«اللقاء الوطني الديموقراطي» هو إطار عمل مشترك، هادف ومستقل ومفتوح، لمجموعة متنامية من المناضلين الناشطين لتقديم مساهمة ذات أُفق جبهوي سعياً وراء قيام وبلورة تيار وموقع وطنيّين لمواجهة مفاعيل الأزمة المدمّرة والطاحنة التي تعصف بلبنان وشعبه. وهي أزمة سبّبتها السلطة الحاكمة التابعة ونظامها الطائفيّ التحاصصي الذي توسّله عتاة أركانها من كبار المتموّلين وورثة الإقطاع القديم والمستحدث، للسيطرة على السلطة ولإدامتها باللصوصية والنهب والفساد وإذكاء العصبيات وبالزبائنية. وقد تفاقمت هذه الأزمة بالتدخل الغربي الشرس لاستغلالها لمصلحة مشاريع أميركية صهيونية في لبنان والمنطقة. تأسس اللقاء في تموز عام 2019. وهنا بيانه الأخير حول الأزمة وسبل التعامل مع مسبّبيها ومستغلّيها
وصل لبنان، في المرحلة الأخيرة، إلى ذروة جديدة في أزماته المتمادية. أصبح كيانه نفسه مهدّداً بعدما تعطّلت مؤسساته السياسية والأمنية والصحية والتربوية والقضائية، وآخرها المجلس النيابي المنتخب حديثاً، والعاجز، في الوقت نفسه، بوصفه دستورياً مصدر السلطات نيابة عن الشعب، عن القيام بدوره في إطلاق مسار تجديد المؤسسات، بدءاً من رئاسة الجمهورية إلى تأليف حكومة جديدة إلى بقية المؤسسات الدستورية. يحصل ذلك ليس فقط بسبب الفئوية المستشرية والافتقار إلى روح المسؤولية من قبل أطراف السلطة، بل أيضاً بسبب طبيعة النظام السياسي التحاصصي، طائفياً، الذي تمسكت به طبقة كبار المسيطرين على السلطة وعلى مقدرات البلاد من مصرفيين وكبار الرأسماليين. هذا فضلاً عن التدخل الخارجي (الأميركي خصوصاً) المباشر والوقح، بتغذية الأزمة، من جهة، ومحاولة استغلالها، لخدمة سياساته ومشاريعه وحلفائه وأدواته في لبنان والمنطقة، من جهة ثانية.
إنّ المنظومة السياسية الحاكمة التي دفعت البلاد إلى الانهيار المخيف، والدولة إلى الفشل والعجز، والأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني إلى الفقر والجوع، والتي أفلتت من المحاسبة والعقاب، تخلّت أيضاً عن واجبها في مجرد البحث عن المعالجات والحلول. وهي تواصل سياساتها التدميرية مستغرقة في النزاعات الجانبية كسباً للوقت وتعزيزاً للنفوذ والحصص. وتلجأ كالعادة إلى سلاحها المجرّب في تأجيج العصبيات الطائفية والمذهبية وسط تحلّل الدولة ومؤسساتها وانهيار كل الخدمات الأساسية وترك المواطن ضحية العجز الشامل عن تأمين أبسط حاجاته وخسارة كل مصادر معيشته ومدخراته وتركه وحيداً أمام جشع الاحتكار ومافيات التهريب والخوّات والعبث بالأمن وبمصير ومستقبل الأجيال الجديدة التي تتهدّدها مخاطر الأميّة والضحالة والضياع والتشرد والهجرة العشوائية الانتحارية!
يستمر هذا الانحدار المأسوي منذ حوالي أربع سنوات. وهو مفتوح على مزيد من الأهوال والمخاطر من نوع الفوضى الشاملة والتشرذم والتقسيم، وهو يتفاقم بسبب بعض تدخل خارجي تقوده واشنطن عبر عملية تغذية الأزمة وتعظيمها بالحصار والعقوبات ومنع المساعدات وسواها. أمّا الهدف، فاستغلال تلك الأزمة الطاحنة، ليس لمحاربة الفاسدين، كما ادّعت واشنطن في المرحلة الأُولى، بل لحماية أتباعها ومنفذي سياساتها في السلطة، وخصوصاً لتصفية الحساب مع سلاح المقاومة خدمة لمشروع الهيمنة الأميركي في المنطقة من جهة، وللعدو الصهيوني ومشاريعه التوسعية، من جهة ثانية.
وينبغي، في هذا السياق، التوقف أمام الحدث الكبير المتمثل في إعلان اتفاق بكين (10/3/2023) بين ممثلين عن سلطتَي المملكة العربية السعودية والجهورية الإسلامية الإيرانية، إثر حوار وتفاوض مديدين، توسط فيهما أكثر من طرف، ورعت مرحلتهما الأخيرة القيادة الصينية. إنّ هذا الاتفاق هو، لا شك، ثمرة تحولات مهمة في التوازنات الاستراتيجية الدولية على المستويين الاقتصادي والعسكري، وهو تعزيز لها في الوقت نفسه. وإذ يحدونا الأمل بأن يأخذ مداه الضروري على مستوى التنفيذ والفعالية، فإننا نعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح. إنّ ثمّة ملفاً متعدّد العناوين، ومثقلاً بالصراع والتوترات بين الطرفين. وهو يكاد يشمل الإقليم بمعظم مناطقه. ولقد ألحقَ هذا الصراع خسائر كبيرة بالطرفين، وعزّز التدخلات الخارجية. وقد استفاد منه العدو الصهيوني لصرف الأنظار عن جريمته المتمادية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وضد المصالح العربية، ولتشويه طبيعة الصراع في المنطقة، وخصوصاً عبر الدعم والمشاريع الأميركية، ولتصوير العدو الإسرائيلي صديقاً والصديق عدواً. يفتح الاتفاق، في حال تنفيذه، فرصة ثمينة ليس فقط بالنسبة إلى علاقات البلدين الموقّعين، بل إلى مجمل الأمن الاستراتيجي العربي وإلى دول المنطقة، باستثناء العدو الصهيوني. ويمكن أن يشكل الاتفاق فرصة للبنان، إذا تخلّى حكامه عن الفئوية والتبعية وانخرطوا في مسار حواري مسؤول لإيجاد تسوية من شأنها وقف مسار الانهيار المخيف الراهن.
وأمام هذا الواقع الداخلي المأزوم، يؤكد «اللقاء الوطني الديموقراطي»، من موقعه الوطني المنحاز إلى مصالح أكثرية الشعب اللبناني بفئاته الكادحة بالدرجة الأولى، أن مهمة التصدي لهذا الواقع تقع على عاتق كل القوى المؤمنة بخيار الدولة الوطنية الديموقراطية، دولة العدالة الاجتماعية، بديلاً من كانتونات الطوائف والمذاهب، وبالمواطنة المتساوية كانتماء بديل من الانتماء المذهبي والطائفي.
ولكي لا يُترك شعبنا أسير سياسات أمعنت في قهره وإذلاله حتى بلقمة عيشه وعيش أطفاله، ولوضع حد للتدهور الشامل الحالي والمتوقع، وخصوصاً فلتان الأسعار ودولرتها لحساب كبار التجار وأصحاب رأس المال والاحتكارات، لا خيارات أمام شعبنا إلا المواجهه، للخروج من هذا الواقع الأليم. والمواجهة تتطلب حشد كل القوى المتضررة من هذا النظام ومنظومته السياسية. فالمطلوب من كل الأحزاب، والهيئات، والمستقلين، الاتفاق على برنامج موحد وقيادة واحدة لكل هذه القوى، وخوض معركة المواجهة من خلال خطة تسعى إلى تأمين جذب ومشاركة الجماهير المتضررة كي تكون قوتها الأساسية. لقد تضاءلت، ثم انعدمت المشاركة الشعبية خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب غياب المشروع والأولويات والمرجعية القيادية، ما سهّل للسلطة المضيّ في سياساتها وفي قمع الانتفاضة. هذا فضلاً عن فئوية البعض، وارتباطات البعض الآخر مع الخارج والعمل ضمن أجندته.
إنّ «اللقاء الوطني الديموقراطي»، انطلاقاً من تحليله للواقع، وضع وثيقة خاصة للعمل الجبهوي، وشكّل لجنة للتواصل مع كل الأحزاب والشخصيات والهيئات الشعبية والنقابية والشبابية والنسائية والمدنية المعنية، لمواجهة المنظومة المتسلّطة ونظامها الطائفي التحاصصي. كل ذلك بهدف التعاون والتنسيق وبلورة خطة وبرنامج وصيغة قيادية يكرسها جميعاً مؤتمر وطني واسع يطلق مواجهة ينبغي أن تكون عنصراً فاعلاً في عملية الإنقاذ المنشود.

(اللقاء الوطني الديموقراطي)