لا شك أن كثيرين يتساءلون عن سرّ استمرار المؤتمر القومي العربي على مدى أكثر من 32 عاماً، من دون أن يكون مستنداً إلى نظام يدعمه أو جهة تموّله، وبقي ملتزماً مواقفه المبدئية من كل قضايا الأمّة من دون تفريط أو تطرّف، متحمّلاً، أحياناً كثيرة، شتى أنواع الحصار والشيطنة والاتهامات التي أثبتت الأيام بطلانها، خصوصاً أن بعضها يناقض بعضها الآخر. ولقد أتيحت لي فرصة مواكبة هذه التجربة منذ ولادتها كفكرة في ندوة أقامها مركز دراسات الوحدة العربية، وعلى رأسه القامة الوحدوية الكبيرة الراحل د. خير الدين حسيب، في 22 شباط 1988 في بيروت، حول «الحركة العربية الواحدة»، حيث قدّمت ورقة للنقاش خلصت إلى الدعوة لعقد مؤتمر عام يلمّ شمل القوميين والوحدويين على اختلاف مدارسهم كخطوة باتجاه توحيد عملهم من أجل تحقيق أهداف المشروع النهضوي العربي التي وصلنا إليها قبل أن يتم صوغ المشروع نفسه وإعلانه في 22 شباط 2010. وقد استطعت أن أتلمّس بعض نقاط القوة في هذه التجربة، كما نقاط الضعف أيضاً، وأن أطرحها للنقاش بين كل من تربطه علاقة بهذه التجربة كعضو في المؤتمر نفسه، وقد تجاوز عددهم المئات من أبرز شخصيات الأمّة الفكرية والسياسية والحزبية والإعلامية والاقتصادية، أو كمواكب لهذه التجربة من خلال بياناتها السنوية (بيان إلى الأمّة) أو كمشارك في الهيئات التي أطلقها المؤتمر كمخيمات الشباب القومي العربي (التي انطلقت عام 1990 وعقدت إلى الآن 29 مخيماً)، و«المؤتمر القومي–الإسلامي» (الذي انطلق عام 1994 وانعقد إلى الآن 11 دورة)، و«المؤتمر العربي العام» (الذي يضم إلى المؤتمر القومي العربي كلاً من المؤتمر القومي–الإسلامي والمؤتمر العام للأحزاب العربية ومؤسسة القدس الدولية، والجبهة العربية التقدمية)، و«المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين» (الذي عقد خمس دورات منذ انطلاقه عام 1915)، ناهيك عن دور أعضائه في العديد من أقطار الأمّة في إطلاق العديد من المنتديات والمؤسسات والهيئات، ولا سيّما تلك المؤسسة للفكر النهضوي أو الداعمة للمقاومة والمناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.

نقاط القوة
1- التزامه بأهداف المشروع النهضوي العربي الستة (الوحدة العربية، الاستقلال الوطني والقومي، الديموقراطية، التنمية المستقلة، العدالة الاجتماعية والتجدد الحضاري)، وحرصه على أن لا يُضحى بأي من هذه الأهداف من أجل تحقيق هدف آخر، رغم صعوبة هذا الأمر في مرحلة اختلطت فيها الأوراق وجرى استخدام عنصر من عناصر هذا المشروع لتغييب العناصر الأخرى.
2- تركيز المؤتمر القومي العربي الدائم على الصراع الرئيسي مع عدو الأمّة المتمثل بالمشروع الصهيو–استعماري والدعوة إلى إخضاع كل صراع آخر لصالح مواجهة ذلك الصراع الرئيسي والذي يرى في تحرير فلسطين بوصلة له لأنها الساحة الرئيسية التي تختزن كل الصراعات الأخرى التي تواجهها الأمّة.
3- استقلالية تجربة المؤتمر القومي العربي عن الواقع الرسمي في المنطقة، بكل تفرعاته وتجلياته، وعلى قاعدة بسيطة هي «لا تبعية ولا عداء»، فما من أحد يستطيع أن يسجّل على هذه التجربة تبعيتها لأي نظام أو جهة، أو يسجّل عليها غرقها في عداء مطلق مع هذا النظام أو تلك الجهة، بل حرصاً على التحلّي بقدر من الموضوعية في اتخاذ المواقف، فيؤيّد المؤتمر كل موقف أو مبادرة سليمة، وينتقد المبادرات السلبية والمخالفة لمبادئه.
لقد عرّضه هذا المنهج في تحديد العلاقات إلى ضغوط ومشكلات عديدة، سواء ممن أراد إلحاقه بهذا النظام أو تلك الجهة، أو من حاول جرّه إلى صراع مع هذا النظام أو ذاك، فاكتسب احتراماً من الكثيرين بمن فيهم من لم يكن مرتاحاً لمواقفه كافة، كما بقي محطّ هجمات من يريد جرّه إلى متاريس الحروب الأهلية المعلنة أو المستترة في أمّتنا.
4- إصرار المؤتمر القومي العربي على اعتماد أسلوب الحوار في حل الخلافات البينية، سواء بين أقطار الأمّة أو داخل كل قطر، واتخذ المؤتمر لنفسه شعاراً هو «جسور بين أبناء الأمّة، ومتاريس في وجه أعداء الأمّة»، وهو شعار يعبّر عن إدراك الأمّة أن مخطط أعدائها يقوم على إشعال حروب التقسيم والتفتيت والإقصاء والتخوين والتكفير داخلها، وهو ما شهدته بعض أقطارنا العربية في إطار ما يُسمى بـ«الربيع العربي»، ولقد لقي أيضاً هذا الأسلوب اعتراضات وانتقادات وتهجماً من قبل من يريدون زجّ المؤتمر في آتون هذه الحروب، وهو في أصله ليس حزباً سياسياً أو قوة عسكرية، بل هو إطار تحاور وتشاور لا يُلزم أيّاً من أعضائه بأي موقف خاص به شرط أن لا يلزم موقف هذا العضو المؤتمر كله.
ومن هنا انطلقت من رحم المؤتمر والمؤتمرات الشريكة له مبادرات للحوار في سوريا واليمن وفلسطين، ومحاولات في مصر وليبيا، نجح بعضها جزئياً، وتعثّر البعض الآخر، ولكن بقي المؤتمر إطاراً يضم تحت سقفه آراء متعدّدة من دون أن يفقده ذلك التزامه بمبادئه الأساسية وموقفه الواضح من المشروع الصهيو–استعماري في المنطقة.
5- تبنّى المؤتمر منذ تأسيسه فكرة «الكتلة التاريخية» التي تضم كل تيارات الأمّة الرئيسية الملتزمة بالمشروع النهضوي العربي انطلاقاً من قناعة بسيطة، بأن ما من تيار، مهما بلغ حجمه، قادر على أن يتحمّل بمفرده أعباء النضال لتحقيق أهداف الأمّة ومشروعها الحضاري، وأن وحدة الأمّة وتحرير أرضها يتطلّبان قيام مثل هذه الكتلة على مستوى القوى الحيّة في الأمّة وداخل كل قطر.
ورغم الخطوات المهمة التي قطعها المؤتمر على طريق قيام هذه الكتلة، إلّا أن عوائق وصعوبات لا تزال تواجه هذا الأمر، ولا سيّما في العقد الثاني من هذا القرن الحادي والعشرين، وهو ما يستدعي مواصلة العمل من أجل قيامها بعد إجراء المراجعة الضرورية من قبل كل الأطراف المعنية.
6- إن المؤتمر، على مدى العقود الثلاثة ونيف التي مرّت على تأسيسه، كان حريصاً على أن يتخذ المواقف المبدئية من كل قضايا الأمّة، وإطلاق المبادرات العملية من خلال أعضائه في مواجهة كل الحروب والفتن والحصارات التي واجهتها أقطار هذه الأمّة.
فكان أوّل مواقفه بعد تأسيسه في ربيع 1990، هو رفض الغزو العراقي للكويت، ورفض الحرب الاستعمارية على العراق وما رافقها من حصار على الشعب العراقي، وكان أعضاء المؤتمر في مختلف الأقطار العربية في طليعة من أقام لجان رفع الحصار عن العراق وتنظيم رحلات برية وجوية لكسر هذا الحصار، وهو موقف تواصل على مدى عقدين من الزمن، حيث كان أعضاء المؤتمر في داخل الوطن العربي وخارجه في طليعة المبادرين لرفض الحرب على العراق عام 2003، ورفض الاحتلال الذي رافقها وإفرازات ذاك الاحتلال، وقد ساهم المؤتمر بعقد مؤتمرات عربية ودولية، سياسية وقانونية، انتصاراً للعراق ومقاومته، وهو ما تسبّب بحملة كبرى ضد المؤتمر مستهدفة شيطنته بل وإدراج بعض رموزه على قوائم المطلوبين من سلطات الاحتلال.
ولم يكن موقف المؤتمر من قضية فلسطين مختلفاً، فقد عارض منذ سنوات تأسيسه الأولى «مؤتمر مدريد» وأصدر بياناً تاريخياً فنّد فيه أسباب اعتراضه، كما أعلن معارضته الواضحة لـ«اتفاقية أوسلو» و«وادي عربة»، وقدّم بعض أعضائه ممن كانوا وزراء في الحكومة الأردنية استقالاتهم بسبب تلك الاتفاقية.
ما من تيار، مهما بلغ حجمه، قادر على أن يتحمّل بمفرده أعباء النضال لتحقيق أهداف الأمّة ومشروعها الحضاري


ومع اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، كان المؤتمر مع شركائه في المؤتمرات الشقيقة في طليعة المبادرين إلى تنظيم حملات ومسيرات ولجان ومجموعات التلاحم مع الشعب الفلسطيني، وهي فعاليات ما زال أعضاء المؤتمر حتى اليوم، من المحيط إلى الخليج، في طليعة المتصدّين بها لممارسات المحتل والمنتصرين لإرادة الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى مبادرة أعضاء المؤتمر إلى إطلاق دعوات المقاطعة للعدو وداعميه، ثم من خلال «المؤتمر العربي العام» إلى إطلاق حملات ومؤتمرات وفعاليات المطالبة بإسقاط «صفقة القرن»، كما بإسقاط اتفاقات التطبيع كافة في العديد من أقطار الأمّة.
ومع بداية الحرب الكونية على سوريا، كان أعضاء المؤتمر في العديد من أقطار الأمّة في طليعة من حذّر من مخاطر هذه الحرب التي تتذرّع بمطالب إصلاحية مشروعة للشعب السوري من أجل تحقيق أهداف مشبوهة تتضح معالمها يوماً بعد يوم، وأبرزها تدمير سوريا العروبة، مجتمعاً ودولة وجيشاً وبنى تحتية، وتمزيق وحدتها، واستباحة سيادتها، وتعطيل دورها القومي المقاوم. وسعى أعضاء المؤتمر إلى تنظيم عدّة فعاليات ومؤتمرات ضد تلك الحرب وما رافقها من حصار، كما أطلقوا مبادرات للحوار الداخلي في سوريا لم يُكتب لها النجاح بسبب دخول مبادرات رسمية عربية على الخط.
في اليمن، لم يكن موقف المؤتمر وشركائه مختلفاً، فقد أدان الحرب على اليمن وفيه، ساعياً أيضاً إلى حوار بين الأطراف اليمنية المتنازعة، وكلها لها ممثلون داخل المؤتمر، لكن هذه المبادرة تعثّرت أيضاً لأسباب ظاهرها لوجستي، وباطنها لا يعلمها إلّا الله.
في لبنان، انتصر المؤتمر، كهيئة جامعة، كما انتصر أعضاؤه في أقطارهم، لوحدة لبنان وعروبته ومقاومته للاحتلال، ونظّموا من خلال المؤتمر العربي العام مؤتمرات عدّة لدعم المقاومة كان أبرزها مؤتمر «رفض وصم المقاومة اللبنانية بالإرهاب» في 15 تموز عام 2016، إثر قرارات بهذا المعنى لوزراء الخارجية والداخلية العرب، وهو المؤتمر الذي اعتبره كثيرون عاملاً وراء عدم إدراج هذا البند في جدول أعمال القمة العربية في نواكشوط بعد شهرين من انعقاده وحضور شخصيات عربية وازنة من المحيط إلى الخليج، بل المؤتمر الذي أثار غضب بعض الأنظمة والملحقين بها ودعوتهم لعزل المؤتمر.
7- إن المؤتمر، منذ تأسيسه، وفي اجتماعه السنوي، كان يعتمد في مواقفه على المبادئ التي قام عليها مع قراءة موضوعية لـ«حال الأمّة» على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والديموقراطية وحقوق الإنسان، في ضوء تقرير «حال الأمّة»، كما في ضوء تقارير سياسية تناقشها الأمانة العامة في اجتماعاتها الدورية، كما في دورات المؤتمر، بالإضافة إلى أوراق يعدّها أعضاء مختصّون حول عناصر المشروع النهضوي العربي وما طرأ عليه من تطورات إيجابية أو سلبية خلال كل عام.
وهذه التقارير والدراسات التحليلية المعمّقة أعطت المؤتمر صفة الهيئة القومية المعتمدة في مواقفها على الرؤية العلمية، والعمق الفكري، على نحو أدى إلى تأهيل المؤتمر لأن يصبح جزءاً من المرجعية الفكرية والسياسية والتحليلية للمؤمنين بالمشروع النهضوي الحضاري للأمّة ينتظر الكثيرون مواقفه وتحليلاته، خصوصاً أن الكثير من هذه التحليلات الاستشراقية أثبتت صحتها، ولا سيّما توقّع المؤتمر المبكر لأفول عصر الهيمنة الأميركية ولدور أمّتنا في هذا الأفول.
8- اعتماد المؤتمر، في كل ما يقوم به، على موارده الذاتية من اشتراكات وتبرعات ومن تحمّل أعضائه تكاليف سفرهم وإقامتهم إلى كل دورات المؤتمر التي يحضرونها، كما يتحمّل الشباب القومي العربي تكاليف سفرهم في كل المخيمات السنوية التي يشاركون فيها، وندوات التواصل الفكري التي يعقدها، وبهذا يؤكّد المؤتمر استقلاليته رغم أنه يقع دائماً في عجز مالي سنوي ينبغي أن تكون معالجته في رأس اهتمامات المؤتمر وأمانته العامة.
كما أن الإمكانات المحدودة للمؤتمر حرمته من أن تكون له صحيفة باسمه أو قناة تلفزيونية، ناهيك عن إطلاق منصة إلكترونية متطورة تسمح لأعضائه بالتفاعل في ما بينهم، كما تسمح للمؤتمر أن يتواصل مع أكبر عدد من أصدقائه والمؤمنين بأهدافه.
ولعل من اللافت حجم الحصار الإعلامي الذي تعرّض له المؤتمر منذ تأسيسه، إمّا بسبب استقلالية مواقفه في العديد من القضايا، أو بسبب مبادئه العروبية الوحدوية النهضوية التي لا تتوافق مع سياسات ومصالح قوى الأمر الواقع على امتداد الوطن العربي.
9- نجاح المؤتمر رغم شح موارده أن يوجد لعمله آلية تنظيمية وإدارية دقيقة تواكب فعاليته وتنظم العلاقات بين أعضائه.
10- حرص المؤتمر، منذ تأسيسه، على الالتزام بالتقاليد والأصول الديموقراطية في اختيار أمينه العام وأمانته العامة عبر الانتخابات كل ثلاث سنوات تأكيداً لمبدأ التداول في المسؤولية، وحرصاً على إشراك أكبر عدد من أعضائه من الأقطار كافة في تحمّل المسؤولية.
فبالإضافة إلى التنوع الواسع في الشخصيات التي جرى انتخابها في الأمانة العامة، كان هناك حرص على التداول في منصب الأمانة العامة حيث أصرّ الأمناء العامون جميعاً على الاكتفاء بدورة واحدة رغم أن اللائحة الداخلية للمؤتمر تسمح لهم بدورتين متتاليتين.
ومن هنا جرى انتخاب تسعة أمناء عامين على مدى 32 عاماً، هم الراحل الدكتور خير الدين حسيب (العراق)، الراحل الأستاذ عبد الحميد مهري (الجزائر)، الراحل الأستاذ ضياء الدين داوود (مصر)، الأستاذ معن بشور (لبنان)، الأستاذ خالد السفياني (المغرب)، الأستاذ عبد الملك المخلافي (اليمن)، الدكتور زياد حافظ (لبنان)، الأستاذ مجدي المعصراوي (مصر)، الأستاذ حمدين صباحي (مصر)، دون أن ننسى الدور المميّز لمديرة المؤتمر التنفيذية مساعدة الأمين العام الأستاذة رحاب مكحل على مدى ربع قرن في متابعة الأمور التنظيمية والإدارية واليومية للمؤتمر.
إن نقاط القوة هذه، هي التي جعلت المؤتمر يستمر كل هذه السنوات، بل جعلت بعض أعضائه «الغاضبين» منه لسبب أو لآخر، يقاطعونه ثم يدركون طبيعة دوره ويعودون عن مقاطعتهم، ليجدوا صدر المؤتمر مفتوحاً لهم، لكن هذه النقاط لا تخفي نقاط ضعف واجهها المؤتمر في تجربته.

نقاط الضعف
1- عدم إدراك بعض أعضاء المؤتمر، حتى اليوم، طبيعته ومهمته ودوره، فبعضهم يريده حزبه الذي فقد ثقته به، وبعضهم يريده سيفاً ليشهره في وجه من يختلف معهم في الرأي أو حتى في الخلفية الفكرية والعقائدية، والبعض يريد أن يفرض عليه رؤيته أو رأيه دون أن يأخذ في الحسبان طبيعة التنوع الذي يحرص المؤتمر عليه.
هذا العجز عند البعض، عن فهم دور المؤتمر التاريخي، كإطار يعتمد القاعدة القائلة: «نعمل على ما نتفق عليه، وليعذر بعضنا بعضاً في ما نختلف عليه»، يؤدي أحياناً إلى فورات غاضبة ثم إلى مقاطعة من بعض الأعضاء الذين يعودون ليكتشفوا كم كانوا مخطئين بحق مؤتمر جامع يحرص على احترام كل مكوناته.
2- تسلّل بعض الأمراض التي عانت منها تنظيماتنا وأحزابنا ومؤسساتنا كالتكتلات والشللية وتغليب الاعتبارات الذاتية على الاعتبارات الوطنية والقومية وإشاعة أجواء التباعد بين أبناء التيار الواحد، وإثارة العصبيات الحزبية والصراعات القديمة، ما يؤدي إلى إضعاف المؤتمر وهزّ صورته أمام أعضائه والمؤمنين برسالته، ويسمح للمصطادين في الماء العكر بشن حالات وإطلاق شائعات لم تسلم أي دورة للمؤتمر منها.
3- رغم حرص المؤتمر منذ تأسيسه أن يعتمد شروطاً صارمة للعضوية فيه، بحيث لا يضم إلّا الأعضاء الفاعلين في مجتمعاتهم، سياسياً أو ثقافياً، حزبياً أو نقابياً، مؤسساتياً أو جمعوياً، إلّا أن البعض قد نال عضوية المؤتمر لاعتبارات غير موضوعية، ما أثّر على مستوى الأداء العام في المؤتمر، ولا سيّما أن بعض هؤلاء ومع اكتسابه العضوية قد بدأ يطمح إلى التسلق إلى مواقع أخرى ويعتمد الوسائل كافة لتحقيق ذلك.
4- إن بعض الأعضاء يتعامل مع المؤتمر وكأنه منظمة قطرية يريد زجّه في الصراعات الداخلية في كل قطر، فيما المؤتمر هو إطار قومي شامل ينبغي أن يحرص على عدم غرقه في الصراعات السياسية داخل الأقطار، وهنا نسجّل للعديد من أعضاء المؤتمر تجنيبهم إثارة شؤونهم الداخلية في المؤتمر وإبقاء صراعاتهم السياسية داخل أقطارهم.
5- إن بعض أعضاء المؤتمر يأتي إلى دورات المؤتمر من أجل أن يعزّز موقعه داخل حزبه أو قطره أو لدى الجهة التي يعتمد عليها، فيعمد إلى الحرص أن يسجل نقاطاً لصالح الجهة التي يمثلها، ما ينقل إلى المؤتمر خلافات وصراعات هو بغنى عنها.
6- إن التوازن الدقيق الذي يعتمده المؤتمر في مواقفه، بين المبادئ التي يقوم عليها من جهة، وبين الطبيعة المتعدّدة لتكوينه من جهة ثانية، وبين الظروف الواقعية التي يعيشها المؤتمر نفسه من جهة ثالثة، تجعله عرضة لنقد قاس من قبل البعض الذين لم يستطيعوا فهم طبيعة عمل المؤتمر وتنوع تركيبته ودوره.
7- إن العديد من أعضاء المؤتمر في الأقطار والبلدان التي يقيمون فيها لا يعقدون اجتماعات في ما بينهم داخل أماكن تواجدهم، ويكتفون باللقاءات خلال دورة انعقاد المؤتمر السنوية على الرغم من إشارة اللائحة الداخلية للمؤتمر إلى أهمية هذا الاجتماع للتنسيق بين أعضاء المؤتمر في القطر أو أماكن تواجدهم.
صحيح أن جائحة «كورونا» قد أوقفت بعض هذه الاجتماعات في بعض أماكن تواجد المؤتمر، لكن ضرورة عقد هذه الاجتماعات والتواصل بين الأعضاء في أماكن تواجدهم أمر في غاية الأهمية.
8- إن عدداً غير قليل من أعضاء أماناته العامة أو حتى أعضائه يتجنب الإشارة إلى صفته كعضو في المؤتمر أو إلى مواقف المؤتمر خلال مقابلاته الإعلامية أو مقالاته الصحافية، فيما تمتلأ شاشات التلفزة وصفحات الصحف بإطلالات لأعضاء المؤتمر، ما يوسّع دائرة العارفين بالمؤتمر وأهميته.
9- عدم الاهتمام كما ينبغي بالوضع المالي للمؤتمر الذي أصرّ أن يحافظ على استقلاليته من خلال تأمين موارده الذاتية من اشتراكات الأعضاء وتبرعات الأصدقاء.
صحيح أن أعضاء المؤتمر الذين يحضرون دورات المؤتمر السنوية يتحمّلون تكاليف سفرهم وانتقالهم، ويدفع معظمهم اشتراكاتهم، لكن هذا لا يعفي المتغيبين عن دورات المؤتمر من تسديد اشتراكاتهم السنوية إلى أعضاء الأمانة العامة للمؤتمر في أقطارهم كما إلى جمع تبرعات من الأصدقاء، إذ لا يجوز أن يقع مؤتمر بهذا الحجم في عجز سنوي رغم ضآلة نفقاته. كما أنه كلّما توفر للمؤتمر موارد أكثر، تمكّن من أداء دوره بشكل أفضل وتوسيع مجالات تحركاته ومستوياتها أيضاً.
إن المؤتمر القومي العربي، وكل شركائه والمؤسسات المنبثقة عنه، مدعوّون دوماً لتقييم جدّي لدورهم، بإيجابيات هذا الدور وسلبياته، على أن لا يؤدّي التقييم إلى تعتيم على الإيجابيات وتجاهل السلبيات، بل وإشاعة أجواء من الانقسامات دفعت حركة التحرر والوحدة في بلادنا أبهظ الأثمان بسببها.

* الرئيس المؤسّس للمنتدى القومي العربي