حظيت قضيّة التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط بعد الغزو الروسي لأوكرانيا باهتمام كبير، مع تحفّظ شركاء أميركا في المنطقة على أفعال كإدانة العدوان الروسي والحفاظ على المستويات الحالية لإنتاج النفط وغيرها. نشرت في الأسابيع القليلة الماضية العديد من التحليلات التي تطالب الولايات المتحدة بـ«إعادة الالتزام» بالمنطقة، وذلك بحجة أنه يقع على عاتق واشنطن مسؤولية إعادة ترميم العلاقات. ورد في مقال رأي، نشر أخيراً في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن على الولايات المتحدة تعزيز «الثقة بالقوة والعزم الأميركيَّين» مع شركائها في المنطقة بما في ذلك الاستعداد لاستخدام «القوة والترهيب كأدوات ديبلوماسية». وجادل كتّاب آخرون بأنه، وفي حال لم تقدم أميركا على ذلك، فإن المنافسين لها، مثل الصين، سيستفيدون استراتيجياً على حساب المصالح الأميركية. وفي الاتجاه عينه، كان شركاء أميركا في المنطقة يروّجون لسرديّة مفادها أن كل هذه التوترات ما هي إلا نتيجة لأفعال واشنطن. واقترن ذلك مع دعوات من جانب هذه الأنظمة لكي تزيد الولايات المتحدة من التزامها الأمني بالمنطقة، وبلغ الأمر ذروته مع مطالبة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمعاهدة دفاع رسمية، أو المخاطرة بتحوّل هذه الدول، وبشكل متزايد، باتجاه كل من بكين وموسكو. وعليه، كتب وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو مقالاً، بعد فترة وجيزة من نشر تقارير حول هذه المطالبات، داعياً إلى احتضان هذه الدول كـ«طامحين ليكونوا حلفاء» كي لا نتنازل عن هذه البقعة لصالح روسيا والصين، على حد تعبيره.خلافاً للحال مع حلفاء أميركا الرسميين في كل من أوروبا وشرق آسيا، ليس ثمّة معاهدة دفاع مشتركة بين الولايات المتحدة وأي من دول الشرق الأوسط. وممّا لا شك فيه أن السبب الرئيسي وراء مطالبات هذه الدول بالتزام أميركي أكثر رسميّة، هو أنه وفي حال قوننة مسألة الدفاع، فسيكون الدعم الأميركي ثابتاً ومضموناً بغض النظر أي من الحزبين في السلطة بواشنطن. يضاف إلى ذلك، ضمان استمرارية الدعم الأميركي رغم توجه الأميركيين نحو أوروبا وشرق آسيا. رغم ذلك، فإن التزاماً كهذا لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة. ولا يقتصر الأمر هنا على مخاطرة الأميركيين في الوقوع بشرك سلوكيات هذه البلدان، بل لأن لمثل هذه الالتزامات أن تضفي طابعاً رسمياً على التزام أميركا بالوضع الاستبدادي الراهن في الشرق الأوسط والذي يعدّ المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار فيه.
من هنا، يجب على واشنطن إعادة التفكير جذرياً في نهجها تجاه الشرق الأوسط فيما تدخل حقبة جديدة من تنافس القوى العظمى مع روسيا والصين. إذ لا يشكّل اتجاه هذه الدول إلى موسكو أو بكين، كضامني أمن أساسيين، خطراً حقيقياً، فما نشهده هو مجرّد تلاعب بسياسات القوة العظمى من قبل هذه الأنظمة على أمل الحصول على تنازلات. وذلك من خلال استغلال مخاوف واشنطن من فقدان موقعها النسبي لصالح روسيا أو الصين. إذ يشكّل الالتزام الأمني الرسمي هنا التنازل النهائي الذي يمكن أن يحصلوا عليه من قبل أميركا. وهنا إن ما يستوجب على الولايات المتحدة أن تدركه أن دعمها التاريخي لهؤلاء المستبدين قد أدّى إلى نتائج عكسية بشكل كبير على مصالحها الخاصة، وهو ما سمح لهذه الدول بالإفلات من العقاب على تصرّفاتها في الداخل والخارج.

الشرق الأوسط والاستبداد وتنافس القوى العظمى
إن واقع عودة تنافس القوى العظمى في الشرق الأوسط -وعودة ظهور التعددية القطبية العالمية بشكل عام- أحد أكثر الأسباب المتكرّر تداولها، والتي تدعو الولايات المتحدة إلى بقاء انخراطها بعمق في المنطقة. وكان البنتاغون قد أعرب عن قلقه بشأن توسّع وجود الصين وروسيا في الشرق الأوسط، وهنا ضغطت واشنطن بشكل متزايد على شركائها الإقليميين بشأن علاقاتهم مع بكين وموسكو، وإن بلا جدوى.
يجادل بريت ماكغورك، وهو المنسق الحالي للبيت الأبيض لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأن هذه الشراكات توفّر للولايات المتحدة «ميزة نسبيّة فريدة» مقارنة بمنافسيها من القوى العظمى الأخرى في المنطقة. وترسم هنا رسائل العديد من المسؤولين الأميركيين ثيمة موحدة مفادها: كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وعن شركائها الإقليميين، كلّما سعت روسيا والصين لملء هذا الفراغ. وقد أعرب شركاء أميركا أنفسهم عن شعور مماثل، محاججين بأن الدعم القوي والمستمر من الولايات المتحدة يسمح لواشنطن بالتخلي عن الكثير من «أعبائها في الإقليم» مع سعيها إلى التحوّل استراتيجياً بعيداً من الشرق الأوسط، بينما يهدّدون في الوقت ذاته بـ«التحوّل إلى مكان آخر - روسيا والصين» إذا كان ضمان استمرارية هذا الدعم على المحك.
ليس هنالك شك في حقيقة توسيع كل من روسيا والصين لوجودهما، وبشكل كبير، في الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، فإن كلاً منهما ليستا قادرتين على ملء «الفراغ» الأميركي في الشرق الأوسط، بل لا ترغبان في ذلك. فكما ذكرت من قبل، تستفيد روسيا والصين من النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط -فهم انتهازيون وليسوا تحريفيين- وليس لأي منهما القدرة أو الرغبة في بناء ودعم نظام سياسي وأمني جديد في المنطقة. فكما أظهرت التجربة الأميركية في الشرق الأوسط، فإن النظام الإقليمي الذي تدعمه قوة خارجية مهيمنة يتطلّب قدراً هائلاً من الموارد السياسية والاقتصادية والعسكرية. بينما تواجه كل من روسيا والصين مشكلات اقتصادية كبيرة في الداخل، لا سيما موسكو بعد غزوها الكارثي لأوكرانيا المجاورة. كما أن موسكو وبكين مقوَّضتين بسبب الطبيعة الاستبدادية لحكومتيهما، حيث يحتاجان إلى تخصيص كمّيات هائلة من الموارد للأمن الداخلي من أجل الحفاظ على سلطتهما. علاوة على ذلك، فإن العديد من التطورات التي حققتها روسيا والصين في الشرق الأوسط ترجع إلى حقيقة أنهما فصّلتا وقسّمتا سياساتهما الخارجية في المنطقة. ولذلك، فإن قدرتهما على الامتناع عن الانحياز إلى جانب أي طرف في العديد من المنافسات الجيوسياسية في المنطقة سوف تتقوّض بشدّة إذا تخلّت الولايات المتحدة عن دورها كضامن أمني للمنطقة. وجدير بالإشارة هنا أن الدول الإقليمية تعي جيّداً محدودية قدرات روسيا والصين فلا تعتبرهما بدائل لواشنطن قابلة للتطبيق. ولذلك سعت هذه الدول إلى التلاعب بعودة منافسة القوى العظمى من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية. فواقع الأمر هو سعي شركاء أميركا الاستبداديون في المنطقة إلى التلاعب بقلق واشنطن بشأن فقدان مركزيتها النسبية لصالح روسيا والصين، وذلك ما أدّى إلى نوع من النفوذ العكسي (reverse leverage).
من هذه الخلفية فقط يمكننا فهم أفعال هؤلاء الفاعلين الإقليميين في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا -والذي يمكن وصفه كأهم صراع حتى الآن في العصر الجديد لمنافسة القوى العظمى. كانت تصرّفات الشركاء في الشرق الأوسط منذ الغزو معبّرة؛ ففي البداية كان قرار الإمارات العربية المتحدة بالامتناع -إلى جانب الصين والهند- عن التصويت لمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يدين غزو موسكو لأوكرانيا. وقد علّق وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية والمستشار الحالي للقيادة الإماراتية أنور قرقاش أن الإمارات لن تنحاز إلى أي طرف في الصراع، معلّلاً بأن ذلك «لن يؤدّي إلا إلى مزيد من العنف». وكمقابل لامتناعهم عن التصويت على قرار الإدانة، صوّتت روسيا لقرار لمجلس الأمن يدعو إلى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. وبعد فترة وجيزة من امتناع أبو ظبي، أكدت وزارة الخارجية الروسية على علاقتها القوية مع الإمارات العربية المتحدة، وأعرب وزير خارجية الإمارات، من جهته، وأثناء زيارة لموسكو، عن رغبته في مواصلة التعاون مع روسيا في الأمور المتعلقة بالطاقة. يضاف إلى ذلك أن العديد من الأوليغارشيين في روسيا يواجهون موجات من العقوبات الغربية ما دفعهم للمحاولة، وبشكل متزايد، بتحويل أموالهم وأصولهم إلى الإمارات لتجنب مثل هذه العقوبات. حيث يحتفظ المسؤولون ورجال الأعمال الروس المقربون من فلاديمير بوتين بالفعل بأصول كبيرة في الإمارات، التي رفضت حتى الآن فرض العقوبات وشهدت مبيعات قياسية للمساكن مدفوعة جزئياً بالطلب الروسي.
الأمر الآخر، هو امتناع شركاء أميركا في الشرق الأوسط عن تلبية مطالب واشنطن لهم بزيادة إنتاج النفط مع ارتفاع الأسعار على مستوى العالم. وبحسب ما ورد، فقد رفض القادة السعوديون والإماراتيون الرد على مكالمات الرئيس جو بايدن، ممّا يشير إلى أنهم لن يساعدوا في مسألة ارتفاع أسعار النفط ما لم تمنحهم واشنطن بعض التنازلات. وقد أكدت كل من السعودية والإمارات أهمية استمرار التنسيق مع روسيا بشأن النفط. ووسط التوترات مع واشنطن، دعت المملكة العربية السعودية أخيراً الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة الرياض، وتردّدت أنباء أن المملكة تجري محادثات مع بكين لقبول اليوان الصيني بدلاً من الدولار الأميركي لمبيعات النفط.
رغم كل ذلك، وعلى الرغم من المزاعم بأن أميركا «تخلّت» بشكل متزايد عن المنطقة، فإن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تحت حكم بايدن كانت في الواقع تعكس تجذراً في الاستمرارية وليس التغيير. إذ رفض بايدن تحميل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، برغم من أن التقرير الذي أصدرته وكالة المخابرات المركزية يورّط محمد بن سلمان بشكل مباشر في مقتله. ويضاف إلى ذلك، مواصلة إدارة بايدن دعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في خضم حملتهما العسكرية الكارثية في اليمن وإغراقه في أزمة إنسانية. وكذلك رفض البيت الأبيض تحميل دول مثل السعودية ومصر والإمارات ودول أخرى المسؤولية عن استخدامها المكثف والمستمر لتقنيات المراقبة والقرصنة على شعوبها وكذلك المعارضين والصحافيين والسياسيين في الخارج.
أيضاً، واصلت إدارة بايدن ضخ المساعدات العسكرية والأسلحة المتطورة في المنطقة، معلنة أنها تنوي المضي قدماً في بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار (بما في ذلك طائرة مقاتلة من طراز F-35) إلى الإمارات العربية المتحدة والتي تمّت المصادقة عليها في ظل إدارة ترامب كثمن لتطبيع أبو ظبي العلاقات مع إسرائيل. وبالنسبة للسعودية، فقد تمّت الموافقة على صفقة أسلحة بقيمة 650 مليون دولار، ونقل عدد كبير من أنظمة باتريوت المضادة للصواريخ إلى المملكة. وكذلك السماح بمبيعات أسلحة إضافية بقيمة 2.5 مليار دولار إلى مصر، والموافقة على صفقة أسلحة تقارب 5 مليارات دولار لكل من الأردن والسعودية والإمارات. هذا بالإضافة إلى نشر طائرات مقاتلة من طراز F-22 ومدمرة بحرية في الإمارات عقب هجوم صاروخي أخير شنته جماعة الحوثي في اليمن.
ففي الفترة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا، استمرت الولايات المتحدة في طمأنة هذه الأنظمة بشأن دعم واشنطن لأمنها؛ حيث اعتذر وزير الخارجية أنطوني بلينكن لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد عن رد أميركا المتلكئ إزاء هجمات الحوثيين على الإمارات. وكذلك سافر مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرن إلى السعودية للقاء محمد بن سلمان «لإصلاح العلاقات». وتم أيضاً إنشاء فرقة عمل بحرية جديدة متعددة الجنسيات للقيام بدوريات في الممرات المائية الاستراتيجية المحيطة باليمن، والتي تم تصميمها جزئياً لقطع إمدادات الأسلحة عن الحوثيين.
من هنا يكمن الاختلاف الأساسي، فكل ما سبق من سياسات أميركية لن تكون من منظور هؤلاء الفاعلين الإقليمين كافية أبداً، وذلك بسبب عدم استقرارهم المتأصل في واقع حكمهم الاستبدادي. إن عماد السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط في ركيزتين أساسيتين: الدعم القوي لمجموعة مختارة من المستبدّين الإقليميين ضمن «أسطورة الاستقرار الاستبدادي». أمّا الركيزة الثانية، فهي الدعم الثابت لدولة إسرائيل. تشير «أسطورة الاستقرار الاستبدادي» إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الحكام المستبدّين في الشرق الأوسط «يمكنهم حماية المصالح الأميركية من خلال فرض النظام السياسي والاجتماعي على المواطنين العاجزين والمحرومين».
يقدّم هؤلاء الاستبداديّون حقيقة خاطئة لواشنطن وللغرب بشكل عام، حيث يصورون أنفسهم على أنهم الداعمون الوحيدون القادرون على حفظ «الاستقرار» و«النظام» في الشرق الأوسط رغم سياساتهم الخاصة التي تنتج وتعزّز العديد من المشكلات الأساسية في المنطقة من توترات ومظالم. فكل ما يرنو إليه هؤلاء المستبدّون هو الحفاظ على النظام وإسقاط القوة (غالباً ما يستخدم هذا الإسقاط كآلية لدعم حفاظ النظام على نفسه)، فالحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط مسؤولة عن التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة. وذلك لأنهم بنوا واعتمدوا على هياكل سياسية واقتصادية مصممة فقط لتعزيز مصالح النخبة الضيقة. ومن هنا نفهم سبب رغبتهم في توقيع معاهدة دفاع رسمية، من شأنها دفع الولايات المتحدة، وبموجب القانون، لدعم حكمهم بالقوة على الرغم من أن هذه الهياكل غير مستدامة.
ولكن، في الوقت نفسه، فإن هذا الدعم القوي من قبل الولايات المتحدة يقوّض مصالحها على النطاق العالمي الأوسع. فالأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط تتشارك نفس الروح الاستبدادية مع روسيا والصين. وقد ظهر ذلك من خلال الطرق المختلفة التي دعمت بها هذه الأنظمة كلاً من موسكو وبكين في بعض أنشطتهما الشنيعة، من تمويل المرتزقة الروس في الخارج إلى دعم الصين بنشاط في اضطهادها للأويغور.
كما اتُهمت كل من السعودية والإمارات بالإقدام على أنشطة غير مشروعة داخل الحدود الأميركية. كل هذه الأمثلة، التي زادت وتيرتها بسبب الأحداث التي أعقبت الأزمة في أوكرانيا، تعكس الحاجة الماسة لإعادة التفكير بشكل أساسي في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. كما أنها تعيد إبراز حقيقة أنه كلما دعمت الولايات المتحدة هؤلاء المستبدّين فإنهم يعملون على تقويض أي أفق ديموقراطي في الجوار، بل لدرجة أن رغبتهم زادت ليمتد هذا الجهد التقويضي إلى الصعيد العالمي. فبالنسبة للحكام المستبدّين، لا وجود لأشخاص ولا لديموقراطيات خارج نطاق رغبتهم وجهدهم هذا.

استشراف
سلّط الخلاف بين الولايات المتحدة و«شركائها» في الشرق الأوسط، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، الضوء على عقود من السياسات الأميركية الفاشلة في المنطقة. وعليه، فإنه ولمن الضروري للولايات المتحدة أن تعيد التفكير جذرياً في هذه العلاقات، مدركة كيفية سعي هؤلاء الشركاء للتلاعب بعودة القوى العظمى للمنافسة بغية تعزيزهم ضروراتهم الاستراتيجية التي لا تنسجم مع الولايات المتحدة. وهنا يبدو أن العديد من المشرّعين الأميركيين يوافقون على ذلك، حيث استهدفت الرسالة الأخيرة التي وقّعها ثلاثون عضواً في الكونغرس، والموجهة إلى وزير الخارجية بلينكن، علاقة واشنطن بالمملكة العربية السعودية على وجه التحديد. ودعت الرسالة التي وقعها رؤساء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب ولجنة الاستخبارات بالإضافة للجنة النظامية للمجلس، إلى «إعادة تقويم» شراكة أميركا مع المملكة مع تسليط الضوء على كيفية تعارض الدعم المستمر للنظام الملكي السعودي مع المصالح والقيم الأميركية.
وللاستشراف، هناك تطوّران جاريان يجب مراقبتهما عن كثب، وهما: أوّلاً، عملت العديد من هذه الأنظمة الاستبدادية العربية في المنطقة على تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، بناءً على ما يسمّى «اتفاقات أبراهام» التي تم التصديق عليها في ظل إدارة ترامب. تنظر هذه الحكومات إلى العلاقات القوية مع إسرائيل -التي تشارك بدورها في عملية التوازن بين القوى العظمى في أعقاب الأزمة الأوكرانية- على أنها آلية مربحة يمكن من خلالها الحفاظ على علاقات قوية مع واشنطن.
حتى عندما تدير واشنطن نظرها إلى بقعة جغرافية أخرى بشكل استراتيجي، فإن إسرائيل ستظل تحظى دائماً بالاهتمام في السياسة الأميركية، ويعود ذلك إلى «العلاقة الخاصة» التي تربطها مع أميركا. فبعد التداعيات بين أميركا والعديد من هذه الدول العربية إثر الأزمة الأوكرانية، أفادت الأنباء بأن إسرائيل تضغط على واشنطن لتحسين علاقاتها مع السعودية وإعادة تصنيف جماعة الحوثي اليمنيّة كمنظمة إرهابية بدفع من الإمارات. يضاف إلى ذلك، المساعدة في دفع عجلة الوصول إلى توقيع معاهدة دفاع رسمية مع دول الخليج. ولكن تبقى مسألة نجاح هذه المساعي غير معلومة حتى اللحظة وإن كانت تعكس المدى الذي ستدفع به هذه الدول واشنطن في اتجاه مصالحها.
الأمر الآخر، هو احتمال عودة دونالد ترامب في عام 2024، وقد كانت إدارة ترامب قد احتضنت هذه الأنظمة بشكل لا مواربة فيه، وكان هو الشخص الذي أعلن عن رغبته بتوسيع مجال مصالح حلف شمال الأطلسي (الناتو + الشرق الأوسط) ليكون أكثر مأسسة تجاه المنطقة. كما منح ترامب هؤلاء المستبدّين العديد من التنازلات أثناء وجوده في منصبه (تجاوز الكونغرس بشأن مبيعات الأسلحة وكذلك توفير التكنولوجيا النووية الحساسة وما إلى ذلك). وبالإضافة إلى ذلك، حافظ الأفراد داخل إدارة ترامب على علاقات شخصية وثيقة مع العديد من الجهات الفاعلة في هذه الأنظمة واستمروا في القيام بذلك حتى بعد مغادرتهم للبيت الأبيض، فكما ظهر أخيراً من خلال الأنباء عن قيام صندوق الاستثمار السعودي -بقيادة محمد بن سلمان- باستثمار ملياري دولار في شركة الأسهم الخاصة التي يملكها جاريد كوشنر. إن هؤلاء الفاعلين الإقليميّين صريحون جدّاً في انتقادهم لإدارة الرئيس جو بايدن، فعلى سبيل المثال، عرض التلفزيون السعودي الحكومي أخيراً مقطع فيديو ساخراً عن الرئيس، وما هو مرجح بشكل كبير أن هؤلاء المستبدّين ينتظرون بفارغ الصبر وصول راع أكثر حماسة لمصالحهم إلى المكتب البيضاوي.

* طالب دكتوراه في جامعة جورج مايسن، متخصّص في شؤون السياسة الأميركية نحو الخليج
** نشر المقال في مجلة «ذا ناشونال إنترست»