على سيرة الشماتة، لا يمكن لإنسان شريف أن يحزن على ما آل اليه رئيس جورجيا السابق، ميخائيل ساكاشفيلي، الذي تلاحقه محاكم بلاده بتهم الفساد والاختلاس، وتضع حلفاءه ووزراءه في السجن. من بين كلّ الشخصيات والحركات التي صنعتها حقبة الأحادية الأميركية، لا يوجد رمزٌ مستفز أكثر من ساكاشفيلي. فهو يمثّل تلك النخبة التي أعدّها الغرب كي تحكم بلادنا أفضل تمثيل، ملخّصاً في شخصه كل صفاتها.
ولد ساكاشفيلي في منزلٍ ينتمي الى النخبة الثقافية والفكرية السوفياتية، أي الناس الذين حظوا بأفضل ما في الاتحاد السوفياتي، ثمّ كانوا - كعادة المثقفين - أوّل من انقلب وعرض نفسه لخدمة النظام الجديد. مرّ والدا ساكاشفيلي عبر الجامعات والمؤسسات البحثية الرسمية في روسيا الشيوعية؛ امّا الابن، فقد كان طريقه يمرّ عبر الجامعات الغربيّة، وبمنحة من وزارة الخارجية الأميركية.
ليس صحيحاً، كما يقول فؤاد عجمي، أنّ شعوبنا تنتظر «هدية الأجنبي» حتى يخلّصها من «تخلّفها» واستبدادها، ولكن الصحيح أن نظام الهيمنة ينتج أناساً يشبهون الصورة النمطية عن العالمثالثي كما يريده أعداؤه: الدونيّ المبهور، الذي ينتظر باستمرار «وعد الأجنبي»، ولو كان على شاكلة قصفٍ وغزو؛ النخب التي تنظر دائماً الى قضاياها - النافلة والمصيرية - من منطلق «كيف سيرى الأجانب أعمالنا»؛ و الفرد الذي درّب نفسه كي يقول بالضبط ما يريد الغربيّون سماعه.
لا أحد لبس هذا الدور في العقود الماضية كميخائيل ساكاشفيلي الذي كان، وهو رئيس لجورجيا، يقبض راتبه من وكالة التنمية الاميركية. ومن يراه جذلاً وهو يعرض الخدمات على واشنطن، ويشارك بجيشه في غزو العراق، ويرتجي الناتو حتى يحضر الى بلاده، يستشفّ صدى لنسخات كثيرة من ساكاشفيلي ملأت دول الجنوب في العقد الماضي - من سياسيي 14 آذار الى رئيس الائتلاف السوري هادي البحرة الذي أعلن ابتهاجه بالضربات الأميركية ضدّ بلده مطمئناً الغرب الى انّه لن يضطرّ الى ركوب الخطر وإرسال قوّاته الى سوريا، فلدينا من هو مستعدّ للموت نيابةً عنهم. حريّ بهذه النماذج أن تتّعظ من تجربة ساكاشفيلي، غير أنّ البعض لا يتعلّم، وهؤلاء تحديداً يحرّكهم شعور زائف بالتفوّق والحصانة، وإلّا لقرأوا التاريخ ولفهموا أنّه لأسبابٍ موضوعية ولا يمكن تلافيها، فإنّ الطبقة التي تشبههم، منذ أيّام الاستعمار المباشر، دائماً ما تلقى نهايةً سيئة.