فيما تستعد تركيا لتكون العنصر الأخير (وربما الأهم) في الحلف الأميركي الذي يُزرع في منطقتنا، وتتحضّر ألويتها ودبابتها لدخول سوريا تحت ستار الحرب على «داعش»، يبرز عاملان بشكلٍ ساطعٍ.أوّلاً، مدهشٌ مقدار التنسيق و«العمل المشترك» الذي يكتنف الحملة العسكرية، وهو ما يكشف عمق وتعقيد بنية التبعية التي أرستها الولايات المتّحدة في بلادنا: طائرات الـ «إف-22» الخفيّة - التي تستلزم تجهيزات ومرائب خاصة - تجثم في قاعدة الظفرة في أبو ظبي، العمليّات تصمّم في مركز تحكّمٍ ضخمٍ في قطر، والطائرات «العربية» تتواصل مع المقاتلات الأميركية عبر شبكة «لينك-16»، كأنها سلاح جوٍّ واحد.

لم يخطر ببال أكثر القوميّين العرب تفاؤلاً أن يصل الترابط والتعاون بين دول المنطقة إلى هذا الحدّ، وقد حارب أعداء العروبة أي فكرٍ جماعيّ تحت حججٍ شتى، فشاء التاريخ وصروفه أن يحصل هذا الاندماج، جيوشاً وسياسة، تحت مظلّة الأميركي. ما يجري اليوم ليس مجرّد حملة، بل بداية لشيءٍ جديد؛ نظامٌ تمّ تركيبه ومراكمة أجزائه على مدى سنوات، ويراد منه أن يستمرّ لعقودٍ قادمة. حين دقّ الأميركي النفير، خبت كلّ النزاعات بين أطراف «الاعتدال»، ورُكنت صراعاتها الوجودية جانباً، وانتظموا جميعاً كالصفّ المرصوص، كلّ يؤدي مهامه بصمتٍ وامتثال.
في هكذا ظروف ينسحب ستار البروباغاندا ونرى القوّة وأولوياتها تطغى على ألاعيب الإعلام ونوافل السياسة. وهنا النقطة الثانية في ما يخصّ التدخّل التركي الوشيك؛ فالعديد من الناس، «ممانعين» وغيرهم، بنوا صورة خيالية، رغبوية، عن الحكومة التركية، ثم فعلوا المستحيل في الحقبة الماضية حتى يقنعوا أنفسهم بأن تركيا ليست تركيا، وأنّها ليست عضواً فاعلاً في الـ «ناتو»، ولا تشارك في احتلال دول إسلامية، وليست حليفاً لإسرائيل، وأنّ هناك عاطفة ما، خاصّة، تربط الحكّام الأتراك بنا، ما جعلهم يتدخّلون، بأسوأ معاني التدخّل، في كلّ بلدٍ عربيّ يجاورهم وبأفعالٍ هي بالمعنى العملي والدبلوماسي إعلان حرب على سوريا، وقبلها العراق. اليوم يتمّ إعلان نظامٍ إقليميّ جديد، صار كلّ شيءٍ فيه واضحاً، والمطلوب - بالسياسة وبالعنف - أن نستكين عبيداً له، فأصبح الخيار هيّناً: إمّا أن نكون نحن أو يكون.