«الإرهاب محاولة لإخضاع أو قسر السكان المدنيين أو حكومة ما، من طريق الاغتيال أو الخطف أو أعمال العنف، وذلك لتحقيق أهداف سياسية»نعوم تشومسكي

منذ بدء «الربيع العربي» تضرب عالمنا العربي موجة من الإرهاب، وخاصة في سوريا والعراق حيث بدأ تنظيم «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام) يسعى إلى إقامة «دولته المزعومة»، ما يهدد منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ويجعل الدول العربية في خطر على كافة المستويات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية. ولا سيما أن موجة الإرهاب هذه ترافقها موجة تكفيرية غير مسبوقة، وإن لم تكن بجديدة، ما يجعل الأعمال الإرهابية منطلقة من خلفيات عقائدية تكفيرية خطيرة جداً.

وما يزيد الوضع خطورةً، أنه حتى الآن لم يجد المجتمع الدولي سبيلاً إلى حل هذه المعضلة، ولم تستطع الكثير من الدول العربية مواجهة هذا المد من الإرهاب التكفيري، وقد رأينا كيف تمدد «داعش» في سوريا والعراق.
وتكمن المشكلة الأساسية في مكافحة الإرهاب في منطقتنا، بالتعامل مع المجموعات الإرهابية بمعايير مزدوجة، بحيث إنه عندما راحت سوريا تواجه هذه الجماعات قامت العديد من الدول الغربية والعربية بالوقوف ضدها، بالإضافة إلى تبرير أعمال بعض الجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة» التي تُعَدّ خطيرة جداً، كـ«جبهة النصرة»، و«داعش».
لقد أصبح مصطلح «الإرهاب» من أكثر الاصطلاحات شيوعاً في العالم، وأصبح الإرهاب فعلاً كما جرى تعريفه يهدد السلم والأمن الدولي. وأصبح هناك ضرورة فعلية لوضع استراتيجية دولية لمواجهته بعد أن تم التسويق له كمصطلح من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بعد أحداث 11 ايلول من أجل دخولها إلى الشرق الأوسط عبر إعلان الحرب على الإرهاب، وتالياً استخدامه كأحد أخطر الأساليب لتشويه صورة الإسلام عبر خلق تنظيمات إجرامية ـ إرهابية كتنظيم «القاعدة»، علماً أن الإرهاب كمصطلح قديم العهد.
الإرهاب يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين
لقد عرّف مجلس الأمن الدولي الإرهاب بأنه «كل عمل جرمي ضد المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس أو إكراه حكومة أو منظمة دولية للقيام بعمل ما أو الامتناع عنه، وكل الأعمال الأخرى التي تشكل إساءات ضمن نطاق المعاهدات الدولية المتعلقة بالإرهاب ووفقاً لتعريفها ولا يمكن تبريرها بأي اعتبار سياسي أو فلسفي أو إيديولوجي أو عرقي أو ديني». فإذا نظرنا إلى الإرهاب والأعمال العنفية التي عرفتها المنطقة العربية في الآونة الأخيرة، نجد أنها الأخطر حيث زادت هذه العمليات وزادت أعداد الضحايا مع اتساع نطاق تلك العمليات وظهور أشكال جديدة مستخدمة مبتكرات التطور العلمي والتكنولوجي، وقد ارتقت الكثير من هذه الجرائم إلى جرائم ضد الإنسانية.

الإرهاب الدولي لا
يسقط بمرور الزمن لأنه جريمة دولية تبقي إمكانية ملاحقة المجرم

وحظرت الأمم المتحدة، في قراراتها الصادرة عن فروعها، الإرهاب واعتبرته مهدداً للسلم والأمن الدوليين. ففي عام 1994 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلاناً عالمياً لإزالة الإرهاب الدولي، وكذلك من خلال 12 معاهدة دولية ملزمة ورد ذكرها في القرار 1373 الصادر عام 2001 عن مجلس الأمن، منها معاهدة مونتريال 1971 ومعاهدة طوكيو 1963 ومعاهدة منع التعذيب ومعاهدة منع الإخفاء القسري وغيرها من المعاهدات.
وهناك أيضاً قرارات صادرة عن مجلس الأمن قبل عام 2001، منها قرار صادر عام 1992 في مسألة طائرة لوكربي وقرار صادر عام 1996 بحق السودان عندما اتهم بإيواء اسامة بن لادن.
وصدرت قرارات عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهي تعني المجتمع الدولي بأكمله ولا تعنى فقط بإرهاب لدى دولة واحدة، وذلك بعد أحداث 11 أيلول حيث صدر القرار 1373 الذي اعتبر أن «الإرهاب يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين»، وأُنشئت لجنة دولية لمكافحة الإرهابCTC: Counter Terrorism Commission. بعد ذلك صدر قرار مهمّ عن مجلس الأمن، هو القرار 1540 عام 2004 الذي يتناول حظر الإرهاب النووي، وصدر القرار الثالث 1566 عام 2004 الذي أكد أن الإرهاب الدولي في كل أشكاله ومظاهره يشكل أخطر التهديدات للسلام والأمن الدوليين Threat To Peace and Security، وهو عرّف الإرهاب بأنه: «كل عمل جرمي ضدّ المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس أو إكراه حكومة»، ذُكر في التعريف الأول أعلاه.
وكانت المحطة الثانية للجمعية العامة في مكافحة الإرهاب عام 2006 عندما أقرت الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهابThe UN Global Counter Terrorism Strategy. كذلك هناك العديد من المؤتمرات والاتفاقات الإقليمية التي تؤكد هذه التعريفات. (محاضرات جامعية للدكتور شفيق المصري في الجامعة اللبنانية، وكذلك في الجامعة الإسلامية في لبنان).
وقد أصدر مجلس الأمن قراراً مهماً هو القرار 2133 في 27 كانون الثاني عام 2014 يعيد من خلاله تأكيد تنفيذ قراره 1373، ويشدد على العودة إلى المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ويدعو الدول إلى منع الإرهابيين من الاستفادة من أموال الفدية نتيجة الخطف وأخذ الرهائن.

نوعان من الإرهاب

يجب التمييز بين نوعين من الإرهاب: المحلي والدولي. فالإرهاب المحلي يُعَدّ جريمة تخضع للقانون الجنائي بحسب كل دولة، وبالتالي فإن هذه الجريمة ليست جريمة إرهابية ولا تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وتخضع للتقادم الزمني Prescription المسقط للأحكام ولا علاقة لمجلس الأمن بها على الإطلاق، إلا في حالة إذا كان الأفراد الإرهابيون تابعين لتنظيم دولي ويعملون تحت إمرته ويقتلون المدنيين بتوجيه منه، أو إذا كانوا مدعومين من دولة ما لخوض حرب ضد دولة أخرى، ولكن الأعمّ عادةً أن يكون من يرتكبون هذه الجرائم من جنسيات مختلفة، وبالتالي تدخل في إطار الإرهاب الدولي. (انظر الدكتور جميل حزام يحيى الفقيه، مفهوم الإرهاب في القانون الدولي).
ويصنف الإرهاب دولياً، عندما يكون مرتكبوه من جنسيات مختلفة أو عندما ينتقل من بلد إلى آخر، وهو يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، أي المجتمع الدولي بكامله، ويستدعي تدخل مجلس الأمن بموجب المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة. وكذلك فإنه يشكل عقوبات على مرتكبيه وقد يحيل ملفاتهم على المحكمة الجنائية الدولية. والإرهاب الدولي لا يسقط بمرور الزمن، لأنه جريمة دولية تبقي إمكانية ملاحقة المجرم. وهو غالباً يتناول المدنيين لأغراض سياسية، أما الإرهاب المحلي، فقد يكون مبعثه غير سياسي، وقد يتناول مدنيين وغير مدنيين. وعلى عكس إرهاب الأفراد Individuals Terrorism فإن إرهاب الدولةState Terrorism يحصل عندما تؤوي الدولة إرهابيين أو تشجع عملهم بنحو مباشر أو غير مباشر، أو عندما تخالف أياً من المعاهدات التي قضت بمكافحة الإرهاب، وهذا ما ينطبق على العديد من الدول العربية التي تعاني من الإرهاب، وخير مثال على ذلك ما يحصل في سوريا. وقد حصل الكثير من الجرائم الإرهابية التي ترتكبها جماعات «القاعدة» في العديد من البلدان العربية، وخاصةً في اليمن، العراق، وسوريا، حيث تنطبق هذه التعريفات على كل ما تقوم به «جبهة النصرة»، وتنظيم «داعش» في سوريا بحق المدنيين السوريين، وكذلك تمدد «داعش» في العراق وسيطرته على مناطق عراقية. كذلك كل العالم يشاهد القتل، الذبح، أكل الأكباد، قطع الرؤوس، الإعدام، الصلب، التعذيب والتفجيرات الإرهابية، ما يؤكد إرهاب هذه الجماعات ونهجها التكفيري الإجرامي، وبالتالي لا بد من وضع استراتيجيات وطنية وإقليمية ودولية لمواجهة هذا الإرهاب بدلاً من التعامل بمعايير مزدوجة في كيفية التعامل مع جماعات كهذه وُضعت على لائحة الإرهاب الدولي.

لماذا من حق الدولة مواجهة الإرهاب؟

من واجب كل دولة ذات سيادة، أن تحمي سيادتها ومواطنيها من أي إجرام وإرهاب، وهذا الحق تكفله وتؤكده القوانين الدولية والدستورية. وبالتالي لا يحق لأي كائن تعريض أمن الدولة وشعبها للخطر، ولا سيما أن لهذا الشعب حقاً على دولته بحمايته.
وللدولة ـ استناداً إلى حقها في البقاء ـ أن تقوم بكل ما من شأنه المحافظة على وجودها وأن تتخذ ما يلزم من الوسائل لدفع ما قد يهدد هذا الوجود من أخطار في الداخل كما في الخارج. كذلك لهذه الدولة ـ حمايةً لنفسها من أي اعتداء يقع عليها من الخارج ـ أن تُعدّ القوات العسكرية اللازمة للدفاع عنها وقت الحاجة.
ولعل من مظاهر حق القضاء على الإرهاب، حق الدولة في الدفاع عن نفسها إذا اعتُدي عليها لرد هذا الاعتداء ودفع الخطر الناتج منه بكافة الوسائل اللازمة. وقد أيّد ميثاق الأمم المتحدة صراحة وجود هذا الحق للدولة باعتباره حقاً طبيعياً. بالمقابل، حظر الميثاق على الدول الالتجاء إلى أعمال العنف لتسوية خلافاتها وصيانة حقوقها.
وتؤكد المادة 51 من الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة أنه «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء «الأمم المتحدة»، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً». ويثبت حق الدفاع الشرعي للدول كنتيجة لحقها في البقاء بنفس الشروط التي يثبت بها للأفراد وفقاً للقانون الداخلي، أي أن يكون هناك اعتداء حالي غير مشروع لا يمكن دفعه إلا باستعمال القوة.
واستناداً إلى تأكيد مجلس الأمن في قراراته أنه يعتبر إرهاباً إكراه الدولة على القيام بشيء ما بالقوة، فإنّ من حق الدولة التي تتعرض لإرهاب أن تحمي سيادتها وشعبها. ولكن لا تقف مكافحة الإرهاب على الدولة فقط، بل لا بد من استراتيجية دولية وإقليمية لمكافحته.

نحو استراتيجية جديدة لمواجهة الإرهاب

على الرغم من أهمية قرارات مجلس الأمن وجهود الأمم المتحدة، لتعريف الإرهاب ومكافحته من ناحية قانونية نظرية، إلا أن مجرد القرارات أو وضع بعض الجماعات على لائحة الإرهاب الدولي لا يكفي لمواجهة هذه الجماعات، بل لا بد من اتخاذ خطوات عملية حقيقية لمواجهة هذه الجماعات، وبالتالي يمكن تقديم بعض الاقتراحات في هذا الصدد:
1ـ توحيد الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب عبر تعاون الدول في مواجهة هذا الإرهاب الذي يتمدد إلى كل دول العالم ويهدد شعوبها.
2ـ توحيد الجهود العربية والإقليمية لمواجهة الإرهاب الذي يضرب الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً، عبر تعاون حكومات هذه الدول وأجهزتها العسكرية والأمنية، من دون أن يكون هناك تفريق في التعامل مع هذا الإرهاب من دولة لأخرى، لأنه يجب وعي مدى خطورة هذا الإرهاب التكفيري.
3ـ توحيد الجهود الوطنية، في كل دولة، بحيث يكون هناك توافق سياسي، أمني وشعبي لمواجهة هذا الإرهاب.
4ـ التوجه نحو الإدارة الدولية لمكافحة الإرهابInternational Management of Counter-terrorism والاعتماد على الحكومة العالمية Governance Global في معالجة الأزمات التي تعصف بمنطقتنا بسبب الإرهاب، وعدم الاكتفاء باستخدام الحكومة العالمية لمعالجة الأزمات الاقتصادية. وتفعيل عمل المنظمات الدولية والإقليمية التي يمكن أن تساعد في مكافحة الإرهاب ومعاقبة هذه الجماعات استناداً إلى المادة 52 من الميثاق الأممي.
5ـ تفعيل دور فروع الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن لمواجهة الجماعات الإرهابية، وتفعيل دور اللجان الأممية الخاصة بمكافحة الإرهاب، كلجنة عقوبات تنظيم «القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي ولجنة مكافحة الإرهاب.
6ـ عدم الاكتفاء بالعقوبات المالية كتجميد الأصول والأرصدة وغيرها ضد المسؤولين في الجماعات الإرهابية، بل السعي إلى ايقاف هؤلاء الأشخاص وتحويلهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.
7ـ إرسال لجان تحقيق دولية شفافة للتأكد من الجرائم التي ترتكبها هذه الجماعات، والاطلاع على حاجات الحكومة في مكافحة الإرهاب وحماية مواطنيها.
* صحافي لبناني