ المتراكم.
أبواب التاريخ الصدئة والتي أخرجت غيلانا وزواحف وعناكب آن لها أن تُغلق. فاخرجوا من حاضرنا، واحملوا معكم كلّ بذاءتكم التاريخية، فالمدنيّة لن توقفها هلوسات لِحاكُم.