في التاسع عشر من تموز (يوليو) عاد رئيس جمهورية العراق الفيدرالي مام جلال الطالباني سالماً معافى الى جنوب كردستان (كردستان العراق) عبر السليمانية بعد نحو عام ونيف من العلاج في ألمانيا، وفي جزء آخر من كردستان تصادف الذكرى الثانية لثورة روج آفا – غرب كردستان (كردستان سورية) التي بدأت قبل عامين في 19 تموز 2012، وتكللت باعلان الادارة الذاتية الديموقراطية مطلع العام الجاري في الكانتونات الثلاثة (الجزيرة وكوباني وعفرين). العيد عيدان، لا سيما أن مام جلال رغم غيابه للعلاج الا أن بصماته كانت واضحة في تعاطي حزبه مع تلك الثورة ومع التجربة الديموقراطية الناشئة في "روج آفا".
ذاك الغياب الذي أتى، وللأسف، في ظل التحولات والمخاضات الكبرى التي تعيشها كردستان والعراق والمنطقة ككل، ما أثّر سلباً في كافة الصعد الكردستانية والعراقية والاقليمية. فوجود الرجل في هذه الفترة الحساسة والعاصفة ملح - بل وملح جداً - (لنتذكر أن رفعه اصبعه المغمس بالحبر الانتخابي البنفسجي قبل بضعة أشهر انعكس كعامل اساسي نهوضاً عارماً لحزبه في الانتخابات الأخيرة ان على صعيد العراق أو مجالس محافظات اقليم كردستان. ذاك الاصبع حصد نحو 200 ألف صوت بعد الكبوة الانتخابية لجواد الاتحاد الوطني في انتخابات برلمان الاقليم العام الماضي). فالتناقضات العراقية ما كانت لتصل على الأرجح الى هذا الدرك، وتتحول الى أزمة وجودية متشابكة مع الحرب المذهبية المستعرة أوارها في سوريا لو أن صمام أمان العراق كان حاضراً، وهو وجود ملح لتكريس وحدة الصف الكردي وبلورة استراتيجية كردستانية جامعة للتعاطي مع الاستحقاقات التاريخية الداهمة التي نحن حيالها في أجزاء كردستان كافة. ويقيناً ان المؤتمر القومي الكردي ما كان ليتعثر وتعلق أعمال اعداده، ويقيناً ما كان لطرف كردستاني عراقي أن يتمادى في محاولاته لمعادة ثورة روج آفا ومحاصرتها، ويقيناً لكانت عملية السلام في شمال كردستان (كردستان تركيا) قد خطت خطوات أكبر ولكان ايقاعها أسرع كون مام جلال مهندس عملية السلام تلك منذ اطلاقها قبل نحو عشرين عاماً مع صاحب المبادرة السروك آبو.
فالاتحاد الوطني، وعلى هدى روحية مام جلال الكردستانية الفاعلة لا المنفعلة ونهجه الاشتراكي الديموقراطي التحرري، كان سبّاقاً في دعم ومؤازرة ثورة روج آفا وتجربتها الديموقراطية. لكن لا شك في أن ذينك الدعم والتأييد مع العودة المباركة لفخامته سيتكرسان أكثر فاكثر، فسياسة الخط الثالث التي انتهجها الكرد في سورية (وكان لحركة المجتمع الديموقراطي ومجلس شعب غرب كردستان شرف سكها واعتمادها) هي متسقة تماماً مع المنهجية السياسية لطالباني في لعبه دور ضابط الايقاع العراقي وتعاطيه المحنك مع التوازنات والاصطفافات والصراعات المذهبية والطائفية في بلاد الرافدين والمنطقة ككل، ما جعل الكرد بيضة القبان المرجحة كفة المشروع الديموقراطي التعددي التوافقي الاتحادي.
وهذا بالضبط ما ينص عليه العقد الاجتماعي لكانتونات روج آفا في تأكيده القاطع أن تكون سوريا المستقبل ذات نظام حكم ديموقراطي تعددي اتحادي توافقي، فثورة روج آفا التي وحدها مثلت كنه الربيع الحقيقي في المنطقة بوصفها ثورة مجتمعية كبرى تمخضت عنها الادارة الذاتية الديموقراطية وبالتشارك مع مختلف مكونات روج آفا، تمثّل ترجمة لرؤى مام جلال بوصفه رائد المدرسة الاشتراكية الديموقراطية في الحركة التحررية الكردستانية وقائد الثورة الكردستانية الجديدة في جنوب كردستان. وتبقى عودة مام جلال عامل طمأنة وارتياح ومدعاة تفاؤل وانفراج لجهة أن لروج آفا سند مكين لها في جنوب كردستان. هو مام جلال ليس بشخصه فقط بل بالمنظومة القيمية والفكرية والنضالية التي يمثلها ويرمز لها، فالرجل أكبر من أن يكون ملكاً لحزب أو حتى لجزء واحد فقط من كردستان. هو رمز عابر للأجزاء الأربعة من كردستان، وكما كان دوماً داعماً لنضالات الكرد وحقوقهم في تلك الأجزاء، فهو لم ولن يبخل بالدعم على الجزء الأصغر من كردستان. فليس سراً أن روج آفا بثورتها ومقاومتها ونظام ادارتها الذاتية الديموقراطية غدت أيقونة كردستان الكبرى والدينامو المحرك للربيع الكردستاني على امتداد المربع من قامشلو الى آمد فمهاباد وهولير.
* كاتب كردي