بالنسبة الى العديد من العرب والمسلمين، قد تكون القدس في المخيال هي عبارةٌ عن قبّة ومسجد وأرض مقدّسة؛ ولكنها ايضاً، وقبل كلّ شيء آخر، شعبٌ عربي يعيش في مدينته باصرار، وما زال يشكّل، برغم كل سياسات الاحتلال، ما يقارب الأربعين في المئة من مجموع سكّان القدس، هم – فعلياً - الخنجر الأمضى في عنق الاستيطان.
يذكّر مقالٌ أخير للباحث ناثان ثرال بأوضاع المقدسيين الذين، بمجرّد وجودهم ومتابعتهم لحياتهم، يقهرون حلم اسرائيل بدولةٍ صافية لليهود مع عاصمة مسروقة. فلسطينيو القدس كان يحقّ لهم التقدّم للجنسية الاسرائيلية منتذ احتلال المدينة، ولكنّ 95 في المئة منهم قد رفضوا الحصول على هوية دولة الاحتلال؛ ويحقّ لهم ايضاً التصويت في الانتخابات البلدية، ولكن 99 في المئة منهم يقاطعونها، حرصاً على عدم منح أي شرعية للنظام الاسرائيلي.
منذ سقطت المدينة في يد الصهاينة، ازدادت مساحتها البلدية عدة أضعاف ضمن مشروع تحويلها الى عاصمة، وبنت السلطات الاستيطانية فيها احياءً جديدة ومشاريع سكنية ضخمة. ولكن لم تتم اضافة حيّ عربي واحد، بل سعت السلطات الاسرائيلية الى احاطة المناطق العربية بأحياء يهوديّة، ثمّ أكملت مشروعها لحصار فلسطينيي القدس عبر جدار الفصل، الذي عزلهم عن اخوتهم الفلسطينيين في الضفة، وبتر علاقات تاريخية عمرها قرون تصل القدس برام الله وبيت لحم وغيرها من مدن الضفة الغربية.
بينما تمضي اسرائيل صوب تحديد المواطنة فيها وفق مفهومٍ عنصريّ، اثني، للهوية؛ يُقصي غير اليهود ويجعلهم «أقليات» (وإن كان عددهم في أرض فلسطين التاريخية يفوق عدد اليهود)، يصير همّ المؤسسة الصهيونية منصبّاً على عرب الداخل، والتحكّم بهم، والسيطرة عليهم، وصولاً الى دفعهم خارج البلاد وتهجيرهم حين تحين الفرصة. فلسطينيو القدس يقاومون بوسائلهم، ومن دون انتظار جيشٍ «فاتح» يحرّرهم: يتمسكون بأرضهم ويبنون عليها (بالقانون وخارجه)، ويحافظون على عروبة القدس التاريخية. ثلث مليون فلسطيني يعيشون تحت الاضطهاد، تراقبهم على مدار الساعة المناطيد الاسرائيلية من الجو، لأنّ الأمن الاسرائيلي، وحتى الموظفين المدنيين، لا يجرؤون على الدخول الى احيائهم.