1- في الذكرى الخامسة لرحيله
كم هي حافلة بالمعاني رحلة العمر والإيمان والنضال التي أمضاها المطران المقاوم إيلاريون كبوجي بين حلب الشهباء وقدس الأمة مروراً بلبنان الحضارة وفاتيكان العراقة، مع محاولتين لكسر الحصار على غزة التي منع بالأمس الاحتلال توجّه مئات المسيحيين من أبنائها إلى بيت لحم مهد السيد المسيح في عيد ميلاده.
وكم هي غنية بالدلالات قصة هذا الحبر العربي السوري الذي بات فدائياً فلسطينياً، مستكملاً رحلة الشيخ عز الدين القسام وسعيد العاص والآلاف من شهداء سوريا العروبة على أرض فلسطين أو في الطريق إليها.
وكم هي مثقلة بالعبر مسيرة هذا المطران الذي كان يشعّ منه نور الإيمان حيثما يحل والإيمان عنده كان دائماً مقروناً بالعطاء والإباء والفداء في سبيل فلسطين والأمة العربية.
في كل مرة كنت ألتقي بالمطران كنت أجد نفسي بين القدس وحلب، أولاهما بوصلة والثانية جهاد لا يتوقف على طريق الأولى. جمعتني بالمطران ملتقيات ومؤتمرات ومشاريع نضال ومقاومة وكنت في كل منها أجد نفسي أمام القضية ذاتها، حيث كان يقول رحمه الله «العروبة هويتي وفلسطين قضيتي». وكان لا يفصل أبداً بين الهوية والقضية، مدركاً أن كلاهما جامع. وكان المطران رحمه الله دعوة لجمع الناس ومنارة خير وإباء بينهم.
في الذكرى الخامسة لرحيله نقول له نم قرير العين فهناك من أبنائك من يحمل رسالتك، بل بين رعيّتك من يدافع عن الأقصى كما عن القيامة.
رحمك الله يا حبيب الملايين من أبناء أمّتك... مسلمين ومسيحيين.

2- زوربا فلسطين

في كل مرّة كنت ألتقيه في مقر الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين أو في أحد مقار الإعلام الفلسطيني الموحد في بيروت، بستان المقاومة، قبل عام 1982، كنت أناديه بـ«زوربا فلسطين»، للشبه في الشكل والروح بينه وبين زوربا اليوناني كما نقل لنا صورته وروحه الممثل الكبير أنطوني كوين، في الفيلم الذي لحّن موسيقاه الموسيقار المناضل الأممي الكبير ميكي ثيودوراكيس وأخرجه المبدع الكبير مايكل كاكويانيس.
خالد أبو خالد، الذي كان يعتزّ بوالده الشهيد أبو خالد الذي استشهد في ثورة القسام، كان مبدعاً في أدبه وشعره وكتاباته، كما كان مبدعاً في صوته الجهوري المُبْهِر، سواء حين كان يعتلي منصة الخطابة أو يقف خلف مذياع.
لقد اختار القدر لهذا الرجل موعداً لرحيله يوم انطلاقة الثورة الفلسطينية في الفاتح من يناير، وهي الثورة التي ربط حياته بحركتها منذ البداية. واختار له أياماً كانت فيها جنين (مسقط رأسه)، وقضاؤها، تشهد ملاحم مواجهة مع العدو، طالما تميّزت بها جنين بأهلها ومخيّماتها وقراها، كما اختار له دمشق عاصمة الوفاء لفلسطين وقضايا الأمة أرضاً يموت فيها ويدفن في ترابها.
في دواوين «زوربا فلسطين» الشعرية ولوحاته الفنية التشكيلية شباب لا يشيخ، حيث تتعرّف إلى مبدع احترف المقاومة في سبيل تحرير وطنه، فكان بين المقاومين مبدعاً، وبين المبدعين مقاوماً.
رحمه الله والعزاء لذويه ورفاق دربه ومحبيه الكثر.

3- تحية إلى المناضل الكبير صالح شبل

من أجمل ما استقبلت به العام الجديد هو جولة في موقع «عين على فلسطين» eye on) (Palestine الذي يشرف عليه أحد مؤسسي حركة القوميين العرب المناضل الكبير صالح شبل.
في الموقع، المتواضع شكلاً، الغني مادةً، تشعر بأناقة في التبويب، ورشاقة في التعبير، فتقفز من فقرة إلى فقرة حيث المعلومة المفيدة والفكرة الجميلة والروح الوطنية والقومية الأصيلة.
إلّا أن أجمل ما في الموقع أنه يحمل رسالة لكل المناضلين بأن النضال لا يشيخ، وأن روح الكفاح لا تخبو عند من يربط حياته بالقضايا الكبرى كقضية فلسطين والوحدة العربية.
لقد أصرّ رفيق جورج حبش ووديع حداد وأحمد الخطيب وهاني الهندي ومصطفى بيضون وباسل الكبيسي، وغيرهم، أن يواصل نضاله بالتواصل مع الأجيال الجديدة عبر هذا الموقع الذي اختار له اسماً جميلاً معبراً.
لقد كان صالح شبل وإخوانه منذ النكبة عيناً على فلسطين، عيناً تقاوم المخرز، وما زالت هذه العين مفتوحة تعتّز بكل فعل مقاوم وتكشف كل نهج مساوم. فتستحق منّا التحية، ويستحق صاحبها منّا كل التقدير والاحترام.
«الثوريون لا يموتون»، كما قال جورج حبش، بل لا يتقاعدون كما يفعل اليوم صالح شبل، أطال الله في عمره.

* كاتب وسياسي لبناني