للذبح شروط، على أن يكون للحيوان أظلاف، فهي من شرائط الذبح. فكيف السبيل إلى إقناعهم بأننا كائنات لبونة غير أننا بالمنطق الشرعي لا نصلح للذبح؟ هل نسير حفاة كي يتلمّسوا أن ليس من أظلاف تخفيها أحذيتنا؟ وهل سينجينا عريّ أقدامنا من قطع أوداجنا الأربعة؟ يقترب العيد وكلّ يمسك بأضحيته، يتلمّس أوداجها، ويحدّ سكينه، وتمتلكه الرغبة في جسد أُضحية تتخبّط بدمها على مذبح الربّ كما شاء الربّ. فتقديم القرابين الدموية فريضة ليس من يستطيع، ولا ينبغي لأحد أن ينكرها.
ولئن كان فعل ضرب الرقاب أمراً اعتيادياً وشائعاً في يوم العيد، وبقع الدم المسفوك هي سمة الفرح فإنّ هذا لا يعني أن نعتاد على الذبح وليس هو المطلوب. فلا بدّ أنّ في الأمر حكمة لا يعلمها إلاّ الرب والعارفين بأسراره. لكنّ ما هو ليس بسرّ، أنّ الذبح حاضر والفرح غائب، وأنّ بقع الدم الحيواني تتمطّى لتخالط بقعاً من دم بشري على امتداد خارطة البؤس، فلا تكاد تلمّح إلاّ نصل السكين ولا تسمع إلاّ صيحات التكبير.
مخيف هو هذا العيد حيث تمتزج الأصوات، فثُغاء حملان ورُغاء إبل وخوار ثيران وعويل نساء وأنين أطفال وأجساد بشرية كثيرة مقطوعة الرأس في مشهد يتخطّى حدود السوريالية ويصل حدّ الهلوسة. فرائحة الدم توقظ في أعماق النفس البدائية كمّا من الغرائز الأشدّ وحشية في نوبات من جنون غرائزي كان من المفترض أن تكون غرائز قد بلغها الترويض المدني في مسيرة التاريخ المليونية. لكنّ نظرة على هذا المستنقع لا تشي بذلك. بل تكشف عن مشهد مشين لا ينبغي له أن يخرج إلى نور الشمس وان يعتلي منابر الإعلام ويملأ شاشات العالم. فهو مشهد يدفع للخزي والخجل.
ليس العيد قطع رقبة بل هو أن تروي نبتة مشرفة على اليباس في حرّ المكان، وأن تؤسس لحالة لا يكون معها من حاجة للصدقة، وأن لا تجعلهم يجوعون عاماً ليأكلوا يوماً. ففي ظلّ مجتمع أطفال الشوارع الذين لا يجدون إلاّ التسوّل وبيع أكياس المحارم لا جدوى من إدعاء بهجة العيد. فدم الذبائح لن يجود على المكان بفرح مستحيل في أمّة هي الأكثر تعاسة بين الأمم.
فربّما يجب أن نعتاد على الكثير من البقول وعلى القليل من الدم عسى أن يروّض ذلك فينا بعضاً من وحشية استعصت على الترويض في موجة من بداوة امتدّت وامتدّت وهي تكاد اليوم تُغرق هذا القليل من المدنيّة على امتداد صحارينا القاحلة بموجات من الذبح العبثي تحت شعار الذبح للذبح.
بالذبح جئناكم... لا أهلاً ولا سهلاً. عودوا إلى مذابحكم الحجرية واتركوا لنا إله الحب الذي لا يذبح.