في حزيران من عام 1974، ذهب الأمير فهد بن عبد العزيز على رأس وفدٍ سعودي ضخم الى واشنطن، حيث تمّ توقيع سلسلة اتفاقيات كانت على الأرجح أهمّ مفصلٍ في التاريخ السعودي الحديث – وهي جعلت السعودية، بالمعنى السياسي والاقتصادي، محميّة اميركية.من الغريب انّه، في الزمن الذي صار تحطيم الرموز فيه هواية، خاصة اذا كانت رموزاً دعت للاستقلال والتشاركية والوحدة، ما زال الخطاب العربي يجترّ كليشيهات عن «سلاح النفط»، وكيف أركعنا الغرب عام 1973، وعن «عروبة» الملك فيصل؛ مع أن التاريخ يروي قصّة مختلفة تماماً.

الحظر النفطي وارتفاع سعر الطاقة جعلا ادارة نيكسون تعي أن اميركا قد صارت بلداً مستورداً للنفط، وأن حاجتها للاستيراد ستزداد مع الزمن. في الوقت ذاته كانت السعودية تثبت انّها، لا ايران، ستصبح المنتج الأكبر في «اوبك»، وهي تبدي – عكس ما تنبأ الأميركيون في السابق – ثباتاً واستقراراً سياسياً، فيما الشاه يترنّح تحت وطأة الاحتجاجات والأزمة المالية. السعودية كانت ايضاً أكثر تقبّلاً من طهران للاملاءات الاميركية، من موضوع السياسة النفطية الى الاقتصاد؛ فبحسب المؤرخ أندرو سكوت كوبر، كان عقد معاهدة استراتيجية بين اميركا والسعودية هو الهدف الأثير للملك فيصل، وكان مستعداً لتقديم أي شيء في سبيله.
الاتفاق كان يقضي، باختصار، بأن تضمن اميركا حماية النظام السعودي من الأعداء الخارجيين والداخليين، وأن تبيعه أسلحة متقدمة، وتجعله حليفاً عسكرياً وجزءاً من المنظومة الأميركية. في المقابل، تتعهد السعودية برفع انتاج النفط وكسر سياسة «اوبك»، واستعمال عائداتها لشراء الأسلحة والسلع الأميركية. بحسب الباحث توماس ليبمان، كان الهمّ الأساس لوزير الخزانة الأميركي آنذاك، بيل سايمون، يتمثّل في أن يعود أكبر قدرٍ ممكن من المال الذي تصرفه اميركا لاستيراد النفط اليها، على صورة صفقات سلاح وتبادل تجاري وعقود للشركات.
تمّ إنشاء عدّة مؤسسات و»لجان مشتركة» لإدارة هذه الملفات، وانتقل الى السعودية في السنوات التالية آلاف الخبراء والمتعاقدين الاميركيين، هم فعلياً من صمّم أغلب مؤسسات البلد، من الأجهزة الاحصائية الى الجيش والأمن.
ليس غريبا أن تواريخ تأسيسية، كالعام 1974، ما زالت خارجة عن التداول، والجمهور العربي يتعرّف، اليوم، على تفاصيل اتفاقات الحماية التي عقدتها امارات الخليج مع بريطانيا منذ قرن من الزمن. المفارقة هي أنه، بينما كان الاعلام العربي يخبرنا عن المعارك التي يخوضها فيصل مع اميركا لأجل فلسطين، كان «الأمير فهد» يقيم حفلاً ضخماً في السفارة في واشنطن لـ 1400 مدعو، يتقدمهم هنري كيسنجر، وكانوا يرفعون أنخاب العهد الجديد.