تسعى قيادة الحركة الصهيونيّة، الآن، الى استثمار خروج آلاف اليهود من أوكرانيا، بسبب الحرب الدائرة، لجلبهم إلى الكيان الإسرائيلي، وتوطينهم داخله وفي مستوطناته في الضفّة الغربية والجولان. وفي أواخر كانون الأول، صادقت حكومة الاحتلال على مخطّط استيطاني جديد على أرض الجولان المحتل؛ خطّة شاملة لتنمية الجولان ـــــ حسب توصيفهم ـــــ هذا بالإضافة إلى تحديث البنية التحتية وإنشاء مناطق وأحياء جديدة. إذ يعتزم المخطّط جعل الجولان عاصمة لتقنيات الطاقة المتجدّدة للكيان الإسرائيلي، وسيتم تخصيص 576 مليون شيكل (183 مليون دولار) للتخطيط والإسكان، وإضافة حوالي 3300 وحدة استيطانية إلى مستوطنة «كتسرين». وكذلك إضافة حوالي 4 آلاف وحدة إلى مستوطنات مجلس الجولان الإقليمي، وبناء مستوطنتين جديدتين، تضمّ كل واحدة نحو ألفي وحدة استيطانية.
الهدف النهائيّ من المخطط الاستيطاني الجديد هو مضاعفة عدد سكّان هضبة الجولان المحتل بإضافة حوالي 23 ألف مستوطن جديد. وبعد هذا المعطى الجديد، ربّما ستسعى حكومة الكيان إلى زيادة عدد مستوطني الجولان لأكثر بكثير من الرقم المطروح.

تضرب حكومة الاحتلال عرض الحائط بالشرعيّة الدوليّة وتستند في خطواتها الى سياسة الإدارة الأميركيّة في هذا الشأن. وقد شدّد رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، أثناء اجتماعه بحكومته، على أهمّية اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بهضبة الجولان وحقيقة أنّ إدارة الرئيس الحالي جو بايدن أعلنت عدم وجود تغيير في هذه السياسة.

خلال أقل من شهر، فرض الغرب، برئاسة الولايات المتحدة، أكثر من 5550 عقوبة على روسيا تحت ذريعة احتلال الأخيرة لأوكرانيا. فيما جو بايدن، حتّى الآن، لم يلغ، بمرسوم رئاسي، قرار ترامب اعتبار الجولان «أرضاً إسرائيلية». الأخير لم يتطاول على التاريخ فقط، بل على الشرعيّة الدوليّة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي تؤكّد أنّ الجولان أرض سوريّة محتلّة في القرار الرقم 497 عام 1981.

بعض دول الغرب «المتحضّر» منعت تدريس الأدب الروسي في مدارسها، وطردت عازفي فرق موسيقية روس، تحت ذريعة الغضب من روسيا كدولة تحتل أراضي ذات سيادة لدولة جارة، وحتّى اللحظة لم تناد هذه الدول باتخاذ أيّ إجراء ضد إسرائيل التي تحتل الجولان منذ 1967، وتمارس أشكال التطاول كافّة على القانون والشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة في الأراضي المحتلة. سقطت هذه الدول أخلاقياً إلى الدرك الأسفل، وفضحت معاييرها التي لا نستطيع اعتبارها سياسة كيل بمكيالين، بل شريكاً أساسياً في احتلال أراضينا العربية وفرض كيان عليها لتكريس استكبارهم واستعمارهم.

ممّا لا شك فيه أنّ الكيان الصهيوني لا يزوّر التاريخ ليبرّر احتلاله لفلسطين والجولان، بل يزوّره لتستطيع دول الغرب تضليل وتبرير سلوكها المشين أمام شعوبها. فإسرائيل كيان استعماري يخدم مصالحهم وأطماعهم في منطقتنا، لذا ممّا لا شكّ فيه أنّ قادة الكيان سيستثمرون الأزمة في أوكرانيا لاستقطاب اليهود ومحاولة توطين ما يمكن منهم في الجولان؛ لاجئون هربوا من الحرب يدينون عدم احترام سيادة دولتهم واستقلالها، لن يكون لديهم إشكال في السكن كمستوطنين في أرض محتلة وعلى أنقاض قرى مهدّمة ومهجّرة، أصحابها الحقيقيون نازحون داخل وطنهم ينتظرون تطبيق قرارات الشرعية الدولية وانسحاب جيش الاحتلال كي يعودوا إلى أرض آبائهم وأجدادهم. وإذا استطاع قادة الكيان استثمار مشروع تعزيز استيطانهم، ولم يضع مجلس الأمن إسرائيل تحت طائلة العقوبات وتنفيذ قراراته ذات الصلة، فستضع هذه المنظومة الدولية مسماراً آخر في نعشها.

* أسير محرر ــــ الجولان