الماركسية مؤمنة

تدّعي الحركات التكفيرية الإسلامية والأصولية الدينية المسيحية بأنّ الماركسية إلحادٌ وكفرٌ. لكن كيف وكارل ماركس هو من قال عام 1847، بأنّ الأديان تطوّر هام في حياة الشعوب، إنما التطوّر العلمي من منظوره، هو القادر على اجتراح الأعاجيب للإنسان من دون منازع؟ إذا نقّبنا في القاموس عن فعل ألحد، نجد تفسير أنكر الشيء رغم رؤيته له.

ولو ألحد ماركس بالدين كما يدّعي المصطادون بالماء العكر، لكان قد قال بأنّ الأديان ولدت من رحم الأساطير! وبما أن لكلّ رجل دين طبيبه الخاص فهذا يعني أنهم رجال يقرّون بوضوح بأن السماء لو كانت قادرة بمفردها على اجتراح الأعاجيب للإنسان الذي تعتريه الأسقام، لكانت الصيدليات والمستشفيات قد اقفلت. ولكان البشر قد اقلعوا عن دراسة الطبّ وهذا ما يدل على صوابية فكر ماركس. أكثر من أساء إلى الأديان هم بعض رجالها الذين نشروا التعصّب ضاربين بعرض الحائط مقولتي الإنسان وجد قبل الأديان والأديان وجدت لتجمع لا لتفرّق. وما عدو الدين الأوحد سوى التعصّب.
جلّ ما تطالب به العلمانية هو توقف رجال الدين عن التدخل في الشؤون السياسية، مع كامل الحق لهم بالانخراط في العمل المسلّح المقاوم ضد العدوّ الأميركي ـــ الصهيوني. وكيف يكون الماركسي ملحداً، وهو المتأثر أشد التأثر بتواضع المسيح وغفرانه ومحبته والمعتبر بالنسبة إليه الاشتراكي الأول في العالم، وهو المعجب بالذكاء الخارق لنبي المسلمين محمد، وبكيفية تنظيمه للمجتمع واهتمامه بالعلم والطب، وحثه عنصر الشباب على الزواج في سن مبكرة، وحث الشعب على مقاومة كل مغتصب للأرض وهاتك للعرض. كل مؤمن حقيقي بعجائب السماء سيصل إلى اليوم الذي سيعترف فيه بأن الماركسي، في جوف نفسه وقلبه ترتع روح الله، لأنه يعرف أن طبيباً ماركسياً يعالج المرضى مجاناً، وأن تاجراً ماركسياً يكسو عرياناً وأن خبّازاً ماركسياً يقدم الأرغفة للجائعين. وما أكثر الماركسيين الذين نسخة طبق الأصل عن هذا الطبيب وذاك التاجر وذلك الخبّاز، وما الدين إلا المعاملة. لا يا سادة ليست الماركسية من صلب المسيح على خشبة الاستشهاد، وتقاضت أربعين فضية صهيونية. وليست هي من حلّل جهاد النكاح ليلاً وادّعى العفّة نهاراً، ليست الماركسيّة من يمنع النسوة من قيادة السيارات، ليعود ويلقي القبض على أزواجهن لينالوا نصيبهم من التعذيب الجسدي، ليست هي من قتل رجال الدين والفنانين، وليست هي من أحرق مقهى في طرابلس لأنه يقدم القهوة لغير الصائمين، ليست هي من يدعو إلى الفدرلة، وليست هي من يحرّض على عودة الامتيازات السياسية للأم الفرنسية الحنون إلى لبنان لتغتصب دستوره من جديد.
ريمون ميشال هنود