إسرائيل ليست دولة عادية. كل شيء فيها مشبع برموز دينية. خرافات وأساطير يهودية تلفّها من رأسها إلى قدميها. ابتداء من اسمها الذي هو اسم نبيّ في التوراة، وانتهاء بقوانينها التي تجعلها «دولة الشعب اليهودي» في «أرض الميعاد»، مروراً بعَلمها (الذي هو ثوب صلاة لليهود) ونشيدها الوطني (هاتيكفاه) الذي يتكلّم عن الروح اليهودية في القلب اليهودي. في كل ما يتعلّق بـ«دولة إسرائيل» رائحة الدين تزكم الأنوف. ومع ذلك، فإن الصهاينة الأوائل الذين كانوا وراء مشروع الدولة اليهودية، وإليهم يرجع الفضل في نشوئها، كانوا في أغلبيتهم غير متدينين على الإطلاق، أو ملحدين صرحاء.نبدأ بثيودور هيرتزل، أبو الفكرة الصهيونية ورائدها في القرن التاسع عشر. فرغم كتبه وكلامه عن «الأمّة اليهودية» و«الشعب اليهودي» و«التاريخ اليهودي» و«الشخصية اليهودية»، إلخ... فإنه على المستوى الشخصي كان بعيداً تماماً من الدين. وفي كتابه «From Herzl to Rabin: The Changing Image of Zionism» يلقي أمنون روبنشتاين الضوء على الناحية الدينية في حياة هرتزل، ويقول إن كل ما يربطه باليهودية كديانة كان ذكريات قديمة من طفولته لزيارةٍ لكنيسٍ في بودابست بصحبة والديه. والمصادر الأخرى المتعلقة به تذكره كملحد أحياناً وكعلماني أحياناً أخرى. كما أن صديقه المقرّب ورفيق دربه في المؤتمر الصهيوني الأوّل، ماكس نورداو، كان معروفاً في الأوساط الأوروبية كمفكر ملحد.
والزعيم الصهيوني الكبير الآخر حاييم وايزمان، الذي صار أوّل رئيس لإسرائيل، كان من الملحدين، كما يقول لنا في. سي. توماس في كتابه The God Dilemma: To Believe Or Not» To Believe». وينقل توماس عن رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج إشارته له بـ«الملحد» في مذكراته.
كان لبن غوريون مفهومه الخاص للإنسان اليهودي وقد وضّحه مرّة في كلامه أمام الكنيست


ديفيد بن غوريون هو بلا شك أعظم شخصية في تاريخ إسرائيل، وهو الذي تلا بيان إعلان استقلالها وصار أوّل رئيس حكومة لها. وهو أيضاً من المصنّفين كملحد. وفي عام 2018، نشرت جريدة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية مقالاً بعنوان «Did David Ben-Gurion believe «in God? Not so simple ذكرت فيه أن بن غوريون قال إنه «مع احترامه للمؤمنين» إلا أنه يعتبر أن «قصة خلق الإنسان» لا يمكن قبولها من ناحية تاريخية لأنه «لم يكن عليها أي شهود». ويُروى أن بن غوريون عندما رأى مجموعة من الجنود وهم يصلّون في «يوم الغفران»، كتب في مذكراته «كم أغبطهم! الصلاة تريح النفس، ولكنها ليست حقيقة. إنها خداعٌ للنفس». وكان لبن غوريون مفهومه الخاص للإنسان اليهودي، وقد وضّحه مرة في كلامه أمام الكنيست حين قال: «العربي يختلف عنا. العربي ممكن أن يؤمن بالإسلام أو أن يعتنق المسيحية ويبقى عربياً. أمّا اليهودي فلا يمكن أن يعتنق أي دين آخر. ممكن أن يكون اليهودي ملحداً ولكن لا يمكن أن يعتنق ديناً آخر».
وكذلك كانت غولدا مائير، «المرأة الحديدية» التي لها بصمات في كل مراحل تكوين إسرائيل، ملحدة معروفة. وعندما واجهها صحافيّ مرةً بسؤال مباشر إذا كانت تؤمن بوجود الله أم لا؟ أجابته بكل ذكاء «أنا أؤمن بالشعب اليهودي، والشعب اليهودي يؤمنون بالله».
وموشيه ديان أيضاً، قائدهم العسكري الأسطوري، يعدّ في صفوف الملحدين الصهاينة. ويروى عنه انزعاجه الشديد من رؤية عدد كبير من الحاخامات اليهود وهم يتدفّقون إلى «جبل الهيكل» بعد احتلال القدس الشرقية عام 1967، فقال: «ما هذا؟! هل سنصبح فاتيكان؟!».
وحتى إسحاق رابين كان ملحداً. الوحيد من رؤساء الحكومات الإسرائيليين (عدا عن الحالي نفتالي بينيت) الذي كان يذهب، من حين لآخر، للصلاة في الكنيس، هو مناحيم بيغن.
* كاتب من الأردن