ألان غريش *
«حرب عالمية على الإرهاب»، هذه هي كلمة السرّ في المجتمع الدولي. منذ ثلاث عشرة سنة، لم تجلب هذه الحرب إلا المزيد من العنف والفوضى إلى المنطقة. اليوم، تضمّ الحملة على الإرهاب كلّ دول العالم تقريباً، من الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية، ومن فرنسا إلى الصين، ومن روسيا إلى مصر، ومن قطر إلى المغرب، ولكن المشكلة الوحيدة أن الأطراف المشاركة في الحملة لا تتفق في ما بينها على أهداف هذه الحرب، كما لا تتفق على توصيف موحّد لـ«الإرهاب».

لقد سبق أن كتبت عن ذلك مرّات عدّة منذ أن أطلقت هذه المدوّنة عام 2006، حيث قلت إن الإرهاب مبدأ فارغ من أي معنى (مراجعة: الحرب على الإرهاب: النسخة الثالثة- لو موند ديبلوماتيك، تشرين الأول 2014).
لقد وردنا في الأيام الماضية تأكيدان، الأول من كردستان- سوريا، حيث أكدت الولايات المتحدة أنها تنسّق القصف في كوباني مع المقاتلين على الأرض، الذين يواجهون تقدم «الدولة الإسلامية». وذكرت إذاعة فرنسا الدولية في 17 تشرين الأول في مقال «الأميركيون يقابلون الأكراد ويلاطفون أنقرة»، أن «المتحدثة باسم وزارة الخارجية أعلنت أن الأميركيين عقدوا أول لقاء مباشر في باريس مع الأكراد السوريين الذين يمثّلون حزب الوحدة الديمقراطي الكردي، الذي له ميليشيات تقاتل الدولة الإسلامية على الأرض، ولكن المشكلة تكمن في أن هذا الحزب تقارب في ظلّ الأحداث الراهنة من حزب العمال الكردستاني، عدوّ تركيا اللدود».
اليوم تضمّ الحملة على
الإرهاب كلّ دول العالم تقريباً

ولكن ما لم يأت المقال على ذكره أن حزب الاتحاد الديمقراطي، مثل حزب العمال الكردستاني، مصنّف على لائحة الإرهاب من قبل كلّ من بروكسيل وواشنطن، ما يعني أن الغرب ينسّق عسكرياً مع منظمّات إرهابية.
أمّا النظام التركي، الذي غيّر في الأسابيع الماضية سياسته تجاه الأكراد، فكان هو الآخر قد أطلق مفاوضات مع «الإرهابيين» في حزب العمّال الكردستاني قبل سنتين.
ومن الأمثلة الأخرى، وبعيداً عن المنطقة التي تهمّنا، بتنا نسمع في الأشهر الأخيرة دعوات للقضاء على مجموعة بوكو حرام في نيجيريا، على الأخص بعدما أقدمت المجموعة على اختطاف عشرات الفتيات، وارتكبت مجازر بحق القرويين.
غير أن إذاعة فرنسا الدولية أعلنت في 18 تشرين الأول وقف إطلاق نار بين السلطات النيجيرية وبوكو حرام، تحت رعاية التشاد.
وجاء في الخبر أن «الطرفين اتفقا على مبدأ التسوية من خلال الحوار والقيام بمبادرات نيّة حسنة». وأضاف المقال أنه بحسب المسؤولين في تشاد «فإن الإفراج مؤخراً عن رهائن صينيين وكاميرونيين والإعلان عن وقف لإطلاق النار جاء في إطار الاتفاق». وبحسب الطرف التشادي، فإن المحادثات التمهيدية «تطرقت أيضاً إلى الإفراج عن الفتيات اللواتي اختطفن في شيبوك مقابل الإفراج عن بعض عناصر بوكو حرام المعتقلين في السجون النيجيرية، ولكن لا يزال يجب الاتفاق على طريقة القيام بعملية الإفراج».
إذاًً، يبدو أن إجراء محادثات مع جماعات مثل هذه، سبق أن نعتها الإعلام الغربي بأشنع الأوصاف، أمر ممكن. بالطبع، لا أحد يعرف ما إذا كان هذا الحوار سيؤدي إلى نتيجة، ولكن الحكومة قررت أنها تريد أن تنتهج هذا المسار (مراجعة جاك ديريدا «ما هو الإرهاب؟» لو موند ديبلوماتيك، شباط 2004).
في الواقع، يكمن خطر مصطلح «الإرهاب» في «أبعاده المتغيرة»، ما يحول دون أي تفكير سياسي واستراتجية فعّالة. في حوار فلسفي مع يورغان هابيرماس حول «مبدأ» 11 أيلول، يسأل جاك داريدا في «لوند موند ديلوماتيك»، قبل بضعة أشهر من وفاته عام 2004 «عمَ يختلف الإرهاب المنظَّم، الهائج، المُتخذ أدوات، عن هذا «الخوف» الذي يَعدُّه موروثا بأكمله، من هوبز إلى شميت، بل حتى بنيامين على انه شرط سلطة القانون وممارسة السلطة لسيادتها، على انه شرط السياسة نفسها وشرط الدولة؟».
(ترجمة هنادي مزبودي)

* رئيس التحرير المساعد
في «لو موند ديبلوماتيك» (فرنسا)