«ما تخافي يا ريما خالك هوي اللي اخترع راجح». رحم الله الرحابنة ونصري شمس الدين، فراجح الذي اخترعوه ليختبئوا وراءه : « اهلا يا راجح الكذبة ياللي خلفا راح نتخبى» لم يكن هذه المرة كذبة شبه بريئة، ولا غولا افتراضيا، بل حقيقة واقعة حجمها بما يكفي لتختبئ وراءه مبررات عودة الاميركي الى المنطقة منقذا مقبولا، بعدما خرج منها محتلا مرفوضا.
اما الناس، الناس اللي كان «بدهم حكاية، خالك اخترعلن حكاية»، فهم فعلا كانوا بحاجة الى حكاية تفجر كبتهم ومظالمهم وفقرهم وجهلهم، وكل ما اختزنوه من بارود على الصعيد الفردي والجمعي القومي.
والان الى اين مع داعش، ومع التحالف الدولي؟
ثمة مآلان، الاول يقود اليه استشراف تجربة مشابهة مع الولايات المتحدة. والثاني يتناقض مع الاول بسبب اختلاف بعض المعطيات ويؤشر الى تجربة ثانية.
الاول من افغانستان: لقد خلقت الولايات المتحدة طالبان لمحاربة الاتحاد السوفياتي، كي لا تسمح له بالهيمنة على «سقف العالم»، بكونه سقف اسيا المقبلة بقوة. وعندما انتهت الكتلة الاشتراكية، تركت طالبان ترتكب اغرب الممارسات واكثرها همجية، بجهل ذاتي مقترن ربما باختراقات موجهة.
لا يحتاج الأمر الى
القضاء على داعش واجتثاثها، بل الى مجرد تحجيمها كما يقول الأميركي
ولم يكن على الاعلام الغربي الا ان يسوق بكل ما يتقنه من فنون للصور الهمجية التي تقترف في افغانستان (وتشبه ما يحصل الان في داعش من تدمير الاثار والاضرحة والممارسات ضد النساء والموسيقى الى اخره) الى ان جاءت تفجيرات 11 سبتمبر أيلول، فاكملت الجو المطلوب للتدخل العسكري الاميركي المباشر بقبول دولي. تدخل لم يطل فقط افغانستان، بل العراق ايضا. وفيه استقرت واشنطن على عرش النظام العالمي الجديد.
المحللون كانوا ينتظرون هذه المرة شيئا يشبه 11 سبتمبر، ولكن يبدو ان الامور كانت ناضجة ومنهكة، وكان التهديد قريبا ومحققا، بحيث لم تحتج الى اكثر من ذبح الصحافي الاميركي فولي وبعض الأكسسوارات الاعلامية المرعبة.
لمصلحة من سارت كل مجريات عمل داعش وغيرها من التنظيمات التي لا تختلف عنها بشيء؟ ولماذا الرقة ودير الزور والموصل وسد الفرات، والتوجه نحو كركوك وبيجي؟ ولماذا امتدت المعركة لتستهدف لبنان، ومن البقاع تحديدا، لا من طرابلس، حيث تبدو المهمة اسهل؟
فرض اوباما شروطه على الحكومة العراقية الجديدة. عقد مؤتمر جدة وانضم اليه حتى وزير خارجية لبنان. استبعدت روسيا وايران والصين وحلفاؤهما الاصغر. باختصار، هكذا تحقق داعش لاوباما استدراك ما كادت واشنطن تخسره على المستوى الاستراتيجي الدولي، ما لم يستطعه حتى الان في سوريا، وما اضطر للتراجع عنه في العراق، الذي خرج من الفصل السابع ليعود فيدخله محفوفا بالعرب. ولا يقولن قائل ان قطر تدعم النصرة ضد داعش (فكان واخواتها تتماثل في الرفع والنصب) والقواعد الاميركية هي هي على الارض، وفي العقول لدى كل الداعمين.
على المقلب الاخر من الخريطة، طلبت الادارة الاميركية من الجزائر منحها قاعدتين جويتين استراتيجيتين لمحاربة الارهاب الآتي من ليبيا، وهناك معلومات عن طلبات موجهة إلى الجيش المصري بالتدخل على الحدود الليبية، وهذا ما بحثه السيسي مع بوتفليقة لدى زيارته الاخيرة للجزائر. فماذا سيطلب من لبنان غدا؟ ومن العراق؟ ومن سوريا؟ ومن اليمن، حيث سجل الحوثيون ضربة ناجحة في حساب ايران؟ هل هناك افضل من هذا السيف الذي تُصلته واشنطن والموساد على رؤوس العرب؟ وفي وجه ايران؟ وحتى روسيا، بحيث تكسر كل ما انجزته الاخيرة ومعسكرها على صعيد العودة الى التعددية القطبية والتوازن الدوليين، فيما كان واضحا من تركيز كيري على عبارة: بقيادة الولايات المتحدة وتاكيدا لزعامتها؟
وهل اسوا من المعادلة المطروحة: إما هذا، والّا فالارهاب والذبح؟
لا يحتاج الامر الى القضاء على داعش واجتثاثها، بل الى مجرد تحجيمها – كما يقول الاميركي. فما معنى التحجيم؟ ان تبقى قائمة ربما في مناطق نفوذها الحالي دون ان تكون دولة، على نحو يؤمن استمرار الفوضى، بل وتناميها أيضاً وخلق تعاطف شعبي على كامل الارض العربية مع داعش المعتدى عليها اميركيا، على مدى سنوات كافية لتحقيق اهداف ستراتيجية: النفط والماء. عصب المعركة وهدفها الاقتصادي! حماية اسرائيل، وكسب الجولة التفاوضية مع ايران لمصلحة الولايات المتحدة واسرائيل، واستكمال المواجهة مع المحور المنتهي في روسيا، وصولا الى منع قيام اي محور يهدد زعامة واشنطن.