هذا عنوان متوقع وممكن الاعلان السياسي عنه، ويتردد الحديث عنه أخيراً. وهناك شواهد ومقدمات. ولكن وقعه السياسي والأمني في خريطة المنطقة مؤثر وواسع ولذا يتحسب للأمر قبل التقدم به. إذ انه ليس اعلاناً فحسب وإنما له ارتداداته الاستراتيجية في منطقته وتوزع الأكراد والمصالح الجغراسياسية لكل الاطراف ذات العلاقة، داخل وخارج المنطقة.
إلا انه يظهر بين آونة وأخرى في تصريحات او خطابات او حتى ممارسات معينة مثيرة للسؤال عنه. وقد يُتعاطف معه من قبيل الايمان المسبق في حق تقرير المصير للشعوب والجوانب الانسانية والقانونية الاخرى ويُختم باستمرار بكلمة ولكن... وهنا مربط الفرس! فقد صرح اكثر من مسؤول كردي عراقي عن افكار الاستقلال الكردستاني او الانفصال عن الدولة العراقية/ القسم العربي. وجرّب بعضهم عمليات استفتاء لهذا العنوان في فترات سابقة لجس النبض وتجميع اصوات وأرقام، والتحرك ضد الحكومة الاتحادية المركزية، رغم كل المكاسب التي حصل عليها اقليم كردستان والشعب الكردي في العراق. ومارست قيادات كردية حزبية ومتنفذة في سلطة الاقليم ابتزاز الحكومة المركزية في اكثر من مجال والضغط باتجاه صناعة اشكاليات سياسية وصراعات حزبية او داخلية تؤثر بشكل اساسي في الاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي، فضلاً عن اشغال الحكومة المركزية عن اداء مهماتها السيادية وواجباتها الرئيسية في حماية الوطن والشعب من التهديدات المتنوعة الضاغطة من شتى الاتجاهات والحدود. يشكل الأكراد نسبة تقارب سدس سكان العراق. أكثر من خمسة ملايين نسمة من اكثر من 35 مليون نسمة بإحصاء اخير لسكان العراق. ويشدد القادة الاكراد القومانيون في مطالبهم من الموازنة العامة للدولة العراقية لاستمرار الحصول على نسبة 17 في المئة، على اساس عدد السكان. وهذا متفق عليه عرفاً ومتواصل منذ غزو العراق واحتلاله عام 2003 والى الآن رغم المتغيرات والمخالفات للاتفاقات والدستور وحجوم كل من الاقليم والمحافظات العراقية، وقضايا موارد النفط والضرائب والرسوم الجمركية وغيرها من دخول موازنة الاقليم التي لم تدخل وتتقاسم مع الموازنة العامة.

عندما حصل انفصال
جنوب السودان عن جمهورية السودان
استبشر القادة الأكراد به

تعطيل التصويت على الموازنة العامة لعام 2014 وتأجيله طيلة الفترة هذه له علاقة برفض قيادات الاكراد وتواطؤات من اعضاء في مجلس النواب (البرلمان العراقي)، والتأثير فيه قبل الانتخابات واضح وجلي. ولكن الاستمرار فيه يعطي مؤشرات وأبعاداً اخرى ليست لها علاقة بالنسب والاشتراطات الاخرى فقط وإنما او ربما له علاقة بالضغوط الابتزازية للحصول على مكاسب اكبر وتمهيد ارضية للإعلان عن النيات التي يريدها القادة الاكراد القومانيون اساساً. ولعل الاتفاق مع تركيا على بيع النفط بأساليب غير قانونية وخرق اتفاقات سابقة مع تركيا نفسها وتأييد أميركي لها يعني ان القضية ابعد من صفقات نفط وتعويضات رواتب وحصص مالية وعمليات تهريب واتهامات اخرى. كما انها تدخل في ابواب مختلفة، لا سيما أن الطرف الاخر هو تركيا بالذات وعلاقاتها ومواقفها من القضية الكردية معروفة في بلادها بشكل عام واعتقالها للقائد الكردي عبد الله اوجلان وغيره لحد الآن.
اكد مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان العراق في باريس بعد لقائه معارضين سوريين، (23/ 5/ 2014) يعرف جيداً مكانهم ودورهم في الوضع السوري، أن «الكرد لن يبقوا شركاء في حكومة يترأسها المالكي (رئيس الوزراء نوري المالكي)، لذلك فإن كردستان ستبذل كل الجهود مع الأطراف الاخرى بغية ايجاد شريك حقيقي يترأس حكومة العراق الفيدرالي المقبلة»، لافتاً الى أنه «في حال نجاح المالكي بتولي رئاسة الوزراء للمرة الثالثة، فإن خيارنا هو اللجوء الى استفتاء شعبي في كردستان باتجاه اعلان صيغة اخرى لعلاقتنا مع بغداد». وسبق ان هدد في اكثر من تصريح من خارج العراق، خصوصاً في عواصم غربية، بمثل هذه المفردات، التي تشير الى رغبة واستحياء في اعلان الانفصال، ولكن، كما بات معلوماً ولم يعد سراً، الاعلان مؤجل بانتظار الزمن المناسب وبعد استكمال التحضيرات المطلوبة كلها، وضم المناطق التي تسمى بمناطق متنازع عليها مع بغداد، وكان قد كلف مسؤول برتبة وزير لها في الاقليم. والتهديد بها كلما أريدت صناعة ازمة مع الحكومة المركزية.
تصريحات اخرى تعطي مؤشرات على اتجاهات او مساهمات في صناعة الازمات عموماً وتأجيج التأزم الحالي في العراق. مثل تصريح النائب عن التحالف الكردستاني محما خليل في 27/ 5/ 2014 الذي اكد فيه ان جميع الخيارات أمام الاكراد مفتوحة بما فيها انفصال الإقليم عن المركز في حال تولي رئيس الوزراء نوري المالكي ولاية ثالثة، فيما لفت الى ان الاكراد يرغبون في حكومة شراكة حقيقية. وأضاف خليل في حديث لوكالة «السومرية نيوز» العراقية، ان «حقوقنا الدستورية مهضومة في العراق من قبل حكومة المركز، وما تحدث عنه رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني واضح جداً، ولا ولاية ثالثة لرئيس الوزراء نوري المالكي». وبيّن أن «الاتفاقات المبرمة بين دولة القانون والتحالف الكردستاني لم تنفذ ولم يتم تطبيق المادة 140 او صرف مستحقات رواتب البيشمركة وغيرها من القضايا المهمة للشعب الكردي».
كذلك اعتبر القيادي الكردي عارف طيفور، (النائب الثاني لرئيس مجلس النواب) في بيان نشر في 27/ 5/ 2014 حصول الاكراد على ثمانية مقاعد في مجلس النواب المقبل مقابل مقعدين للعـرب ومقعـدين للتركمان عن محافظة كركوك، دليل على أن معـظم سكـان المحافظة هـم من القومية الكردية... وطالب الأمم المتحـدة والمنظمات الدولية بـ«الاعتراف الرسـمي بهذا الواقع السـكاني والجـغرافي والعـمل من أجـل عـودة كركوك إلى أحـضان كردستان لأنه استحـقاق تاريخي»، مشدداً على أن «تصبح المحافظة الخـامسة ضمن محـافظات الإقليم» (!).
بينما وفي وقت سابق (6/ 4/ 2014) صرح رئيس حكومة اقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني انه لا خطوط حمراء لدى الاكراد في ما يتعلق بحصول المالكي على ولاية ثالثة لرئاسة الوزراء، مشيراً الى ان هذا الامر تحدده «نتائج الانتخابات والتحالفات التي ستتم على أساس تلك النتائج». و«لا نستطيع القول بأنه لا يمكنه أن يكون رئيساً للوزراء فهذا ليس دستورياً ولا قانونياً، ولكن يبقى ذلك لما بعد نتائج الانتخابات والتحالفات التي ستتم على أساس تلك النتائج. وأعتقد هذا الذي سيحدد طبيعة التحالفات». وحول وضع الاقليم اجاب «قررنا مصيرنا على أساس الفيدرالية والشراكة داخل العراق وملتزمون بذلك، فمسألة تقرير المصير أو الاستقلال ليس في أجندتنا وبرامجنا». وهذا التصريح لا يعبر عن تناقض بين الرأيين، ولا تبادل ادوار وإنما تفرضه وقائع وضرورات الواقع السياسي والعملية القائمة، وكذلك ضغوط الدول المجاورة والارتباطات الاخرى، لا سيما الخارجية منها والأميركية خصوصاً. اما متى وكيف وأسئلة اخرى تظل قائمة حول الموضوع ذاته بين الجميع من الان والى اشعار اخر. وهذه المواقف المشوشة للسامع لها او القارئ ترسم خطوات متتالية للمشروع المخطط له بهدوء أو الذي يطبخ على نار هادئة، كما يقال. حيث لا مفاجأة فيه في حال اعلانه رسمياً. وأول الرقص حنجلة! خلاصة القول ان القادة الاكراد القومانيين يهيئون الاجواء لإقامة ما عبّر عنه مرة الزعيم الكردي جلال طالباني بالحلم المتروك للأجيال المقبلة. وسجل كثير من كتاب كرد آراءً حول حق تقرير المصير وضرورة قيام دولتهم. وعندما حصل انفصال جنوب السودان عن جمهورية السودان استبشر القادة الاكراد به، وقابلوه بجدية تفكير بتكرار الحدث في حالة توفر ظروف مشابهة وضغوط ملزمة له، رغم تباين الاوضاع واختلاف التطورات. ولهذا يسعى كثيرون منهم إلى صناعة الازمات والتشبث بحجج معروفة النتائج لتعبيد طريق اعلان: جمهورية كردستان الجنوبية، شمال العراق اولاً.
* كاتب عراقي