كان نوعاً مختلفاً من الشعراء الذين عرفناهم من الطفولة إلى غابة الكهولة، وما بينهما، لم يساوم أو يفاوض على عروبته وعلى فلسطين، أو انحيازه للفقراء، وعداوته المطلقة للحكام، ليس لأنه يكرههم لمجرد أنهم حكام، بل لمواقفهم التي رأى فيها تخاذلاً عن نصرة الحق وقضية الأمة.قصيدته الهجائية بعنوان: «القدس عروس عروبتكم»، كانت ربما البداية التي لفتت إليه الأنظار، وكان جرح هزيمة حزيران، أو 5 يونيو 1967، موجعاً ومؤلماً، فصبّ عليه مزيداً من الملح. والأمر نفسه حدث لقصيدة نزار قباني بعنوان: «هوامش على دفتر النكسة»، لولا تدخل عبد الناصر الذي أمر بنشر القصيدة وعدم منع شاعرها من دخول مصر بعد تلقيه رسالة من نزار بمنعه من دخول مصر ومنع قصيدته من النشر في مصر.
لكن مظفر كان أكثر ضراوة في نقده للحكام العرب الذين أضاعوا ما بقي من فلسطين، بما في ذلك القدس، وفوقها أراض عربية أخرى في سوريا ومصر، فتحولت قصيدته تلك إلى بيان وصوت للجماهير العربية المجروحة، ووجدت فيها ما يسكن روحها أو يحفزها. فكانت ردود فعل الناس أن استقبلوها بحماسة منقطعة النظير، وكان الشاعر مظفر النواب ينطق باسمهم وباسم قدس مقهورة مغتَصَبة.
في السبعينيات من القرن الماضي، جاء النواب إلى عدن، وكانت أصداء قصيدته قد سبقته، وقد زرته في مستشفى الجمهورية بخور مكسر، حيث كان يخضع للعلاج. والتقيته لاحقاً وبقيت متابعاً لأخباره وتحركاته وتنقلاته في بعض بلدان ما كانت تسمّى بـ«جبهة الصمود» وغيرها من البلدان العربية. ويبدو أن مظفر النواب ظل عقوداً طويلة نزيل المشافي، لكنه لم يتنازل عن كبريائه، ولا عن مواقفه المبدئية حتى اللحظة الأخيرة من حياته حين وافاه الأجل قبل أيام في أحد مستشفيات الشارقة.
رحمه الله وأسكنه الفردوس.
* الرئيس الأسبق لجمهورية
اليمن الديموقراطية الشعبية