من يقرأ بشكلٍ علمي وموضوعي، ما آلت إليه ظروف مجتمعاتنا وأوضاع العديد من الدول العربيّة والإسلاميّة، لناحية انتشار التكفير الإجرامي والعنف الداعشي، يُدرك أنّ العامل الفكري والايديولوجي هو السبب الأساسي لما تعاني منه تلك المجتمعات والدول. يُمكن تلخيص هذا العامل بالسلفية الوهابيّة وثقافتها.
يبدو واضحاً أن السلفية الوهابيّة ما كانت لتنتشر في كثير من الدول العربيّة والغربيّة، لولا احتضان النظام السعودي لها وتقديمه الدعم المادي والإعلامي والسياسي. استطاعت أن تستقطب الكثير من الأتباع، لتتحول إلى حركة عالميّة، مرجعيتها الوهابية السعودية. ولم يكن خافياً على أحد طبيعة تلك المعتقدات التي تتبناها السلفية الوهابيّة، فهي تختزن في طياتها أسوأ أنواع الشوفينية الدينية وتكفير الآخر وإلغائه وتدعو صراحة إلى انتهاج العنف والاستعداد الفكري لممارسة الاضطهاد والقمع والاجرام وانتهاك حقوق الإنسان والمرأة والأقليات الدينيّة والمذهبيّة وانعدام الحرية بجميع أشكالها وتعابيرها. معلوم أيضاً أنّ دعم النظام السعودي للسلفية الوهابيّة ومساعدته لها في نشر دعوتها والتبشير بمعتقداتها، هو بمثابة ترويج للمعتقدات التي تحملها هذه الدعوة وبمثابة تحريض على الإرهاب ودعوة إلى التكفير وحضٍ على ممارسة العنف ونشرٍ لثقافة الكراهيّة وإثارة للتفرقة والعنصرية وتشجيع على ارتكاب القتل والاجرام.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يجعل النظام السعودي يتماشى مع الدعوة الوهابية؟ هل هو مجرد تبادل مصالح بينهما، فتُقدّم الوهابية للنظام فروض الطاعة والشرعيّة الدينية مُقابل تقديم كلّ أنواع الدعم المادي والمؤسساتي لها واحتضانها داخل تركيبة النظام، بما يتيح لها فرض سلطتها الدينيّة في الداخل السعودي والدعوة لمعتقداتها في الخارج؟ أم أنّ الأمر يتجاوز معادلة تبادل المصالح إلى ما هو أبعد منها؟
إنّ من يتمعّن في طبيعة العلاقة بين الوهابية وآل سعود، يُدرك أنّ العلاقة بينهما هي أبعد من تبادل مصالح وهي تتجاوز البُعد المصلحي إلى ذاك الايديولوجي والثقافي. يمكن القول: كما وظيفة الوهابية السياسيّة هي سعودية، فإنّ النظام السعودي هو وهابي في معتقده السياسي ومؤثراته الفكرية والثقافية. وهذا يعني أنّ عقل النظام السعودي هو عقلٌ وهابي في ايديولوجيته السياسية وثقافته وفهمه للآخر والأشياء من حوله وكيفية التعامل معها. إضافة إلى نظرته إلى مختلف الأمور. وإذا كانت الداعشية هي التعبير العنفي والحركي للسلفيّة الوهابية، عندها سنُدرك أنّ العقل السياسي للنظام السعودي هو عقل داعشيّ بامتياز. وإنّ ثقافته السياسية، هي ثقافة داعشيّة في العمق. أما الفارق بينهما، فهو أنّ النظام السعودي يُمارس داعشيته كنظامٍ قائم، يحمل غطاءً أميركيّاً وغربيّاً تُفصّله المصالح الاقتصاديّة ودور النفط. في حين أنّ «داعش» تمارس داعشيتها كحركة إرهابيّة، لا تجد داعياً لتبرير أو تلطيف ممارساتها الداعشيّة كما يفعل النظام، الذي يستثمر جميع إمكانياته لستر داعشيته، أو تجميلها وتلميع صورتها وإعطائها مشروعيّة الدولة.
المُشابهة بين الداعشيّة والنظام السعودي تقتضي بيان حقيقتها، حيث ينبغي القول إنّ الداعشيّة هي بالدرجة الأولى ثقافةٌ وقيم سلوكيّة تقوم على الأحادية فترتكز إلى الإلغائيّة وليس التنوع. تمارس التسلط وتنتهج العنف وتلغي جميع معاني الإنسانيّة وتختزن عنصريّة مفرطة تجاه الآخر، أي آخر. هدفها السلطة والتوسع فيها وليس البناء والتنمية. تجنح إلى الاستئثار بكلّ شيء وتحتكر المال والثروات وحتّى البشر. تنزع إلى القمع والاضطهاد، لا مكان لديها لأيّ معنى من معاني الحريّة. كلّ ما تحت يديها ملك لها، أو خادم لسلطانها ودوام تسلّطها.
هذه هي الداعشيّة التي خرجت من رحم السلفيّة الوهابية. ماذا عن النظام السعودي، هل تتوفر فيه هذه المواصفات أم لا؟
بداية، لا بدّ من القول إنّ قصة النظام السعودي هي قصة عائلة تسلّطت على الحكم بقوة السيف وفعل التغلّب حتى سادت على تلك البلاد. ونتيجة لتعاونها مع الاستعمار الإنكليزي ثمّ الأميركي وامتلاكها للذهب الأسود (النفط)، فقد استطاعت أن تبني لنفسها نظاماً يقوم على استغلال الدين وتوظيف المال ولعب دور أداة المشروع الأميركي، ما ساعد في استمرار تسلّطها.
هل تتوافر في النظام السعودي تلك الجينات الداعشيّة أم لا؟

هل تتوفّر في النظام السّعودي تلك الجينات الدّاعشيّة أم لا؟ لا بدّ من طرح الأسئلة التالية كتمهيد للجواب المفترض.
هل وصلت عائلة سعود إلى السلطة بفعل الانتخابات؟ هل تستمر في السلطة نتيجة رضا الشعب؟ أي شرعيّة دينيّة أو دنيويّة لاستئثار عائلة واحدة بالسلطة ولعقود من الزمن؟ أي أدلة دينية أو أي نظريّة سياسيّة، تُبرر أن تكون السلطة لمن ينتمي حصراً إلى آل سعود؟ هل يوجد برلمان مُنتخب لديه صلاحيّات واسعة، تنبثق عنه باقي السلطات؟ هل يوجد تعدديّة سياسيّة، ثقافيّة، إعلاميّة؟ هل يوجد أحزاب متنوعة في السعوديّة؟ هل من هامش لحريّة فكريّة أو سياسيّة أو دينيّة، أو طائفيّة؟ ماذا عن حقوق الإنسان في المملكة والحقّ في المعتقد وإبداء الرأي والتّعبير وحقوق الأقليّات والمرأة، هل هناك هامش كاف لها؟ هل من دور للشعب في اختيار حكامه؟ ألا يحق لشعوب الجزيرة العربيّة أن تقرّر مصيرها أم أنّ وجودهت يقتصر على تقديم فروض الطاعة؟ أين تذهب ثروات البلاد؟ ما مصير من يُخالف المؤسسة الدينيّة أو السياسيّة وتوجهات النّظام والعائلة؟
نظام آل سعود هو نظام أحاديّة العائلة التي لا يهدف مشروعها سوى إلى فرض سلطتها. لا دور للشعب، هو فقط للعائلة التي تحكم بعقليّة زعيم القبيلة الذي يملك كلّ شيء ويحقّ له حصراً اتّخاذ القرارات.
نظام آل سعود هو نظام القمع، فلا حرية ولا احترام للإنسان وحقوقه. فهو يعتقد أنّ استمراره محكوم أيضاً بالتغلّب والقوّة، لذلك يمارس على شعوب الجزيرة العربية الهيمنة والارهاب، لإرغامهم على الخضوع، حتى لا يفكروا في يوم من الأيام باستعادة كرامتهم وحقوقهم ودورهم.
نظام آل سعود يُمارس العنف بالواسطة (عبر الحركات التكفيريّة) وبالمباشر من خلال عدوانه على اليمن والبحرين. هو نظام يغرق بملفات فساد مالي وإداري وأخلاقي وسياسي.
أليست هذه المواصفات مواصفات داعشيّة؟ داعشيّة النظام السعودي هي أسوأ من «داعش»، لثلاثة أسباب:
أولاً: يحتضن المدرسة الوهابيّة التي خرّجت معظم حركات التكفير والإرهاب والإجرام، كالقاعدة و«داعش».
ثانياً: داعشيّة النظام تملك الكثير من الإمكانيّات الماديّة وغير الماديّة ولديها غطاء أميركيّاً.
ثالثاً: داعشيّة النظام السعودي هي داعشيّة مقنّعة تتستّر بالدّين وتتصرف باسم القانون، حمايةً لولاة الأمر.