ما أبشعنا
في السادس من حزيران تستفيق الهزيمة فينا وكأنّما هي شيء صادم خارج منطق التاريخ والهوية، فنعبث في المفردات بحثاً عن كلمة رثاء أو قصيدة منسية، من دون أن نجرؤ على مواجهة وجوهنا الشاحبة وأسمالنا الرثة ومدننا الحزينة وأشكالنا البائسة في عالم لا نبدو فيه أكثر من كائنات كوميدية في رقص دموي غير ذي جدوى. ونحاول رغم وضوح الأمور أن نتجاوز حقيقتنا التي تتلخص بمفردتين عربيتين فصيحتين: ما أبشعنا!

ليست الهزيمة هي ما يؤلم، إنّما البشاعة. انهزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية، لكن هل يجرؤ أميركي اليوم على تحدي غزو اليابان الرائع للولايات المتحدة. وهل للمنتوج الأميركي أن ينافس المنتوج الياباني حتى في أرقى شوارع مانهاتن؟. ألم تخرج ألمانيا كسيحة مدّمرة حتى الرماد لتُبعث بعد ثلاثين عاما كماكينة صناعية لا تقهر؟ وماذا عن إيطاليا وكوريا والصين؟
في بحثنا عن أسباب الهزيمة نهرب من وجوهنا القبيحة ونعاود اجترار الواقع ذاته في منتهى الغباء والخبث، على وقع دورات دموية لن تأتي إلا بمزيد من القبور، في عالم يمتلك من التكنولوجيا ما يكفي لإبادة شعوب في ثوان. فمنطق تقديم القرابين على مذبح الآلهة لا يفي وحده بالغرض، ولا يرقى إلى مستوى التحدي. فالفعل الحقيقي يكون أولاً بغسل وجوهنا وتنقية أدمغتنا من عويل الصحاري، وتحرير رقابنا من عبودية مقدّسة. ومتى كان للعبودية قدسيتها إلا في معجم البائسين؟.
إن الإرتقاء بالإنسان هو عين القضية وليست إسرائيل سوى المرآة التي نرى فيها كل انحطاطنا، وهزيمتها الكبرى لن تكون إلا حين تنقلب مدننا من مستنقعات بكاء وعويل إلى مشاريع غزو حضاري للذات وللعالم. فما دُمنا على هذه الشاكلة لن نستطيع إقناع أحد في هذا العالم بأن يأخذنا على محمل الجد. فلا يمكن مواجهة حركة التاريخ المعاصر إلا بمنطق هذا التاريخ وليس بنكرانه. إنّ مجرد فكرة انتصار هذه الأمة، بما هي عليه، على العالم، لهو أمر مرعب ومدعاة خوف. فماذا سنفعل بهذا العالم وهل سنعيد صياغته على شاكلتنا؟. هل نقدّم مقديشو بديلا مدنيا عن باريس؟ وسباق الإبل مشروعا موازيا لحرب النجوم؟.
هي الحقيقة المُرّة أن علينا الإعتراف أولا، ثم الشروع بحلم بناء مدينة جميلة وعادلة واحدة، لم نصنعها في كلّ تاريخنا. فهذه الشعوب المتهالكة على أرض هذا المنخفض البائس ما بين آسيا وأفريقيا أحوج ما تكون إلى الإستحمام من أدران التاريخ، وإلى مواجهة الشمس، وإلى تعلّم أبجدية الحب والخير والجمال. فكيف للعالم أن يحبنا ونحن ندرك تماماً أنّ مشهدنا على مسرحه قد يثير الشفقة لكن حتما لن يثير الإعجاب.
أياد المقداد