كانت المرة الأولى التي التقيت فيها عن قرب آل الأشقر - بعدما كان اسم أسد الأشقر يتردد على لسان أبي القومي العتيق عن رئيس الحزب الأسبق والنائب والسجين وعن زوجته المناضلة الجميلة والشجاعة رؤوفة - يوم كنت مع فريق عمدة الإذاعة والإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي، في منزلهم في رأس بيروت، نتابع ترتيبات النعي والدفن لرئيس الحزب الأسبق أسد الأشقر الذي توفّي عن شيخوخة جليلة ومعمّرة في حزيران عام 1986. رافق اسم الأمين أسد في الحزب، دوماً، جدل وحوار، بينه المؤيد وكذلك المنتقد والمعارض. لكن خلاصة الحوار كان الثابت فيها تقدير لسيرة مشوّقة لهذا الرجل المثقف والتغييري الذي واكب تأسيس الحزب مع المؤسس أنطون سعادة. وعرف عنه دوره وأعماله الكبرى في الاغتراب الأفريقي، وأنه هو من اهتم بطباعة أهم كتب سعادة في علم الاجتماع، «نشوء الأمم»، الذي كتبه في السجن، عند اكتشاف أمر الحزب لأول مرة. كما تردد اسمه بعدها عندما ظهرت قضية فايز صايغ ومأمون أياس عن لبننة الحزب، وتوالى تردّد الاسم في جرأته على الاعتذار من سعادة إذا لزم الأمر وعودته إلى القيادة وتنكّبه مسؤوليات عديدة، وصولاً إلى تسلّمه الرئاسة وسجنه مع القوميين وقيادة الحزب إبان الثورة القومية الاجتماعية الثانية عام 1962، كما تردد اسم بلدته ديك المحدي ومنزله حيث تم إلقاء القبض عليه والقيادة.
كان غسان أسد الأشقر شاباً يافعاً يوم حصول الانقلاب، وعرفنا لاحقاً أنه كان من الأسماء التي كانت مع القيادة التي تشكلت من لبنان إلى الأردن. بقي اسم الأمين غسان ملتصقاً باسم أبيه، أسد، في السيرة الحزبية والسياسية والنيابية، رغم أن الحزب القومي، في صلب مفاهيمه، بعيد عن تقليد الوراثة السياسية. لكن واقع هذا البيت السياسي بقي اسماً لامعاً وحاضراً، رغم محاولات تغييبه في منطقة المتن الشمالي، حيث تعرضت العائلة، من خلال سجن الوالد وظلم واضطهاد حالة الانعزال اللبناني آنذاك للقوى الوطنية والعلمانية إلى تدمير المنزل وتهجيرهم.
سرعان ما استعاد الأمين غسان مرحلة النهوض من جديد للحالة الوطنية في المتن الشمالي من خلال ترشحه إلى الانتخابات النيابية باسم الحزب. وكان دخوله البرلمان اللبناني لدورات ثلاث مع رفاقه، مدخلاً لطرح الأفكار الوطنية بجرأة ولتعزيز مطلب العلمانية في الدولة، رغم كل العراقيل والمصاعب ورغم تمادي الحالة الطائفية التي كرّسها من جديد النظام السياسي اللبناني في الطائف.
هل استطاع النائب غسان الأشقر أن ينجز التغيير المنشود منه؟ ربما له شرف المحاولة وشرف رفع صوته الجهوري عالياً تحت قبة البرلمان، وعلى منابر الكلام. كان دوماً يتحدث عن ظلامية غمرت بلادنا بسبب هيمنة عصر التتريك والجهالة على بلادنا منذ العهد السلجوقي العثماني إلى كل الاحتلالات التي طمحت ببلادنا وغيّرت شعبنا وروحيته الناهضة.
هذا كان خطابه، دوماً واثقاً من تراث أمته النهضوية، وقد اهتم كثيراً بتوزيع كتاب أبيه عن تاريخ سوريا ونشوء العالم العربي. كان همّه تعزيز المعرفة وتمتين ثقة أبناء شعبنا بتاريخ أمته الحضاري، وهو تخصص في الفنون واللغات القديمة. إنه الإصرار على صناعة التغيير، في إصراره على الترشح أكثر من مرة للنيابة، عدا موقعه في عضوية المجلس الأعلى للحزب، وفي كلا الموقعين كانت نيته جعل النضال أفضل وأكثر تعبيراً، عن معايير النهضة التي شاءها أداة بناء لمجتمع. الأمين غسان الأشقر قامة نهضوية واجه وصمد وقال كلمته للتاريخ ومشى.

* عضو المجلس الأعلى في الحزب القومي