في السادس والعشرين من أيار عام 2022 صوّت أعضاء البرلمان العراقي بالإجماع لصالح مقترح قانون لتجريم التطبيع مع «إسرائيل». وقالت الدائرة الإعلامية للبرلمان العراقي إن القانون يهدف إلى الحفاظ على المبادئ الوطنية والإسلامية والإنسانية في العراق نظراً للخطورة الكبيرة التي تترتب على التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، أو الترويج له أو التخابر أو إقامة أي علاقة معه. ومن جهته، قال النائب الأوّل لرئيس مجلس النواب العراقي إن قانون حظر وتجريم التطبيع يمثل انعكاساً حقيقياً لإرادة الشعب العراقي، داعياً البرلمانات العربية والإسلامية إلى إصدار تشريعات مماثلة تلبي تطلعات شعوبها.لا شك أن قرار البرلمان العراقي يحمل أبعاداً تاريخية واستراتيجية بكل معنى الكلمة، لأنه بعد مرور 20 عاماً على الاحتلال الأميركي للعراق وتدمير هذا البلد العربي الأصيل سقطت المراهنات الأميركية والصهيونية التي استهدفت تحويل العراق إلى منصة ومنطلق للسيطرة على المنطقة بأسرها.
وتأتي أهمية وتاريخية هذا القرار من أنه جاء في الوقت الذي أقدمت فيه بعض الدول العربية على إقامة تحالفات وعلاقات أمنية وعسكرية واقتصادية مع كيان يتحدّث العديد من قادته، السياسيين والعسكريين، ومفكريه، عن أزمة وجودية عميقة وقلق حقيقي حول مستقبل هذا الكيان. بخاصة بعد الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني على أرضه وتصعيد حالة الاشتباك اليومي مع الاحتلال ونمو وتصاعد قوة محور المقاومة في عموم المنطقة وتعميق التنسيق بين جميع أطرافه. الأمر الذي خلق واقعاً جديداً وقواعد اشتباك لم يواجهها المشروع الصهيوني من قبل. لذلك، طلبت وأمرت الولايات المتحدة الأميركية بعض الأنظمة العربية أن تنقل علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي من السر إلى العلن بهدف تأمين الحماية للوجود الصهيوني على أرض فلسطين. وهذا ما يفسر إصرار الولايات المتحدة على التطبيع مع هذا الكيان.
واللافت للنظر أن الأنظمة العربية التي أقامت التحالفات والعلاقات مع الكيان تدرك أن «إسرائيل» تمارس أقسى أشكال العدوان والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني وتدرك أن المشروع الصهيوني يعيش أسوأ وأصعب مراحله. ومن هنا تأتي أهمية وتاريخية قرار البرلمان العراقي، الأمر الذي أقلق الدوائر الاستعمارية حيث وصفته بريطانيا بالقرار «المروع»، وعبّرت الخارجية الأميركية عن انزعاجها الشديد قائلة إن القرار يعرض حرية التعبير للخطر ويفرز بيئة معادية للسامية، وأضافت أن هذا التشريع يقف في تناقض صارخ مع التقدم الذي أحرزه جيران العراق من خلال بناء الروابط وتطبيع العلاقات مع «إسرائيل» وخلق فرص جديدة للناس في جميع أنحاء المنطقة. وشددت وزارة الخارجية الأميركية على أن دعم أميركا قوي وثابت «لإسرائيل» بما في ذلك توسيع العلاقات مع جيرانها.
وفي الوقت الذي صدر فيه قرار البرلمان العراقي، بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث وتكشف عن اتصالات وزيارات سرّية لمسؤولين إسرائيليين للسعودية. ولا شك أن الكيان الإسرائيلي يريد القول إنه إذا كانت هناك دولة عربية أساسية بحجم العراق قد اتخذت قراراً بتجريم التطبيع فإن دولة عربية كبيرة كالسعودية تسير بالاتجاه المعاكس.
لقد ترافق قرار العراق مع تقديم مشروع قرار للبرلمان الجزائري ومشروع قرار للبرلمان اليمني لتجريم التطبيع مع إسرائيل. وتم طرح هذا الأمر في تونس منذ زمن. ولذلك، بات مطلوباً من البرلمانات العربية والإسلامية اتخاذ مثل هذه التشريعات لمحاصرة الكيان الصهيوني وتعميق مأزقه، وليس العمل على حمايته والتحالف معه لضمان استمرار وجوده على أرض فلسطين وتوجيه الطعنات الغادرة لشعبها الذي يقاوم منذ سبعة عقود ويتصدى لأخطر مشروع عنصري استيطاني يشكل تهديداً للمنطقة بأسرها.
إن قرار البرلمان العراقي ينبغي أن يشكّل حافزاً ملموساً لتصعيد الحركة الشعبية في عموم المنطقة، وتكثيف نشاطات وفعاليات المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي ومؤتمر الأحزاب العربية ولجان مقاومة التطبيع، وجميع القوى والفاعليات الشعبية، لإسقاط كل المخططات التي تستهدف حماية الكيان الصهيوني وإخراجه من مأزقه الوجودي والتاريخي.
وفي الختام نقول: تحية لشعب العراق العظيم الذي قاتل وقدّم الشهداء والتضحيات من أجل تحرير كل ذرة من تراب فلسطين.

* عضو المكتب السياسي
لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»