في الفجر الثالث والأربعين على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، نتذكّر في البداية معاً فلسفة الرقم أربعين الذي يدلّ على الكمال والنضوج في الأحاديث والعلوم والفلسفات، وحتى عقائديّاً. بالنسبة إلى اليهودية والمسيحية والإسلام، فإن الرقم «أربعين» هو عددٌ تكاملي تام يكون بعده إمّا عذاب أو رحمة.اليوم، وفي مرحلة دخول الثورة مرحلتها الثانية، التي تحدّث عنها السيد القائد حفظه الله في بيانه عن الخطوة الثانية لانتصار الثورة، نستذكر الحقيقة التي يعترف بها الغرب بأنّ الشيء يزداد رسوخاً وثباتاً بعد أربعينيّته. ونقول إنّ الثورة رسخت في نفوس الأجيال، ومبادئها أصبحت ثابتة لا يمكن أن تضعف طالما بلغت أربعينَها بحماسةٍ وإخلاصٍ ووفاء من جيل الثورة الذي ترك لأبنائه إرثاً عقائدياً فكرياً ونهجاً يسيرون عليه من أجل تحقيق الحلم والمحافظة على إيران السيادة والقوة والحرية، وعلى إيران الإسلام فوق كل شيء.
إن الخطوة الثانية من الثورة بدأت ملامحها تبرز مع باكورة إنجازاتٍ غرسَها الإمام الخميني قُدس سره في هذه الأرض وعلى أيدي وسواعد الأبطال المرابطين على الجبهات، فحصدَها اليوم أبطالٌ آخرون في حقول العلم والتقنية والاقتصاد والتعليم والاجتماع والفكر. ونحن نشهد في الوقت الراهن والآونة الأخيرة طفرةً تكنولوجيةً علميةً لا نظير لها في إيران ما بعد الثورة، في الحقول كافة؛ في الصناعة والزراعة والاقتصاد والنفط والسياحة وغيرها. وقد حقّق الاكتفاء الذاتي والإنتاج المحلي الداخلي بنيةً أساسيةً للاستقلال الاقتصادي أمام حجم العقوبات والحصار الذي تعانيه إيران منذ عقود، ولا سيما في السنوات الأخيرة.
إيران اليوم تزداد قوةً يوماً بعد يوم، وتثبت أنها دولةٌ قويةٌ يحسب لها العالم ألف حساب، فيسارعون لإجراء المفاوضات معها لأنهم يدركون تأثيرها وقوتها في المنطقة.
إذاً، يمكن القول إن الثورة الإسلامية كانت أعظم الثورات المعاصرة وأكثرها شعبيّةً حتى اليوم. فهناك جيل جديد محبّ للثورة ويحمل الروح الثورية والقضية التي سار عليها أصحاب العقيدة والنهج الخميني، قضية الحق ضدّ الباطل، قضية المقاومة والجهاد والتقدّم العلمي، قضية فلسطين ومحاربة الكيان الصهيوني الغاصب، والكثير من القضايا التي تصبّ في أهداف الثورة. كما أكّد قائد الثورة الإسلامية في بيان الخطوة الثانية للثورة، إنّ مبادئ الثورة الإسلامية ومنطلقاتها كانت الحرية، الأخلاق، المعنوية، العدالة، الاستقلال، العزة، العقلانية والأُخوّة، وهي كلها أمور ومبادئ لا يمكن أن تنتهي صلاحيتها لأنها نوازع إنسانية فطرية. الثورة الإسلامية الإيرانية هي الثورة الوحيدة التي صانت مبادئها وتطلّعاتها خلال الأربعين عاماً الماضية ولا تزال تدافع عنها وتؤكّد عليها وتطبّقها في الميادين كافة.
لقد كان شعار الثورة «لا شرقية لا غربية بل جمهورية إسلامية» شعاراً بيّنَ الخطوط العريضة لمبادئ هذا الحدث التاريخي، الأمر الذي أدّى إلى تعزيز اقتدار الصحوة الإسلامية المبنية على نموذج المقاومة في مواجهة الغطرسة الصهيوأميركية.
هكذا أخرجت الثورة إيران من عصر الانحطاط والتبعية للغرب في العهد البهلوي ومن قبله، وأدخلتها مرحلة السيادة والاستقلال والقوة والتكنولوجيا والتطور، فكانت الثورة نقطة بداية نهضةٍ إصلاحيةٍ شاملة من الأبعاد كافة.
هي ثورةٌ قامت مبانيها على العقيدة والإيمان، وليس على الانفعال والتهوّر والعواطف، وإنما تمّ توجيه هذه العواطف نحو تعاليم الثورة العملية، من أخلاقٍ ومعنويةٍ وإخلاصٍ وإيثارٍ وإنسانيةٍ وتوكّلٍ وإيمان. وهي ثورةٌ التحمت بثورة أبناء القدس وانتفاضتهم ومقاومتهم، فكانت أفضل الثورات التي حملت أحقّ القضايا وأعمقها.
نحن اليوم، في الذكرى الثالثة والأربعين على انتصار الثورة، نشدّ على يدَي قائدنا السيد علي الخامنئي دام ظله، ونضمّ صوتنا إلى صوته، بأنها مرحلة الأربعينية الثانية للثورة، حيث خاطب الجيل الرابع بأنّ عليه السعي والجهد لتحقيق أهداف الثورة الأولى في الخطوة الثانية من أجل حفظ استمرارية التقدّم والتطور والبناء والازدهار ومن أجل التعبير عن الوفاء لدماء كل الشهداء، من الدفاع المقدّس حتى الشهيد قاسم سليماني الذي أتمّ الحجةَ على القوى الاستكبارية، فانتصر الدم على السيف مجدداً، وخطّ بدمائه ملامح المرحلة القادمة باتجاه تحرير القدس بإذن الله.

* الملحق الثقافي الإيراني في بيروت