«أحمل لكم رسالة أمل، سأكون معكم مجدداً، ولن يطول الدرب نحو ذلك»[كوامي نكروما، راديو كوناكري - كريسماس 1966]

برز الرئيس الغاني الأسبق كوامي نكروما (1909-1972) بين قادة وزعماء القارة الأفريقية الذين قدّموا إسهاماً نظرياً مهماً طوال مسيرته، من زخم حركة التحرّر الوطني حتى تحقيق الاستقلال الوطني وانكسارات «المشروع الوطني» في مراحله اللاحقة. وبغضّ النظر عن الاضطرابات التاريخية التي راوغت تفسيرات نكروما واضطرّته في أحيان كثيرة إلى مراجعة أفكاره، ولا سيما بعد انقلاب شباط 1966 وما تلاه من عزلة متصاعدة حتى وفاته في العاصمة الرومانية بوخارست، فإن انتقال نكروما من الأفكار الماركسية اللينينية، في عنفوان شبابه، نحو تبنّي واقعية سياسية لامست، في بعض الأحيان، تقارباً مع بعض «مخالب الإمبريالية» (ولا سيما إسرائيل على الصعيدين التجاري والأمني)، ثم عودته، على نحو أكثر راديكالية، لتبنّي أفكار ناقدة لمجمل مسار حركة الوحدة الأفريقية، فكرياً وحركياً، مثّل تجربة ثريّة للغاية تحمل الكثير من الجدل، فيما تحل راهناً الذكرى السبعون لقيام ثورة يوليو التي تقاطعت بدورها مع حياة نكروما في محطات مهمة للغاية في فهم الثورة وفكرها من زاوية «أفريقية»، وليس العكس كما جرى الأمر عربياً.

مشروع نكروما الاشتراكي: «رأسماليّة دولة مشوّهة»
تبنى نكروما، الذي فاق ناصر عمراً بنحو تسعة أعوام، جهداً نظرياً لتفسير الأسس التي قادت إلى التخلّف في أفريقيا في أربعينيات القرن الماضي؛ كما اتضح في مقاله الأبرز وقتها Towards Colonial Freedom» (1947)»، وضمّ خطوط فكرته بوضوح، ومنها أن مجمل سياسة المستعمر الإبقاء على الأفريقي في حالته البدائية وجعله تابعاً اقتصادياً للأوّل. وفي سبيل ذلك، يقوم المستعمر بتقديم القروض واستثمار رأس المال في تحسين وسائل الاتصالات المحلية وخدمات الرفاه الاجتماعي، وأن حجم التجارة الكبير يرافقه سيطرة احتكارية صارمة تحول دون مشاركة الأفريقي الأرباح الرأسمالية. كان نكروما وقتها ماركسياً يتبنى تفسيراً لينينياً كاملاً، خلاصته أن الإمبريالية تنشأ من حاجة المجتمعات الرأسمالية لمنافذ لرأس المال الاستثماري، وأن الإمبريالية والاستعمار نتيجة حتمية للنظام الرأسمالي. اضطرب موقف نكروما لاحقاً، وفقاً لكينيث غروندي (1963)، بين هذه الرؤية اللينينية وسياساته التي حكمتها عملياً رؤية أن المستعمرات والإمبريالية ليست بالضرورة «أعلى مراحل الرأسمالية»، بل إنها نتيجة للخيارات السياسية التي تقوم بها الحكومات الإمبريالية، وهي الرؤية التي تبنّاها عدد كبير من قادة الدول الأفريقية عشية استقلالها مثل نيجيريا وساحل العاج والسنغال.
كما رأى نكروما (1955) أن القبلية في أفريقيا من أهم عوامل التخلّف، وهاجم «الإقطاع القبلي» لأن الاستقلال السياسي غير مكتمل دون القضاء على العناصر «الإقطاعية» في المجتمع الأفريقي، ولا سيما مع تمترسها في المناطق الريفية (التي تغذّت على سياسات «الحكم غير المباشر» التي طبقتها بريطانيا)، وأنه لا يمكن تحقيق تقدّم اجتماعي أو السقوط الكامل للإمبريالية طالما أن بقايا الإقطاع لا تزال قائمة في هذه البلاد (غانا). ورأى نكروما أن أفرقة، أو غانية (Ghanaianization)، الإدارة العامة جانبٌ مهم للاستقلال السياسي. وبينما أقرّ بالحاجة إلى تولّي الدولة الدور الرئيسيّ في رفع رأس المال الاستثماري، لم يدعم عملياً خطة شاملة لتأميم شركات الأعمال التي يملكها الأجانب، كما أن الدستوري الغاني كان يضمن تعويضاً مناسباً للشركات الأجنبية حال مصادرتها، كما طمأن نكروما هذه الشركات (1960) لافتاً إلى أن التأميم «ليس في الأفق» وأن بلاده بحاجة إلى الاستثمارات في رأس المال الأجنبي وأن حكومته على استعداد للإقدام على إجراءات لضمان حمايتها، وأن الاشتراكية تختلف من بلد لآخر (في افتراق بيّن عن التصور اللينيني)، في معرض تهدئة مخاوفها من تبنّي البلاد النظام الاشتراكي.
وهكذا كانت رؤية نكروما للنظام الاشتراكي، أو رأسمالية الدولة كما جرى في التجربة المصرية، غير مصحوبة بسياسات عملية قابلة للتطبيق، وربما يمكن تفسير ذلك في ضوء طبيعة الاقتصاد الغاني وطول ارتباطه بنظيره «الاستعماري» على نحو كامل.

«مناظرة القاهرة» (يوليو 1964)
بدت مصر وغانا، قبيل منتصف الستينيات، من أهم ركائز المقاربات الدولية للقارة؛ ورأت دول غربيّة، وإسرائيل، أن غانا الباب الواسع للتأثير في سياسات دول أفريقيا جنوب الصحراء (أو تحجيمها)، ولا سيما في ملفات مثل أزمة الكونغو ونظم الحكم العنصرية. وبدافع من نموّ مكانة غانا في دوائر السياسة الدولية، علا صوت نكروما في سياسات الوحدة الأفريقية بشعاره الشهير: «الولايات المتحدة الأفريقية»؛ لكن رؤية ثورة يوليو بقيادة ناصر لهذا الملف تحديداً كانت مغايرة تماماً، وتبلور هذا التباين في قمّة منظمة الوحدة الأفريقية الثانية بالقاهرة في مقر جامعة الدول العربية (يوليو 1964)؛ فقد أكد ناصر لزعماء القارة الحاضرين (نحو 30 زعيماً) ضرورة نسيان خلافاتهم وإقامة «روح حقيقية من التفاهم»، وأنه دون إرادة متّحدة ورغبة في الوحدة فإن الأخيرة لن تتحقق إلا صورياً، وأنه «ليس مهماً أن تصدر من هنا أكثر القرارات رنيناً، وإنما المهم أن يصدر عنا ما يمثل روح وحدتنا الفكرية، وقدرتها الثورية على تطوير نفسها»، قبل أن يلفت إلى أن أولى الخطوات نحو ذلك هي «وحدة الفكر، ولا تتحقق وحدة الفكر إلا باللقاء المباشر على أعرض الجبهات».
وفيما افترقت رؤية ناصر عن نكروما في خريطة طريق «الوحدة الأفريقية» بين مسار متمهّل وبخطوات متراكمة لدى الأوّل، أو كما لخصه في الخطاب «لا بد أن تبقى فعالية الثورة الأفريقية وحيويتها الخلّاقة تعمق الاستقلال بمضمون اجتماعي شامل: سياسي، واقتصادي، وثقافي»، وعمل فوقي سريع بتكوين مؤسسات قارية سياسية وعسكرية واقتصادية لفرض الوحدة لدى نكروما، إلا أن رؤيتهما اقتربت كثيراً في مسألة «الاستعمار الجديد». ولفت ناصر، كما نكروما، في مواضع متفرقة، إلى خطورة عودة تحكم المستعمر على نحو أعتى مما كان عليه قبل الاستقلال بسبب حاجة الدول الأفريقية وعجزها، ورأى مراقبون غربيون وقتها أن خطاب عبد الناصر موجّه بالأساس مقابل اقتراح كوامي نكروما بأن تقدم الدول الأفريقية المستقلة على التوحد «فوراً في اتحاد» سياسي.
بدت مصر وغانا، قبيل منتصف الستينيات، من أهم ركائز المقاربات الدولية للقارة؛ ورأت دول غربيّة، وإسرائيل، أنّ غانا الباب الواسع للتأثير في سياسات دول أفريقيا جنوب الصحراء


غير أن ناصر ربط تناول «الاستعمار الجديد» بقضية مصر الرئيسيّة: إسرائيل، بوصفها قاعدة للاستعمار الجديد وجزءاً من أساليبه «ومن محاولاته لاتخاذ القواعد، قصد إبقاء السيطرة ومواصلة التهديد والاستغلال» قبل أن يربطه بنظيره في أفريقيا الجنوبية. ولم يلق هذا التناول ــ بشكل غير مباشر ــ اقتناعاً كاملاً لدى نكروما، فقد ظلّت علاقته متوازنة (لا ترقى إلى العداء الصريح) منذ محاولة اغتيال نكروما في آب 1962 وعرض إسرائيل (التي استبعد نكروما تورّطها في المحاولة عكس العديد من الدول الغربية) تقديم خبرتها الأمنية لأكرا، الأمر الذي أبدى نكروما انفتاحاً مبدئياً عليه دون التوصل إلى اتفاق «رسمي» لاحقاً (وهو إجراء كان متّبعاً في ارتباطات إسرائيل الأمنية بعدد من دول القارة). ويمكن فهم توجّه نكروما في ضوء موقفه «المعتدل» تجاه إسرائيل التي وصفها بأنها «جيب إمبريالية»، لكنها «ليست مصطنعة» (في إشارة إلى ما يراه حقاً يهودياً في فلسطين التاريخية) مثل روديسيا (حيث ترسّخ نظام استيطاني عنصري) وقبوله مبدأ شراء إسرائيل أسلحة «من الشيطان» (فرنسا) لحماية نفسها، وما ارتبط بذلك من تجاهله دعم الموقف الأفريقي للجزائر في نضالها ضد فرنسا، بما يتّسق مع رؤيته لسلمية النضال الوطني حينذاك.

إسرائيل ونكروما: «الأمن» في خدمة الاستعمار الجديد
حاولت إسرائيل دون نجاح، وفق دراسة لزاك ليفي، مراكمة نفوذها التجاري في غانا (والذي تقاطع مع سياسات مصر في قناة السويس) عبر إضافة التدريب العسكري ومبيعات الأسلحة. ففي نهاية حزيران 1960، تفاوضت إسرائيل، بدعم بريطاني واضح، مع الحكومة الغانية على بيع مدافع 81 مم وذخيرة. وفي الشهر نفسه، أتمّ طيّارون من غانا أولى دوراتهم التدريبية في مدرسة طيران يديرها إسرائيليون في غانا (والأخيرة من نوعها) حتى سقوط نكروما بعدما طلبت أكرا من البريطانيين تولّي إدارة الأكاديمية وتدريب قوتها الجوية الحديثة النشأة ليقتصر حضور الخبراء الإسرائيليون في غانا على القوات البحرية وتدريب «الرواد الشباب». وفي عام 1961، سمح نكروما بوجود بعثة عسكرية سوفياتية في أكرا لتدريب الجنود الغانيين على الأسلحة السوفياتية الصنع. وهكذا تبنّت غانا خليطاً انتقائياً من إجراءات التدريب ومشتريات الأسلحة، وتراجع الحضور الإسرائيلي تدريجاً بعد مؤتمر الدار البيضاء بخصوص الكونغو (1961) ووصل عدد أفراد البعثة العسكرية الإسرائيلية في غانا إلى 3 ضباط فقط. إضافة إلى تباين مواقفهما إزاء مسألة الكونغو ورفض إسرائيل سياسات نكروما الداعمة لباتريس لومومبا (حيث أرسل معظم جنوده للعمل ضمن قوات الأمم المتحدة) أو ما يوجزه بدقة ليفي بأن رغبة إسرائيل في إظهار قدرتها وتصميمها على تقدم المصالح الغربية في أفريقيا قد أسهمت في عدم اتفاق متصاعد بين استراتيجيتها في القارة وطموحات نكروما.
لكن ظلت ــ حسب مراقبين كثر ــ الصلات الأمنية بين إسرائيل وغانا قائمة. ورغم تحذيرات الخارجية الإسرائيلية من احتمالات إقدام نكروما على قطع صلاته مع إسرائيل، استبعدت تقديرات أخرى ذلك «لأن إسرائيل تزوّده بمعلومات حول أنشطة مصر ودول عربية أخرى في أجزاء متفرقة من أفريقيا». ورغم مواصلة نكروما الفصل بين الصلة الأمنية مع إسرائيل والعلاقات السياسية والعسكرية معها، فإن العامل الأمني كان الأكثر بروزاً في انقلاب ج. أ. أنكراه على نكروما (24 شباط 1966) خلال زيارة الأخير لبكين. فقد كان المنسق الرئيسي لمجموعة الانقلاب (التي ضمّت قيادات من الشرطة والجيش في ما عرف بـ«Operation Cold Chop») مفوض الشرطة ج. هارلي الذي قاد بنفسه مراحل عملية التنفيذ في الفترة من أيلول 1965 - شباط 1966، ونجح في ذلك كونه موضع ثقة لدى نكروما الذي اعتبره خبيراً في حماية النظام، ومعرفته النافذة بالجهاز الأمني وتطويره نظام اتصالات ماهراً مع الجيش، الأمر الذي يرتبط بالضرورة بمساعدات إسرائيل الأمنية للشرطة الغانية حتى سقوط نكروما.
كما أن إسرائيل بدت جاهزة تماماً لما بعد نكروما؛ فقد تزامن وقف أنكراه تقارب بلاده مع الصين مع طرح سفير إسرائيل في غانا موردخاي شاليف ضرورة تقديم الخارجية الإسرائيلية قرضاً كبيراً «يفسح الطريق أمام عودة إسرائيل للوضع المميز الذي طالما تمتعت به في أكرا»، وقدم طلبه مباشرة لأبا إيبان (الذي كان قد تولى لتوّه منصب وزير الخارجية). لكن موشيه ليشم، مدير قسم أفريقيا، رفض تقديم أي قروض (مرحلياً) لغانا ما بعد الانقلاب استناداً إلى احتمالين، أولهما فرصة عودة نكروما إلى أكرا، وتحجيم مثل هذه الخطوة (التقارب مع أنكراه) لمكانة إسرائيل في أماكن أخرى في القارة. وبينما لم يتحقّق الاحتمال الأوّل، فإن مكانة إسرائيل في أفريقيا تراجعت بقوة بعد حرب حزيران 1967 على مصر.

نكروما وناصر: البحث عن الزمن الضائع
كان خطاب جمال عبد الناصر في القمة الأفريقية الثانية (1964) بمثابة رؤية استشرافية لمآلات العمل الأفريقي الوحدوي حال المبالغة في إثقاله بأجندة حالمة وقافزة فوق المسارات التاريخية الواقعية؛ لكن المفارقة أن نكروما اقترب كثيراً من خطاب ناصر بعد مرور نحو عقد كامل. وفي واقع الأمر، فإنه في الوقت الذي واجه فيه نكروما عزلة في أيامه الأخيرة في العاصمة الرومانية بوخارست (التي توفي فيها نهاية نيسان 1972) فإن مؤلفه الأخير Revolutionary Path» (1973)» تضمّن تقييماً نقدياً للوحدة الأفريقية بعد مرور عقد تقريباً على قيام منظمتها، مفاده وجود فجوة بين منجزاتها الفعلية والمفهوم الجوهري لاتحاد قاري أفريقي، ولفت في فقرة فارقة الى أن «الثورة الأفريقية وصلت بالفعل إلى المرحلة المسلحة، لكن النضال يفتقر إلى أساس إقليمي قوي، وتماسك سياسي وعسكري كاف، ووضوح أيديولوجي (كما في نص ناصر قبل 10 أعوام). إن التحرك الموحد يتطلب أيديولوجيا قائماً على تحليل صحيح للوضع الثوري. ومن ثم يجب أن تكون الأولوية الأولى خلال النضال للتعليم والتدريب الأيديولوجي الجماهيري».، كما حظيت مسائل أفريقيا الجنوبية باهتمام نكروما الذي انتقد في مؤلفه تعاظم الحوار الأفريقي مع دولها العنصرية على حساب الحوار الأفريقي ــ الأفريقي ككل، مثل مسألة غزو غينيا (1970) وفشل المنظمة في حشد موقف موحد إزاءها خلال قمة لاغوس الطارئة في العام نفسه، حيث لاحظ تحمس المشاركين لاقتراح تكوين «قيادة عليا» (ضمن تصوراته الأولى للمنظمة)، لكن الاجتماع لم يتجاوز توصية وجوب تناول «إمكانات التعاون العسكري الإقليمي» لاحقاً.
وفي تراجع عن موقفه المتحفّظ إزاء «النضال المسلح»، واصل نكروما رؤيته وجوب تكوين قيادة أفريقية عليا وحزب سياسي وحدوي أفريقي ومجلس تنفيذي أفريقي «كخطوة أولى في سبيل تأسيس حكومة اتحاد أفريقي» لإكساب النضال توجّهاً سياسياً وعسكرياً موحداً ولمواجهة العدوان الإمبريالي والاستعماري الجديد المتصاعد وربطها بوجوب أن تكون استراتيجية وتكتيكات حركات وتنظيمات مقاتلي الحرية منسّقة ومجتمعة، وأن تتوسع عملياتهم. إذ يمكن عبر معسكرات الجماعات المسلحة، وفي أعماق الغابات، أن تظهر قيادة جديدة نوعاً ما تحتاج إليها أفريقيا بقوة.

خلاصة
قال نكروما، في خطاب أرسله من منفاه إلى جون ميلن منتصف عام 1966 (نشرت مجموعة الخطابات كاملة في عام 1990): لم أعد مهتماً بالكومنولث ولا منظمة الوحدة الأفريقية «لأن الأولى تصبح مجرد أداة للاستعمار الجديد وأن مفهومها لم يعد متصلاً بالنضال الأفريقي». أمّا مؤتمر منظمة الوحدة 1966 فإنه أصبح بالفعل «خيبة حقيقية» ودالّاً على أن المنظمة، التي وصفها نكروما قبيل وفاته بأنها «دمية»، آخذة في الانهيار. ورغم أمل نكروما نهاية 1966 بالعودة إلى قيادة بلاده (في آخر رسالة صوتية سمعها الشعب الغاني من نكروما عبر إذاعة كوناكري)، فإن هذا الأمر لم يتحقق، وتعمق الشعور بالانكسار الشخصي مع تراجع حظوظ عودته إلى غانا زعيماً متوّجاً، ويمكن أن يسهم ذلك في تفسير تبنّيه رؤى راديكالية في سنواته الأخيرة (1966-1972) مثلت انقلاباً على مقاربته «الواقعية» في سني حكمه. ومن ذلك خطاب آخر لميلن (26 آب 1967) رأى فيه أن تحقيق «الثورة الأفريقية» يتطلب مبدأين أساسيين، وهما: مبدأ المساواة الأساسية لجميع الشعوب والأعراق، ومبدأ التضامن بين الشعوب المقهورة في دول العالم كافة. وما عبّر عنه في خطاب تالٍ، في جنوح أيديولوجي لم يتوفر له أدنى أساس من الواقع؛ عن أمله بتوحّد العالم الاشتراكي والشيوعي لأن الوحدة بين روسيا والصين ستفرض «مخافة الرب على أميركا».

* باحث مصري متخصّص في الشؤون الأفريقية