لولا بعض تسجيلات الـ «يوتيوب» التي تخرج من أوكرانيا، لما علمنا بأنّ هناك مدنيين يقتلون في الدونباس، وأنّ حرباً أهلية تستعر في شرقي البلاد، وأنّ حكومة كييف تضرب دونتسك ولوغانسك بالمدفعية والطائرات. الاعلام الغربي، بغالبيته العظمى، لم يخبرنا عن أيٍّ من هذه الأمور، واكتفى بنقل بروباغندا الحكومة الاوكرانية وادّعاءاتها، حتى بعدما تبيّن مراراً وتكراراً انّ التقارير الواردة من كييف هي مزيجٌ بين الخيال والكذب.
هكذا نقلت الصحف الغربية نسخة عن الحرب في اوكرانيا، يقوم فيها المتمرّدون بقصف مدنهم، وتجتاح روسيا اوكرانيا بمعدّل مرتين في الأسبوع، فكلّ ما يهم الاعلام هو اثبات التورّط الرّوسي (ولو انّ روسيا تنوي الرضوخ لانقلاب ضدّ الحكومة المنتخبة يدعمه الـ «ناتو»، وأن تستكين فيما يُسحق المتمرّدون الروس، فإنّها في هذه الحالة تستحقّ الحصار والاختراق).
صحيفة الغارديان «اليسارية» مثلاً، ليس في صفحتها عن اوكرانيا خبرٌ عن قطع الطاقة والماء والاتصالات عن مناطق واسعة من شرق البلاد، بل مقالات رأي عن روسيا وبوتين، وتعليقٌ خاص من ادارة الجريدة عن موقفها من «التدخل الروسي»، وردت في أسطره العشرة الأولى كلمة «كذب» أو «خداع» أو ما يعادلها سبع مرّات في وصف بوتين وادارته – وفي رأس الصفحة تصريحٌ يشبّه فيه دايفيد كاميرون الرّئيس الروسي بهتلر.
في بلد ما زال يحكمه «الاوليغارشيّون» والجريمة المنظّمة، هناك عاملان لا ريب فيهما: أوّلاً، أنّ سلطة هذه الحيتان لن تهتزّ، سواء ذهبت اوكرانيا نحو اوروبا أو روسيا؛ الرئيس الحالي في كييف، كمثال، وهو أحد هؤلاء البليونيرات، نقل ولاءه من يوشتشينكو (حليف موسكو) الى قائد «الثورة البرتقالية»، ثمّ الى يوشتشينكو مجدداً، قبل أن يترأس حكومةً موالية للغرب. المؤكّد الثاني هو أنّ الاتّحاد الأوروبي، ولو دمّر الاوكرانيون بلدهم فداء له، فلن يضمّ اوكرانيا اليه، ولن ينتشلها من مأزقها الاقتصادي، وهذا موقف معلنٌ وصريح - فليس في الشّرق الأوسط وحده يقاتل البعض ويموتون من أجل أناس لا يكترثون لهم.