أقرَّ مجلس الوزراء الأردني، في 20 تشرين الثاني، نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبيَّة الطلابيَّة في مؤسَّسات التَّعليم العالي لسنة 2022، كجزء من مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي وضعت مؤخراً قانوناً جديداً للانتخاب وآخر للأحزاب السياسية. يأتي هذا النظام لخلق «مساحة آمنة لممارسة الأنشطة الحزبيَّة في الجامعات دون تقييد» وتقديم «فرصة ذهبيَّة ليكونوا (للطلبة) جزءاً من صناعة المستقبل السياسي والحزبي في المملكة»، بحسب عزمي محافظة، وزير التربية والتعليم والتعليم العالي ورئيس أسبق للجامعة الأردنية. تأسست اللجنة في حزيران 2021 بتوجيه الملك عبدالله الثاني وبرئاسة سمير الرفاعي، رئيس الوزراء الأسبق الذي استقال على خلفية الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات حكومته الاقتصادية والسياسية عام 2011. قوبل قانون الأحزاب الجديد، الذي أقرته اللجنة في آذار من العام الجاري، باعتراضات الحزبيين الذين اعتبروه «خطوة لإقصاء الأحزاب الناشطة حالياً وصناعة أحزاب جديدة تتواءم مع رؤى السلطة». في حين ورد ذكر العمل الطلابي في مادتين من قانون الأحزاب؛ الأولى هي المادة ٤/ج التي تمنع التعرض لطلبة مؤسسات التعليم العالي بسبب الانتماء والنشاط الحزبي والسياسي، والثانية هي المادة ٢٠/أ التي صدر بموجبها نظام تنظيم ممارسة الأنشطة الحزبيَّة الطلابيَّة.

رغم أن قانون الأحزاب لعام 2007 لا يمنع العمل السياسي داخل الجامعات، فإنه فشل في إحداث التغيير في الواقع أو تعديل المادة السادسة من تعليمات الأندية الطلابية التي تحظر «الاشتغال بالأمور السياسية» وتضعها في صف «الأمور الطائفية والإقليمية». جاء إصدار هذا النظام تتويجاً لحقبة من التنظير على الشباب وتمكينهم، إلا أن هناك بُعدين أساسيّين للإشكالية فيه؛ الأوّل هو مواده المصاغة بطريقة فضفاضة إلا في ما يمنح عمادة شؤون الطلبة في الجامعات صلاحيات مفتوحة على فعاليات الطلبة، ما يعكس شكل الوصاية الأبوية الممارس على الطلبة الحزبيين في الجامعة. والثاني هو تجاهل أبرز التحديات التي يشهدها الواقعان الطلابي والسياسي بدون تقديم أية استجابات منطقية لها، بل بتحديد سقف العمل الطلابي ليكون في أحسن حالاته إمّا أداة ترويجية لفعاليات الجامعة أو منظماً للفعاليات التوعوية والثقافية، لا حالة من الاشتباك مع الواقع السياسي وقيادة التغيير وصنع القرار الطلابي.

مفردات فضفاضة وصلاحيات مفتوحة للعمداء
تشير كلمة «الحزب» في تعريفات النظام للكلمات والعبارات «للأحزاب السياسية المؤسسة وفق قانون الأحزاب السياسية»، رغم أن غالبية الأحزاب الحالية غير قادرة على تصويب أوضاعها وفقاً للاشتراطات الجديدة حول البنية الهيكلية والقيادية والنشاط الشبابي والنسوي والانتشار الجغرافي والموارد المالية. تفصّل المادة الثانية من النظام الأنشطة الحزبية التي يحق للطلبة ممارستها داخل الحرم الجامعي بحسب ما يتلائم مع السردية التي تحددها الحكومة حيث تشمل «التوعية والتثقيف الحزبي، والتعريف بالعملية الانتخابية» المحكوميْن بقانوني الأحزاب والانتخابات الأخيرين. لا توضح المادة فيما إذا كانت هذه التوعية تشمل حشد الطلبة للانضمام للأحزاب أم أنها تعني فقط العمل على ترويج القوانين الجديدة بدون أي مساحة لمساءلتها في المرتبة الأولى، وهو ما تقوم به الحكومة من خلال برامج الهيئة «المستقلة» للانتخابات بالتعاون مع «أنا أشارك» الذي تموّله «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID).
تستند مواد النظام إلى مرجعية لا تتفهم السياق التاريخي والنضال السياسي للحركة الطلابية الأردنية التي أسقطت حلف بغداد والمعاهدة البريطانية الأردنية ورفضت التطبيع العربي والاستعمار اليهودي لفلسطين منذ نشأة الصراع. الأصل في «تنظيم الأنشطة الحزبية» هو أن يمتلك الطلبة الشرعية والحق في ممارسة الرقابة على الجامعة وفعالياتها التي لم ترتق في كثير من الأحيان لهموم وقضايا الطلبة، بخلاف المادة 4 التي توجه أنشطة الطلبة الحزبية لـ«تشجيع المشاركة الطلابية بالعمل العام وبالانتخابات التي تنظمها مؤسسة التعليم العالي لمجالس الطلبة أو الاتحادات أو الجمعيات أو النوادي الطلابية فيها». تفترض هذه المادة أن أنشطة الطلبة الحزبية جزء من العجلة السياسية الحكومية المتعطلة، ولا تعتبر أن «مقاطعة الانتخابات» عمل وموقف سياسي يمكن للطلبة ممارسته أيضاً.
تتيح خيارات الفعاليات أيضاً «عقد الندوات والمناظرات السياسية والمشاركة فيها»، وهو توصيفات لا تشمل الاحتجاجات أو الاعتصامات أو الوقفات، لكنها تقولب العمل الطلابي في خانات التوعية والفعل الثقافي وربما تحظر أي مظاهر للاحتجاج بحجة أنها «لا تحافظ على حسن سير العملية التعليمية فيها (مؤسسة التعليم العالي) وعدم القيام بأي فعل يعيق عملها». يتوقف سقف طلب إقامة فعالية على موافقة العمادة، وهو ما تذكره المادة 3 وتؤكد عليه المادة 4 في النظام باشتراط الموافقة الخطية من العمادة لعقد أي نشاط، رغم تناقض ذلك مع المادة 6 من النظام نفسه والتي تعتبر طلب إقامة النشاط الحزبي موافقاً عليه حكماً في حال عدم صدور قرار العمادة خلال مدة لا تزيد على خمسة أيام عمل من تاريخ تقديمه.
لا تضمن الموافقة التلقائية على الأنشطة -التي ينص عليها النظام في حال عدم صدور قرار العمادة- عدم ملاحقة الطلبة المنظمين للنشاط، نظراً لأن الأجهزة الأمنية الأردنية تعتقل المحتجين رغم أن قانون الاجتماعات العامة لا يطلب منهم الحصول على موافقة الحاكم الإداري على الاحتجاج بل إشعاره فقط. أمّا الموافقة الخطية التي سيستجديها الطلبة لعقد أنشطتهم، فهي تعني موافقة العمادة على «مكان ووقت النشاط وعنوانه والغاية منه ودعوته العامة ومقدمي الطلب وبرنامجه وأسماء المتحدثين الرسميين». تخوّل هذه الصلاحيات الواسعة العمادة لإدارة كل الفعاليات والتدخّل في محتواها بلا أدنى سلطة أو مساحة صناعة قرار للطالب الذي سيجد نفسه يطلب الموافقة أو حتى الفصل في شكوى رفض الطلب من الجهة التي تشكل الخصم والحكم، أملاً في الدفاع عن قضاياه الحقوقية ضد قرارات الجامعة وعن قضاياه الوطنية ضد قرارات الحكومة.
تحوّل عملية اشتراط الموافقات «الفعل الاحتجاجي» إلى فعالية مفرّغة المضمون، فالاحتجاج على الجامعة الذي تقوم الجامعة بالموافقة عليه هو ليس احتجاجاً لأنه لا يحمل أية ممارسة مدنية ثورية تعبر عن الغضب وتطالب بالتغيير. كما تقتل كل إمكانيات الاستجابة للقرارات والأحداث الملحة زمنياً. مثلاً، إذا أراد الطلبة تنظيم فعالية تضامنية مع الأحداث التصعيدية في فلسطين أو وقفة طلابية على خلفية قرار لرفع الرسوم الجامعية، فعليهم -بحسب المادة 5- تقديم طلب إقامة النشاط الحزبي الى العمادة قبل عشرة أيام على الأقل من الموعد المقترح لإقامته وانتظار خمسة أيام أخرى لاستقبال رد العمادة الذي قد يكون الرفض. حتى بعد الموافقة «الخطية» على النشاط، تمتد صلاحيات العميد بحسب المادة 6/د «لإمكانية تعديل زمانه أو مكانه أو برنامجه أو حتى وقف النشاط الحزبي خلال انعقاده» بحسب السلطة التقديرية أو المزاجية للعميد والتي نص عليها النظام بقوله «إذا تم ارتكاب أي فعل يخالف التشريعات النافذة أو النظام العام».
يشترط طلب تقديم النشاط الحزبي أيضاً موافقة أمين عام الحزب على تقديم طلب إقامة النشاط، وهو ما لا ينسجم مع الطلبة المستقلين الذين يرغبون بعقد الأنشطة، ويحمل تعدياً على صلاحيات الحزب الداخلية في طريقة إدارة أموره. إذا كانت القائمة الطلابية التابعة لحزب ما تريد عقد فعالية لارشاد الطلبة المستجدين في الجامعة، أو لاقامة معرض لتبادل الكتب الأكاديمية بين الطلبة، فما الحاجة لموافقة أمين عام الحزب؟ وتحويل جوهر العمل الطلابي إلى سلسلة موافقات وإجراءات بيروقراطية؟ يمنح النظام عمادة شؤون الطلبة السلطة للسيطرة على الأنشطة الحزبية ويغلظ سلطتها أكثر في حال مارس الطلبة حقهم «الحقيقي» بالعمل الحزبي، خصوصاً وأن لعمادات الجامعات الأردنية سيرة حافلة بالتضييق على الفعاليات الحقوقية والأكاديمية والخدماتية. في أيلول 2022، استدعت جامعة آل البيت عدداً من الطلبة للتحقيق على خلفية تعليقهم بـ«يعطيكم العافية» على السوشال ميديا. في تشرين الأول من العام نفسه، عاقبت جامعة مؤته 20 طالباً بالإنذار الخطي أو النهائي على خلفية مشاركتهم في فعالية لإرشاد الطلبة المستجدين. في نيسان 2017، قررت جامعة البوليتكنك فصل خمسة طلاب بتهم التحريض وإثارة النعرات على خلفية نتائج الانتخابات الطلابيّة.

حلول سطحية لمشاكل جوهرية
يتفاعل الطلبة مع الحالة السياسية العامة للبلاد، وإذا كانت الأنشطة الحزبية المقبولة بالنسبة للجامعات تبدو بهذا الشكل، فمن الأفضل عدم تنظيمها بتشريع خاص، أو على الأقل تحرير القيود على الأنشطة الحزبية خارج الجامعات وإزالة التحديات التي يفرضها القانون الجديد على الأحزاب السياسية، فالمناخ الحزبي العام لا ينفصل عن المناخ الحزبي الجامعي. حتى إذا افترضنا جدلاً فعالية هذا النظام و«حداثيته»، إلا أنه من المنطقي التشكيك بجدواه بالنسبة للطلبة الذين لا يجدون من يمثلهم حتى الآن بسبب امتناع الجامعات عن عقد انتخابات اتحاد الطلبة إثر وقفها قبل عامين بسبب الظروف الصحية لجائحة «كورونا»، أو أكثر من عامين بالنسبة للجامعات التي اتخذت قراراً بحل المجلس وإلغاء الإنتخابات بسبب اعتبارات عشائرية. ينعكس غياب وجود اتحاد الطلبة في تهميش صوت الطلبة وقضاياهم، وقطع الصلة بين القوائم الطلابية من ناحية وبين القوائم الطلابية وإدارة الجامعة من ناحية أخرى، بالإضافة للجوء الطلبة للجمعيات والنوادي الطلابية التي ترعاها العمادات مادياً وإدارياً ولا تمارس حالة سياسية.
دفع الطلبة الثمن أرواحهم في أحداث نضالية كثيرة أبرزها الاحتجاج على مشروع ايزنهاور الأميركي الاقتصادي الارتهاني وأحداث جامعة اليرموك لعام 1986، وما زالوا يتعرضون بسبب نشاطهم السياسي للمساءلة المستمرة التي لا تحمل فقط شكل الاستدعاءات ولجان التحقيق والإنذار والفصل، بل أيضاً التضييقات غير المباشرة من الاستهداف الأكاديمي وتعقيد الإجراءات التقليدية واستخراج الشهادات والحرمان من التخريج. من الجدير بالنظام أن يتطرق لقنوات الشكوى الآمنة التي يمكن للطلبة الناشطين اللجوء لها لغايات الفصل في الخلافات بحضور لجان تحقيق عادلة.
إن الترجمة الحقيقية لمنع الملاحقة والتضييق عن الطلبة الحزبيين والناشطين سياسياً ليست مجرد مادة تحظر هذه الممارسات بدون أدنى ضمانات، من أبسطها تعديل نظام تأديب الطلبة الذي يوقع بالطلبة عقوبات مغلظة ويترك القرار لتقديرات لجنة التحقيق التي قد لا تكون محايدة بحجة ضبط السلم الأهلي والعملية التعليمية. بالإضافة لإعادة النظر في شروط المكرمة الجامعية التي قد تتوقف أو تلغى في حالة «الانتماء لحزب أو القيام بأي نشاط سياسي لا يتفق ومصلحة المملكة وسياستها العليا… والاشتراك في أي عمل يقصد منه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الإقليمية، والاشتراك بأي مظاهرة مخلّة بالأمن، ومقاومة رجال الأمن وعرقلة أعمالهم أثناء قيامهم بواجبات وظيفتهم لتفريق المتظاهرين ووقف أعمال الشغب».
عرفت الجامعات أشكالاً مختلفة من التدخلات الأمنية في التأثير على نتائج انتخابات اتحاد الطلبة وحضور الطلبة/الموظفين، المعروفين بارتباطهم الوثيق بالمخابرات العامة وصلاحيات الضابطة العدلية لرجال الأمن الجامعي والملاحقة خارج الحرم الجامعي. تشكّل هذه الأزمة العميقة انعكاساً منطقياً للظروف السياسية العامة في البلاد، كما تحتاج إلى تعليمات وسياسات تطبيقية تعترف بوجود الظاهرة وأبعادها وتتجاوز المادة 7 من النظام والتي تنص على: «يحظر على مؤسسة التعليم العالي الانحياز لصالح أي حزب أو التأثير على الطلبة بسبب انتمائهم الحزبي».
يحيّد النظام بموجب المادة 7 دور أعضاء الهيئة التدريسية ويحظر عليهم المشاركة في الأنشطة الحزبية التي يمارسها الطلبة، تتجاوز هذه المادة السعي للحفاظ على حيادية الهيئة التدريسية إلى عزلهم عن السياق الطلابي وخلق حالة ترهيبية من العمل الحزبي الطلابي بدلاً من أن يكونوا ضمانة داعمة لهم ويشكلوا حالة معرفية تغرس العمل السياسي في المناهج وأساليب التدريس. عام 1986، فصلت جامعة اليرموك الأساتذة الجامعيين الذين تعاونوا مع الطلبة المحتجين بعد انتهاء الاعتصام الذي انتهى بمقتل ثلاثة طلبة و«عفو ملكي» عن الطلبة المطلوبين. إذا كانت العقلية الحكومية قد اعتبرت «الاعتصام» جريمة يعاقب عليها الطلبة وتحتاج للعفو، ومن ثم تعتبر وزارة التعليم العالي بعد 36 عاماً هذا النظام فرصة ذهبية للطلبة، فمن الجدير بالوزارات الرسمية توفير فرصة مشابهة تفرض الرقابة أيضاً على أنشطة السفارات الأجنبية داخل الجامعات، على رأسها السفارة الأميركية التي ترعى الزاوية الأميركية وبرنامج «أنا أشارك» الذي يعلّم الطلبة مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان.
يضيّق هذا النظام أفق الطلبة من العمل السياسي إلى السعي وراء الموافقات وتجنب العراقيل الأمنية، بدلاً من المطالبة بوجود اتحاد الطلبة ومراجعة ميزانيته واجراءاته ونظامه الانتخابي أو السعي لاتحاد عام لطلبة الأردن. في الوقت ذاته، يوسّع النظام نطاق التقييد على العمل الحزبي من الشارع العام إلى الحرم الجامعي، ناهيك عن التجاهل التام للعمل الطلابي المدرسي الذي حظره قانون الأحزاب الجديد بموجب المادة 20 مع أن أوّل حراك طلابي في الأردن قاده طلبة المدارس الذين شكلوا عام 1951 «مؤتمر الطلبة الأردنيين» بمشاركة الحزب الشيوعي وحزب البعث للمطالبة بتخفيض رسوم المدارس الخاصة وتشكيل اتحاد لطلبة الأردن. أثبتت التجارب التاريخية لتعزيز سلطة الجامعة التعسفية أياً كان شكلها أو اسمها مزيداً من حالات الانفجار، حيث لم يستمر أوّل اتحاد طلابي تم تأسيسه في السبعينيات بسبب الاشراف المباشر لعمادة الجامعة وثارت الكتل الطلابية على توجيهها للعمل ضمن جمعيات والنوادي الطلابية بسبب محدودية الصلاحيات، سعياً لدور حقيقي يتجاوز عقد الفعاليات الثقافية والتوعوية. في إحدى تصريحاتها، تشير اللجنة الملكية إلى أن النموذج الديموقراطي (الذي تسعى لإقراره) يجب أن يكون «ديموقراطية تناسب الأردنيين، فلا توجد دولة تشبه دولة أخرى في مسارها التاريخي نحو الديموقراطية»، لكن الحقيقة هي أن الديموقراطية التي ينص عليها النظام تناسب «حكومة الأردنيين».

* كاتبة وباحثة