لم يكن الثاني عشر من تموز 2006 يوماً عادياً في حياة لبنان والأمّة كلها، كما لم تكن الحرب التي شنّها العدو الصهيوني على لبنان يومها، واستمرت ثلاثة وثلاثين يوماً، محطة عادية من محطات العدوان الصهيوني - الاستعماري المستمر على أمّتنا، بدءاً من فلسطين، والذي لم يتوقف يوماً بل ما زال مستمراً بأشكال متعددة ضد أبناء الأمّة باختلاف مشاربهم وأفكارهم وانتماءاتهم. ورغم أننا كنّا من المدركين أن مثل هذا العدوان بدأ التخطيط له منذ هزيمة جيش الاحتلال واندحاره من الشريط الحدودي في 25/5/2000، وذلك ثأراً لهزيمته المنكرة وفرار جنوده مع عملائه من أرضنا المحررة، لكنّ كثيرين كانوا يعتقدون أن هذه الحرب العدوانية ستؤدي إلى تصفية المقاومة وتحويل لبنان إلى قاعدة للمشروع الصهيوني - الأميركي، وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد حرب 1982، واتفاق 17 أيار 1983، ولم يتحقق بعد عدوان نيسان عام 1996، بل بعد عدوان تموز عام 1993. فوجئ كثيرون بصمود لبنان، شعباً وجيشاً ومقاومة، في مواجهة ذلك العدوان الذي استخدم فيه العدو أسلحته كافة، البرية والجوية والبحرية، كما رأوا في فشل العدو في تحقيق أهدافه تأكيداً لمقولة أطلقها سيد المقاومة السيد حسن نصر الله بعد حرب التحرير: «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، وهي مقولة تتأكد صحتها كل يوم في فلسطين وأرضنا العربية بعدما ظنّ الأعداء أنهم بالتحريض على المقاومة، وشيطنتها وشن كل أنواع الحروب والحصارات عليها وعلى شعبها ودولتها، قادرون على إلغاء تلك المقولة التاريخية حول «بيت العنكبوت».
هزائم العدو وانتصاراتنا التي بدأت في شوارع بيروت عام 1982، حين خرج المحتل مهرولاً ومنادياً بأعلى صوته «يا أهل بيروت لا تطلقوا النار علينا... إننا خارجون من مدينتكم»، ثم استكملت وتواصلت في الجنوب عام 1993 و1996، و2000، ثم في عام 2006، كما تواصلت مع اندحار جيش العدو عن غزة عام 2005 ثم في حروب أعوام 2008 و2012 و2014 ثم عام 2021، كانت لها محطة مهمة في عدوان تموز 2006 الذي لم يستطع العدو حتى الآن معالجة نتائجه.
وبقدر ما فوجئ العدو بالصمود العسكري الرائع للمقاومة والجيش، فوجئ بالروح الوطنية الوحدوية العالية التي استقبل بها اللبنانيون في قراهم وبلداتهم، في بيوتهم ومدارسهم، في مساجدهم وكنائسهم، إخوانهم أبناء الجنوب والضاحية الجنوبية، مكذّبين ذلك الانطباع الخاطئ الذي أشاعه البعض بأن اللبنانيين ناقمون على المقاومة، وأنه مع أوائل صواريخ القصف الصهيوني سيخرج الناس إلى الشوارع طالبين الخلاص منها.
كما فوجئ العدو ومن معه أيضاً بوجود رئيس للجمهورية كالعماد المقاوم إميل لحود يتصدّى بحزم لكل محاولات الالتفاف السياسي على المقاومة بعدما ظنّت تل أبيب وواشنطن ومن معهما أن الحملات التي تعرّض لها الرئيس لحود قبيل العدوان قد جعلته ضعيفاً عاجزاً عن اتخاذ المواقف الشجاعة والصلبة.
ولكن الأهم في انتصارنا في تموز/ آب 2006 يكمن في أنه تمّ في ظروف محلية وإقليمية ودولية لم تكن مؤاتية على الإطلاق، فيما اليوم تبدو الظروف أكثر ملاءمة لهزيمة العدو من جديد إذا قرّر الاعتداء على لبنان، بدءاً من السطو على ثروته النفطية والغازية.
فللواثقين من أمّتهم، تبقى حرب تموز 2006 نقطة مضيئة في مسيرتهم النضالية الطويلة. أمّا للمشككين، من أصحاب النيات الحسنة، فإن نتائج تلك الحرب يجب أن تبقى درساً يتطلب قراءته جيداً. أمّا للمحرضين على المقاومة، فيجب أن يدركوا أن مقاومة صمدت في وجه واحد من أعتى جيوش العالم ومدعوم من أكبر قوة في العالم لن يستطيع تحريض طائفي من هنا أو تجييش مذهبي من هناك أو شيطنة من هنا وهناك أن يسقطها، وهي التي أسقطت بالتكامل مع حلفائها وداعميها العديد ممن حاولوا إسقاطها.
واليوم، وبعد 16 عاماً، يشعر اللبنانيون بأن الحرب عليهم لم تنته بعد، وأن انتصارهم على أعداء الخارج وفاسدي الداخل لم يستكمل بعد.

* الرئيس المؤسّس للمنتدى القومي العربي