نبدأ بسؤال مباشر: هل العرب بيض؟ أجاب كثير من الناس على هذا السؤال على شكل كتب ومقالات علمية وملخصات تشريعية وفي آلاف التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي. ليست لهذا السؤال إجابة واحدة، وغالباً ما تقدّم أجوبة لا علاقة لها بالسؤال المطروح أصلاً. فنحن لا نستطيع وبدقة تصنيف العرب من خلال هوية عرقية محددة. واقعاً، يتمحور هذا السؤال حول الغموض في ماهية البياض (Whiteness)؟ فنحن لا نعرف ما هو البياض بالضبط، وربما لا نتفق على تعريف واحد له، لكننا نعلم أن أي تعريف لا يمكنه ولن يمكنه أن يشمل العرب.لقد رأينا الكثير من الاستقصاءات الأكاديمية حول مسائل العرق وصلتها بالعرب والإيرانيين والأتراك والأفغان والمسلمين بشكل عام. لكن «تويتر»، ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، تجعل القضية تبدو أبسط بكثير مما تشرحه وتبرّره هذه الأدبيات الأكاديمية. على أي حال، سأحاول أن أبقي الموضوع بسيطاً على النحو التالي: في الولايات المتحدة يمكن للعربي أن يكون أبيض، ولكن لا يمكن للشعب العربي هناك أن يصنّف من البيض. ويعود ذلك لسبب أنه وفي حالات محدّدة قد يتمكّن فرد عربي من نزع انتمائه وسياقه من عربيّته، ولكن لا يمكن اختزال ماهية العربيّة في فرد معين.
إن أفضل مثال يمكنني التفكير فيه هو تفجير ماراثون بوسطن عام 2013. فحين سماع الخبر لجأتُ إلى الإنترنت للوصول إلى تفاصيل الحدث كغيري من ملايين الناس، الأمر الذي قادني إلى نقاشات محتدمة حول الحدث على موقع «Reddit». فبحلول ذلك العام كانت وسائل التواصل الاجتماعي مصادر أساسية للمعلومات، لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن الكثير من الناس قد توافدوا إلى «تويتر» و«Reddit» مع نظريات مختلفة حول الجريمة. ومع ذلك، بدا الحوار عبر الإنترنت حول تفجير الماراثون مختلفاً عن أحداث سابقة من ناحية النطاق وحجم النقاش.
التقطَت آلات التصوير الحدث الرهيب وما تلاه؛ من التفجير المفاجئ وسط حشد كبير وكثيف إلى ذعر الرياضيين والمتجمهرين وعشرات المتفرّجين الملطخين بالدماء وصولاً لعداء مسن ينهار على الأرض، حيث تم تصوير المشهد من عدة زوايا مختلفة. تم تحميل مقاطع الفيديو على «Reddit» مع العديد من الصور، وسرعان ما كان الآلاف من المحققين الهواة على الإنترنت يبحثون عن أدلة. وبصراحة بدت بعض المساهمات علميّة، حيث حشد المستخدمون جهداً ذهنياً كبيراً ومعرفة فنيّة وتكنولوجية للتعرّف إلى المنفّذ وسرعان ما ظهر العديد من المشتبه فيهم. وهنا حدث شيء مثير للاهتمام، وربما كان متوقّعاً، فأثناء البحث بدأ المستخدمون في تحديد المتجمهرين الذين يمكن اعتبارهم شرق أوسطيين، حيث أصبح أي شخص يبدو داكناً أو قمحيّ البشرة تحت عين الرصد، وذوي البشرة الداكنة أصبحوا مشتبهاً فيهم على وجه الخصوص.
مع مرور الوقت، كوّن مستخدمو «Reddit» بعض الاحتمالات. فقد كان هناك الطالب الهندي الذي فُقد من جامعة براون والذي انتحر في وقت لاحق. وأيضاً، كان هنالك الشاب السعودي البالغ من العمر 21 سنة والذي تم نشر صورته لاحقاً على الصفحة الأولى في «نيويورك بوست». بينما انصب معظم التركيز على شاب يرتدي ملابس رياضية وحقيبة ظهر تبيّن أنه طالب في المدرسة الثانوية أصله من المغرب ويهتم بالجري لمسافات طويلة.
تعرّفت الشرطة في وقت لاحق إلى منفّذي التفجيرات، وهما الأخوان تامرلان وجوهر تسارناييف، مهاجران من قيرغيزستان من أصول شيشانية. وهما أيضاً قد تم ذكرهما خلال تزاحم البحث عن المنفذين على الإنترنت. فقد لاحظ المستخدمون بشرتهم الزيتونية وعيونهم الداكنة وهي ملامح إسلامية لا لبس فيها. وحين انقطع الشك في أن الأخوين تسارناييف كانا وراء التفجير، قام الجمهور على الإنترنت بتهنئة بعضهم البعض على كونهم في غاية الفطنة والتميّز. وكل ذلك بعد تشويه سمعة ثلاثة شبان أبرياء وتعريضهم لتبعات مكلفة على إثر هذا التشويه.
أظهرت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ذعراً شديداً بشأن جوهر (قتلت الشرطة تامرلان أثناء المطاردة). لقد كان من الظاهر فتى لطيفاً بعيون كبيرة وشعر أشعث، وليس على شاكلة التصوّر النمطي لهيئة إرهابي. فلقد بدت هيئته أظرف بعض الشيء من الصورة الشائعة للمسلم. لكن في هذه الحالة، اضطر الجمهور إلى النظر عن كثب واكتشاف أن الدين في الواقع قد انعكس في ملامح الصبي.
ربما كان جوهر - وهو من القوقاز في نهاية المطاف - قد تم اعتباره أبيض من قبل المشاة الذين يتجوّلون في أحد شوارع بوسطن الهادئة بعد ظهر يوم اعتيادي، ولكن في إطار غير شخصي من على الشاشات، ووسط مطاردة مستخدمي الإنترنت للإرهابيين، كانت هويّته أقل جموداً. ففي السياق الجديد، لم يكن أبيض بما يكفي لتجنّب الشك فيه، وعندما أكدت السلطات مشاركته في التفجير لم يعد اعتباره أبيض أحد الخيارات. ففجأة أخذت تلك العيون السوداء الكبيرة جوهراً شريراً وتحوّل الشعر الأشعث إلى رمز للغموض الشرقي. حيث يمكن أن ينظر إليه كمراهق محبوب في إحدى الحالات، وككابوس وجودي في حالات أخرى. هذا النوع من التناقض هو بالضبط الطريقة التي تعمل بها العنصرية الأميركية.
لم يحظ الشبان العرب المشتبه فيهم بهذا القدر من التردّد في تعريف ماهيّتهم، فلم يكن هنالك لبس في تصنيفهم بغير بيض وبشكل واضح منذ البداية. كان من الغريب مشاهدة تطوّر الأحداث فور حصولها، حيث وضع حشد من مستخدمي «Reddit» المجهولين أنفسهم لمهمّة تحديد مستويات مرتفعة من الميلانين والحواجب الكثيفة واللحى الكثة والشعر المجعد والساعدين المشعرين، وحتى البشرة بدرجات مختلفة من البياض كانت مدعاة للشبهة. وأصبح «يبدو وكأن مظهره عربي» أو «يمكن أن يكون مسلماً» مقياساً مشتركاً. كان من المهم مطابقة السمات المادية للتصور العنصري من أجل إنقاذ البياض من أن تشمله فحوى عنوان الإرهاب الأجنبي.
أعود دائماً إلى تفجير الماراثون عندما تثار مسألة العرب والعرق في الولايات المتحدة (نفس السؤال العام ينطبق على مجتمعات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى الأخرى. في الواقع، هذه المناطق الجغرافية المتباينة متشابكة بحكم العنصريّة نفسها). يمكن للعربي أن يكون نوعاً معيّناً من البيض، ولكن فقط في ظروف غير تاريخية. ويحدث ذلك فقط عند اختيار الأفراد، على مستوى فريد، وعندما يتم فصل هيئة الجسم عن الجينات، أو عندما تنفصل الشخصية عن الثقافة. يمكننا الوصول إلى البياض على وجه التحديد لدرجة أننا يمكن أن نكون مجهولين. ولكن وبمجرد أن يكون السياق مطلوباً لفرز المواطنين في تسلسل هرمي، فإننا نفقد هذه الميزة. أو بعبارة أكثر وضوحاً، عندما يريد حرّاس العدالة الأميركية أن يجدونا فإنهم يعرفون بالضبط ما الذي يبحثون عنه.
أحياناً نصبح بيضاً من أجل حيازة مكانة وامتياز على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد يعتبر البعض أن صورة الملف الشخصي والبروفايل غير ملوّنة بشكل كافٍ، لكن هذا النوع من الحكم يمكن أن ينتهي بسهولة وسط التوتر الجيوسياسي. وبالمثل عندما تكون هناك حاجة إلى كبش فداء أو إلى الطرف الشرير لإعادة إحياء الإمبريالية. فمن بحق الجحيم يعتقد أن سرحان بشارة سرحان أبيض؟ من الذي لا يلعب لعبة العنصرية القبيحة عند مقارنة أعراق الأوكرانيين بالأفغان والعراقيين؟ ومن يعتقد حقاً أن الطائرات الأميركية من دون طيار تستهدف أقرانها المتحضرين في أصقاع الأرض؟
يتم اعتبار العرب باستمرار في خانة اللون البني (Brownness) بشكل توافقي في جميع المنتجات البصرية، حيث غالباً ما يلعب ممثّلو جنوب آسيا شخصيات عربية حتى يفهم الجمهور نوع العيّنة التي يتعاملون معها. وحتى مع الممثّلين ذوي البشرة الفاتحة يحرص فريق الإنتاج على إبراز خصائص معيّنة، فنحن دائماً ما نكون غامقين جداً لدرجة يصعب معها إدراجنا تحت خانة كبيض.
يجب الإشارة إلى أن العرب نادراً ما يتم إدراجهم في خانة السواد (Blackness)، وهي فئة استثنائية مستمدة من مجموعة مختلفة من الاحتياجات الليبيدية/الشهوانية والسرديات الجيوسياسية (ومع ذلك، هناك بعض التداخل). البياض دلالةٌ ديناميكية تنحرف بحسب الظروف المادية والسياسية، وأحد مصادر ديناميكيتها هو جمود تصوّر ماهيّة العربي، حيث هنا أيضاً يتم إنهاء تعدّد العرب من أجل ترسيخ التصوّر المألوف استشراقياً.
هناك مليون طريقة للتعامل مع أسئلة العرق تجاه العرب: لون البشرة وبنية العظام وكثافة الشعر وحجم الأنف وحجم الشفاه. ولكن أيضاً اللغة والملابس والثقافة والعادات والسلوك والموقع الجغرافي والتسميات والدين والمزاج والأيديولوجيا. مهما كانت المعايير هناك دائماً عدد كافٍ من العلامات الأجنبية على أجسادنا لإصدار حكم سلبي. فكما نرى، فإن الولايات المتحدة مغرمة بالقنابل ولذلك تقوم بجهد كبير لخلق هوية وطنية، وهذا ما يقتضي أن هناك حاجة دائمة لذلك العربي الذي إن لم يكن هو من يزرع القنبلة فسيكون من تتساقط القنابل عليه.

* أكاديمي فلسطيني- أميركي متخصّص في شؤون المضطهدين والعنصريّة في أميركا