من هو هذا الحزب المقنّع؟ ولماذا يعتمد المخادعة في إخفاء نفسه كحزب سياسي كامل الأوصاف؟ نراه تحت اسم منصة «نحو الوطن». ما هي هذه المنصة؟ الأجوبة من موقعها، وبلسانها، كما هي تقدّم نفسها: «مجموعة لبنانية جديدة (موديل 2022). ماذا تفعل (وستفعل)؟ «تتولّى رعاية التغيير في الواقع السياسي اللبناني». ماذا يعني هذا الكلام؟ ألا يعني أن هذه المجموعة (آخر موديل) التي تتولّى التغيير السياسي تمارس، بالطبع، العمل السياسي؟! هي تمتهن العمل السياسي «بهدوء وبعيداً من الاستعراضات السياسية والشعبية». لماذا؟ لعدم لفت النظر، لمنهجية جديدة في المخادعة، والتمويه بأسماء غير سياسية؟ أم لمنهجية جديدة في التنظيم؟ تأطير الأعضاء كجماعات، شبكات؟ وهي في الآن نفسه تصف نفسها بأنها «منصّة للتغيير السياسي... هدفها تمكين وصول قادة سياسيين مستقلّين لإدارة البلاد». هل عمل الأحزاب يختلف كثيراً عن هذه الأعمال والأهداف - إيصال قادة سياسيين مستقلّين؟ لنسأل: ترى هؤلاء القادة السياسيّون مستقلّون عن مَن؟ طبعاً، مستقلّون عن جميع الأحزاب ما عدا حزب منصة «نحو الوطن» الذي ينتمون إليه. ما هي الطبيعة الطبقية لهذا الحزب المقنّع؟ تقول «نحو الوطن» إنها «تضم عدداً من الشخصيات اللبنانية (وهي مكوّنة على التوالي - هذا الكلام بين الهلالين لنا) من رجال أعمال ومغتربين ومحامين وشخصيات ناشطة في العمل السياسي والاجتماعي والقانوني». هذا حزب برجوازي (رأسمالي)، على قمّة هرمه وقيادته الفعلية (العلنية أو العميقة) رجال أعمال (قل: إنها الرأسمالية)، ومن يمثّلهم من «الناشطين». ماذا يريد هذا الحزب المقنّع الآن؟ «توحيد مجموعات الثورة ضمن لوائح انتخابية موحّدة على جميع الأراضي اللبنانية».
عليه، هذا حزب برجوازي لبعض أبناء الطبقة الرأسمالية يريدون الحلول في الحياة السياسية مكان أبناء طبقتهم الذين كشفتهم فضائح أعمالهم وإفلاسهم البلاد والعباد، وسبّبت انتفاضة 17 تشرين سقوطاً لهيبتهم، وفضحت عمق فساد أطراف محالفة الطبقة الرأسمالية المكوّنة من رجال أعمال الاحتكارات التجارية والعقارية والمصرفية. ولهذا الغرض يتوسّل هذا الحزب البرجوازي المقنّع، في موسم الانتخابات، اصطياد الراغبين من بعض المشاركين، بدرجة وأخرى، في بعض أنشطة الانتفاضة، ويعمل على استقطابهم وإدخالهم في هذا الحزب المقنّع، بما يتوافر فيه من كادرات متفرّغة (موظّفة، مأجورة = تتلقى أجراً) على كفاءة عالية في التنظيم والإعلام والتلاعب بالعقول، وبتصرّفها مقادير من المال كأمر معلن من قبل هذا الحزب المقنّع الذي يمتلك القدرة على التمويل من إيرادات يقدّمها البعض من أعضائه - رجال الأعمال (وهو حزبهم). وليس من المستبعد مطلقاً أن يكون هذا الحزب المقنّع واحداً من جمعيّات المنظمات غير الحكومية (ONGs-NGOs)، وهو على الأرجح كذلك، ويخضع بالتالي لإملاءات وخطط ومشاريع المرجعيّات الخارجية المرتبطة بشتى السفارات الغربية، كما سنراه بعد قليل.
المرجعيّة الفعليّة لهذا «الائتلاف الانتخابي» هي الخاطف الحقيقي للدولة اللبنانية، وهذه المرجعيّة هي سيّدة هذا «الائتلاف»، وهو مجرّد تابع صغير لها


نتقدّم بملاحظة عابرة هنا حول الانتفاضة و«ثوار» الانتفاضة، لكثرة ادّعاء البعض أنهم ثوار وانتفاضيون ومشاركون في انتفاضة 17 تشرين 2019. بداية نقول إن كل انتفاضة، أو ثورة، تنشأ وينشأ معها توأمها المضاد. فلكل انتفاضة/ثورة انتفاضة/ثورة مضادة. والانتفاضة/الثورة المضادة تقوم بها الطبقة المسيطرة وأحزابها الحاكمة. وهي تقوم بذلك بشكلين. الشكل الأوّل، بعضها يزعم أنه هو حزب انتفاضة/ثورة؛ ألم يعلن قادة التيار الوطني الحر أن الانتفاضة/الثورة «سرقت شعاراته»؟ ألم تشارك القوات اللبنانية بأنشطة الانتفاضة/الثورة؟ الشكل الثاني، ثمّة أحزاب تقوم بانتفاضة/ثورة مضادة عبر قمع الانتفاضة بالعنف المعنوي - الإعلامي والعنف المادي - الميليشيوي؛ كالثنائية الشيعية والحزب التقدّمي الاشتراكي. وبعض أحزاب السلطة يمارس شكلي الانتفاضة/الثورة المضادة.
أمّا حزبنا المقنّع (نحو الوطن)، فهو من النوع الأوّل الذي يزعم أنه مع الانتفاضة والتغيير، ومشروعه أذكى؛ ضم جماهير الانتفاضة/الثورة إلى صفوفه وتنظيمها في حزبه، تحت شعار قيادتها لتبلغ مجلس النواب، وقيادة البلاد السياسية. ويشترط عليها في ذلك التخلّي عن أي انتماء حزبي. طريف: حزب يرفض على أعضائه الانتماء لغيره من الأحزاب. فهل هذا أمر غير عادي؟ طريف هذا الحزب المقنّع، يقول عن نفسه: «نحن لسنا حزباً أو مجموعة ضغط أو مركز بحوث». كلام بديع! ويضيف: «نؤمن بأن الانتخابات هي نقطة البداية للتغيير السياسي». ويؤكد: «تتوزّع جهودنا على كلّ المناطق اللبنانيّة»، و«لدينا فريق عمل متفرّغ يعمل يومياً لتحقيق هدفنا». وفي مكان آخر يقول: «لدينا فريق من المحترفين المكرّسين لتنفيذ مهمّتنا. يتمتّع أعضاء فريق العمل بخبرةٍ قويّة في إدارة الانتخابات، التنظيم السياسي». ما هو هذا الذي يفعل كل ذلك؟ أليس حزباً سياسياً؟ فلماذا ينكر؟ وبالأحرى، لماذا يتنكّر لواقعه؟ أيستخف بعقول الناس؟

قراءة أوّلية في بيان «الائتلاف الانتخابي»
القراءة في هذا البيان تكشف المزيد من طبيعة هذا الحزب، كما تدل على حقيقة انتمائه السياسي للغرب الإمبريالي وقضاياه في منطقة الشرق الأوسط، ومنها لبنان بالطبع.
يقول المثل: «المكتوب يُقرأ من عنوانه». ما هو عنوان بيان «الائتلاف الانتخابي»؟ وما هو بالتالي عنوان وظيفة هذا «الائتلاف الانتخابي» كما حدّدها صانعه الحزب المقنّع وما انضوى فيه من قوى وشخصيات تطلق على نفسها صفة التغيير والثورة؟ الكلام والتوصيف «ببلاش».
يبدأ البيان بالآتي: إن «المنطلق لاستعادة الدولة المخطوفة بالسلاح». «أول دخولو شمعة طولو». لندقق قليلاً بهذا الكلام: «الدولة المخطوفة بالسلاح». يعني أنه طالما هناك مخطوف علينا تعيين الخاطف. «الدولة المخطوفة بالسلاح» إشارة واضحة إلى أن الخاطف هو حزب الله. وبالتالي حزب الله هو إيران. باعتبار أن الشيعة ليسوا لبنانيين (وإن كانوا يشكّلون أكبر طائفة في لبنان ويعادلون حوالي ثلث أهله)، وإن كان وجودهم في لبنان، وفي كل مناطق لبنان، بما فيها المتن وكسروان وجبيل، أقدم بكثير من غيرهم من اللبنانيين. تحرير المخطوف (الدولة) من الخاطف (حزب الله) هو سحب سلاحه. نزولاً عند مشروع ومصلحة الإمبريالية الأميركية والكيان الصهيوني. هكذا يشكر الحزب المقنّع حزب الله على تحريره القسم الأكبر من أرض الجنوب المحتلة، بسحب سلاحه وشيطنته.
لا يرفع «الائتلاف الانتخابي» شعار تحرير «الدولة المخطوفة من الاستعمار الأميركي»، من الإمبريالية، من قيادة النيوليبرالية العالمية، من الرأسمالية اللبنانية، النهّابة والسلّابة والفاسدة والمفسدة، والأهم التابعة (قل: الخاضعة) للرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة. ولا يطرح تحرير الدولة اللبنانية من التهديدات اليومية والاعتداءات الصهيونية، الجوّية والبحرية والبرّية. دعونا من ذلك. ولنسأل: هل عيونه لا ترى وعقله لا يفهم، معنى تدخّل وفد السفارة الأميركية في عكار، أي بالذات في دائرته الانتخابية؟ وهذا التدخّل لم يحصل بالأمس فقط، بل هو أمر معتاد. لا، بالطبع عينه ترى. ولكن مطلوب منه من قبل أسياده (الأميركي)، أو بحكم غبائه، أو تعصّبه الطائفي أو المذهبي، غض النظر: أغمض عيونك. وعقله يفهم، ولكن مطلوب منه من قبل أسياده (الأميركي)، أو بحكم غبائه، أو تعصبه الطائفي أو المذهبي، أن يستخف بعقله بالذات وبعقول الجماهير، فلا ينبس ببنت شفة، ويصمت.
لا ينطلق بيان «الائتلاف الانتخابي» من تحليل طبيعة الأزمة اللبنانية، أو طبيعة الدولة اللبنانية الفاشلة ونظامها السياسي والاقتصادي اللبناني. ولا يسأل عن علاقة هذه الدولة - المزرعة، منذ لحظة تكوينها، بالرأسمالية العالمية، بالاستعمار الأوروبي (الفرنسي - الإنكليزي) ومن ثم بالاستعمار الأميركي؟ لا يسأل عن وظيفة هذه الدولة المرسومة منذ لحظة إقرار سايكس - بيكو، ودور اقتصادها كوسيط، أو كحلقة وصل، تجاري ومصرفي، بين الرأسمالية العالمية واقتصاد الداخل العربي الريعي، لا سيما الخليجي منه. ولا يسأل عن طبيعة هذا النظام الاقتصادي اللبناني المحكوم والموجّه (هو ودولته) من قبل الرأسمالية العالمية الأوروبية ومن ثم الأميركية؟ بالتالي هو لا يرى أن «المنطلق لاستعادة الدولة المخطوفة» هو تحريرها من الرأسمالية العالمية (الإمبريالية)، عبر التخلّص من أتباعها من الرأسمالية اللبنانية في محالفة الاحتكارات التجارية والعقارية والمصرفية. وما ذلك بالطبع إلا لأن المرجعيّة الفعليّة لهذا «الائتلاف الانتخابي» هي الخاطف الحقيقي للدولة اللبنانية، وهذه المرجعيّة هي سيّدة هذا «الائتلاف»، وهو مجرّد تابع صغير لها.
هل من ضرورة لمزيد من القراءة في البيان الانتخابي لهذا «الائتلاف الانتخابي» العكاري؟ إن الكلام في دولة القانون ورفض الطائفية هو هنا مجرّد تعلّة وتمويه لتنجح المخادعة. التيار الوطني الحر طالب بالعلمنة وبالدولة المدنية، حركة أمل كذلك، الحزب التقدمي الاشتراكي بالتأكيد. يا لروعة رفض الطائفية! كم من الموبقات والتهريج والخداع ارتكب باسم رفض الطائفية؟ واليوم جاءنا حزب مقنّع (حزب برجوازي أصلي، موديل 2022) يرفض الطائفية. إن صدقه في ذلك كصدقه بأنه ليس حزباً.
* كاتب لبناني