نعم الجامعة الوطنية في خطر، والخطر داهم، هي ليست بخير، لقد حاصرتها الضائقة التي ألمّت بالوطن وقوّضها كذلك جشع القابضين على مقاليدها. إنسان الجامعة، من أساتذة وإداريين ومن خلفهم ومن قبلهم الطلاب والأهالي، في محنة موجعة ومستمرة.من دون تكرار مقولة إن الجامعة الوطنية هي مرآة الوطن ومعدن رسالاته ومعمل المهارات وما إلى ذالك... هذه الجامعة محاصرة اليوم من قبل القائمين على مقاليدها، بحيث استفحلت الأمور لدرجة أن هجرة الأستاذ الجامعي أمست حدثاً عادياً ولسان حال من لم يهاجر بعد. ويا للأسف، كما هو حاصل في قطاعات حيوية (الطبابة مثلاً) في هذا البلد قد أصابها ما أصابها من نكبات.
والعجب كل العجب أن أهل السلطة يتناتشون حفنة من المراكز الفئوية دون الالتفات إلى خطورة المرحلة التي تمر بها هذه المؤسسة الخلاقة. حق إنسان الجامعة أن يعيش الاستقرار الوظيفي والمعيشي حتى يتمكن من إيفاء هذا الصرح الكريم حقه من الجد والاجتهاد، حتى صار مستقبل آلاف الطلاب مهدداً.
الجامعة الوطنية ليست بخير أبداً، ومقولة إن ثمة ملفات بانتظار، أو على وشك، الإقرار، على مائدة المحاصصات طبعاً، لا تكفي أبداً، بالرغم من أهمية إنجازها البارحة قبل اليوم، ولكن، متى كان ملف دخول الملاك مثلاً يشكل مفصلاً في حياة الجامعة؟! إن إقرار حقوق التفرغ للأساتذة، إضافة إلى معالجة عقود المدرّبين الإداريين، ضرورة لا بل أقل حقوقهم، إلا أن هذه الملفات ليست آخر المطاف. غداً، وبعد تربيح الجميل، يدخل الأستاذ الجامعي مثلاً إلى عالم التفرّغ ويا له من مصير ينتظره إن لم تعالج الأمور الحياتية الملحة على مستوى المعيشي والتأمين الصحي اللائق الذي لامس اليوم أسفل الدرك.
لعلّهم أرادوا تهشيل وتشحيل الكادر التعليمي والإداري على قاعدة أنه ثمة تضخّم يحتسبونه. ولكن مهلاً، أنتم أنفسكم يا أهل التوظيف من تناتش ويتناتش الحصص عند كل استحقاق، أنتم من تعامل مع الجامعة، كما سائر القطاعات العامة، كبابٍ للتوظيف على قاعدة الزبائنية البغيضة والملونة. يحدّثونك عن التوازن الوطني، يجمّولون القول حتى لا يقولون إن اللون الطائفي يسبق أي توصيف. يقولون لك هذا حال البلد، إذا كان حال البلد كذلك، وهو كذلك، فعلى الجامعة وعلى الوطن السلام.
لقد أثبتت هذه الجامعة ريادة في الانتاج العلمي المرموق، كيف لا وخريجوها يجولون العالم مرفوعي الرأس متباهين، أليس هذا شفيع لهذ الصرح، ومصداقُ أهميته؟!
الجامعة الوطنية في خطر. العمل بالحد الأدنى وباللحم والعظم ليس ولن يكون هو الحل، لذا علينا جميعاً (أساتذة، إداريين، طلاب والأهلين وقبلهم القائمين بأمر هذه الجامعة – إدارة ونقابات) إعلان النفير العام إنقاذاً لجامعتنا العزيزة، بل لبيتنا الثاني.
يجب أن يعلم أصحاب القرار أن الأمور ليست على ما يرام (مش ماشي الحال!) وأن الهيكل يترنّح. الجامعة غدت خاوية على عروشها وهذا نذير خراب. لذا، لا بد من إعلان خطة طوراىء إنقاذية تضع النقاط على حروف الحل الذي نراه على مرحلتين:
الأولى، وهي ملحة وضرورية تتمحور حول إكرام إنسان الجامعة من خلال الإسراع إلى إيجاد الموارد (وهذه مسؤولية أهل الحل) المرموقة والكفيلة بإعادة التوازن إلى معيشة هذا الانسان الذي يشكل عصب الجامعة. لا بد من إعادة الثقة إلى الكادر التعليمي والإداري من أهل الجامعة لكي تستمر المسيرة وإلا على الدنيا السلام. نقولها واضحة، لربما في اللجوء إلى جهات مانحة بابٌ للحل في هذا المضمار، غير ذلك لا تلومن أحداً. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا بد كذلك من إعادة النظر في موازنة الجامعة وجعلها تلاقي التضخم الحاصل، أي زيادتها أعضاف ما يتحدّثون عنه.
أمّا المرحلة الثانية، فنرى أن يكون من مهامها النظر في الهيكل التكويني للجامعة من خلال عملية ترشيد وهيكلة عمودية وأفقية للمؤسسة (جامعة اختصاص، مجمعات جامعية، تعزيز الموارد الذاتية... إقرار وتنفيذ خطة نقل مشترك تلاقي الحاجات المستجدة)، كذلك النظر في القوانين الناظمة والحاكمة لمؤسسة الجامعة الوطنية التي يجب أن تتكلل بتحرير ربقة الجامعة من قبضة الحكومات ومكوناتها.

* مدير سابق لكلية العلوم/ الحدث، أكاديمي وباحث في علوم الداتا - الجامعة اللبنانية